5 خطوات لتحد من النسيان الناتج عن الضغوط النفسية

5 دقيقة
النسيان الزائد
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: سألني طفلي الصغير في أثناء كتابة هذا المقال عن مكان لعبته المفضلة وعلى الرغم من أني متأكدة أني رأيتها صباحاً لكنني لم أتذكر المكان الذي رأيتها فيه، حاولت التذكر ولكن يبدو أن مكانها تلاشى من ذاكرتي تماماً، وعلى الرغم من أن النسيان أمر طبيعي للغاية ويمكن أن يحدث يومياً، فإن النسيان الزائد يمكن أن يكون علامة واضحة على التعرض للضغوط النفسية، وهو الأمر الذي سنتحدث عنه في هذا المقال.

هل حدث معك ذات مرة أن دخلت إلى إحدى الغرف ووقفت على عتبة الباب ثم شعرت فجأة بأن عقلك فارغ لتسأل نفسك بعدها؛ لماذا أتيت إلى هنا؟ هل بحثت من قبل عن مفاتيح سيارتك بشكل محموم ونسيت تماماً المكان الذي تركتها فيه وكأنه اختفى من ذاكرتك إلى الأبد؟

الحقيقة إن النسيان عموماً لا يعني فقدان المعلومات أو غيابها من الذاكرة طويلة الأجل لكنه ينطوي على فشل في استرجاع المعلومة المطلوبة، فعلى الرغم من أن المعلومات موجودة في مكان ما في ذاكرتك طويلة المدى، فإنك عندما تنسى تفقد قدرتك على استرجاعها، وهناك العديد من الأسباب المؤدية للنسيان أبرزها الضغوط النفسية، فما العلاقة بين ضغوطك النفسية وزيادة النسيان؟ الإجابة في هذا المقال.

ما العوامل المحتملة المؤدية للنسيان؟ 

كان أستاذ علم النفس هيرمان إبنجهاوس (Hermann Ebbinghaus) من أوائل العلماء الذين درسوا النسيان بشكل علمي، حيث اختبر إبنجهاوس ذاكرته لفترات زمنية تتراوح بين 20 دقيقة إلى 31 يوماً ثم نشر النتائج التي توصل إليها عام 1885 في كتابه "الذاكرة: مساهمة في علم النفس التجريبي" (Memory: A Contribution to Experimental Psychology) والحقيقة إن هناك عدداً من العوامل المحتملة التي يمكن أن تؤدي إلى النسيان، أهمها:

  1. النسيان الناتج عن الاضمحلال: هل شعرت يوماً أن معلومة ما قد اختفت للتو من ذاكرتك وسألت نفسك لماذا لا يمكنك استرجاعها؟ يُعرف أحد التفسيرات المحتملة لفشل الاسترجاع بنظرية الاضمحلال.

ووفقاً لهذه النظرية تبدأ بعض المعلومات في الاختفاء والتلاشي إذا لم يتم استرجاعها، حيث تشير الأبحاث إلى أن الدماغ يقوم بتشذيب الذكريات غير المستخدمة وهي عملية تُعرف باسم النسيان النشط، فمع تراكم الذكريات فإن تلك المعلومات التي لم يتم استرجاعها تُفقد في نهاية المطاف.

  1. النسيان الناتج عن التدخل: ينسى الناس في بعض الأحيان بسبب ظاهرة تعرف بالتداخل؛ حيث تتداخل بعض الذكريات مع ذكريات أخرى وذلك عندما تكون المعلومات مشابهة جداً لمعلومات أخرى تم تخزينها مسبقاً في الذاكرة.
  2. النسيان بسبب عدم التخزين في الذاكرة طويلة الأمد: في بعض الأحيان، لا يكون لفقدان المعلومات علاقة بالنسيان بقدر ما يتعلق بحقيقة أنها لم تصل أبداً إلى الذاكرة طويلة المدى في المقام الأول، ففي إحدى التجارب العلمية طُلب من المشاركين في تجربة علمية تذكر شكل تفاصيل العملة الأميركية والنتيجة كانت مدهشة حيث فشل أغلب المشاركين في تذكرها، وهذا ببساطة لأن هذه المعلومات ليس ضرورية لهذا فإن معظم الناس لا يحفظونها في ذاكرتهم.
  3. النسيان المُحفز: في بعض الأحيان قد نعمل بنشاط من أجل نسيان الذكريات، خاصة تلك المتعلقة بالأحداث والتجارب المؤلمة أو المزعجة، وهناك شكلان أساسيان للنسيان المُحفز هما الكبت وهو شكل واعي من النسيان، والقمع وهو شكل غير واعي من النسيان.
  4. عوامل أخرى: هناك عدد آخر من الأسباب المحتملة للنسيان، من أبرزها:
  •  الاكتئاب.
  • اضطرابات النوم.
  • تناول بعض الأدوية مثل مضادات الاكتئاب والمهدئات وأدوية البرد والحساسية.
  • التقدم في العمر.
  • الضغوط النفسية.

اقرأ أيضاً: ما أسباب النسيان المتكرر؟ إليك 7 نصائح عملية لتقوية ذاكرتك

ما العلاقة بين الضغوط النفسية وزيادة النسيان؟

يعد التوتر استجابة أجسامنا الطبيعية للضغوط النفسية؛ وحين تكون تلك الضغوط محدودة يمكن أن تكون مفيدة حيث تعد بمثابة الوقود العقلي لنا لإنجاز الأمور وتحقيق أهدافنا وتعزيز الطاقة والأداء؛ على سبيل المثال قد يكون الضغط النفسي ليلة الامتحان أو عشية التحضير لاجتماع في العمل أمراً مهماً لأنه يمنعك من المماطلة ويحفز تركيزك بشكل أقوى وهو الأمر الذي يمكن أن يساعدك على النجاح.

لكن الضغوط النفسية المستمرة يمكن أن تسبب أضراراً نفسية بالغة بعدة طرائق؛ ففي بعض الأوقات تؤدي إلى الإصابة باضطرابات القلق، كما أنها تضر الجهاز العصبي وتضعف وظيفة الذاكرة، وهذا تحديداً ما أوضحه استشاري الطب النفسي إبراهيم حمدي حين أشار إلى أن كثرة النسيان خاصة في مرحلة الشباب دليل واضح على المعاناة من الضغوط النفسية والقلق والاكتئاب.

وفي هذا السياق يؤكد أستاذ علم النفس إرنستو ليرا دي لا روزا (Ernesto Lira de la Rosa) إن أجسامنا تحاول دوماً حمايتنا ومساعدتنا في البقاء على قيد الحياة؛ ولذلك حين تواجه الضغوط النفسية يحاول جسمك اتخاذ رد فعل عبر استجابة القتال أو الهروب أو التجمد؛ فبمجرد أن يشعر جسمك بالتهديد يحاول النجاة من هذا الوضع مهما كلف الأمر.

وتوضح المعالجة النفسية فالنتينا دراغومير (Valentina Dragomir) إن استجابة القتال أو الهروب تؤدي إلى  إفراز هرمون التوتر (الكورتيزول)، الذي يمكن أن يتداخل مع قدرة الحصين على خلق ذكريات جديدة؛ حيث إن الضغوط النفسية المزمنة أو طويلة المدى تؤدي إلى انكماش منطقة الحصين في الدماغ.

وتُجدر الإشارة إلى أن الحصين يعد ضرورياً لإنشاء الذاكرة وهيكلتها والحفاظ عليها، كما أنه مسئول أيضاً عن ربط المشاعر بالذكريات؛ هل سبق لك أن لاحظت كيف يمكن لرائحة معينة أن تستحضر حدثاً لا يُنسى؟ يعتبر الحصين هو المسئول الأول عن ذلك الأمر ولهذا فهو ضروري في حياتنا اليومية، وقد تتأثر ذكريات الشخص وقدرته على إنشاء ذكريات جديدة إذا تضرر الحصين بسبب المرض أو الضغوط النفسية التي يمكن أن تؤدي إلى زيادة النسيان.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن فوبيا النسيان وكيفية علاجها؟

5 خطوات لتحد من النسيان الناتج عن ضغوطك النفسية

توجد العديد من الخطوات التي يمكنك القيام بها خلال أوقات الضغوط النفسية لتحسين ذاكرتك، مثل:

  1. تقسيم المهام: عندما تداهمنا الضغوط النفسية قد لا نتمكن من إنجاز الأمور لأننا نشعر بالإرهاق أو ربما نكون غير قادرين على التركيز بسبب التوتر، لهذا من المهم أن نقسم المهام من أجل تحديد الأولويات وذلك من خلال توزيعها على ثلاث فئات:
  •  الفئة الأولى: نكتب بها المهام التي يجب القيام بها قريباً.
  • الفئة الثانية: تضم المهام التي يمكن القيام بها لاحقاً.
  • الفئة الثالثة: تشمل المهام الأقل أهمية التي يمكن القيام بها في أي وقت.
  1. الحصول على قسط كافي من النوم: قد يكون من الصعب عليك التركيز وتذكر الأشياء حين تكون متعباً ومرهقاً، لذلك من المهم أن ترتاح قليلاً وذلك عبر أخذ قسط كافي من النوم حيث إنه يساعدك على تحسين وظائف الذاكرة وتعزيز عمل التركيز.
  2. ممارسة التمارين الرياضية: الانتظام في ممارسة التمارين الرياضية أمر بالغ الأهمية من أجل عيش حياة صحية، كما أنه يعد من أكثر وسائل التخلص من التوتر فعالية لأنه يساعد على إطلاق هرمون الإندروفين الذي يؤدي إلى الشعور بالسعادة والاسترخاء.
  3. قضاء الوقت مع الأهل والأصدقاء: يمكن أن تسبب العزلة ضغوطاً غير صحية وتؤدي إلى الاكتئاب، لذلك من المفيد تكوين روابط اجتماعية قوية بهدف تقليل التوتر وتحسين الحالة المزاجية.
  4. تدريب عقلك: حتى تحد من حالة النسيان الزائد التي تتعرض لها بسبب الضغوط النفسية عليك تدريب عقلك عبر بعض الألعاب مثل الشطرنج أو الكلمات المتقاطعة أو السودوكو  حيث يمكن أن تساعد جميعها في تعزيز الذاكرة، وإذا لم تجد فكرة الألعاب جذابة يمكنك القيام بالأنشطة التالية:
  •  دراسة لغة أجنبية جديدة.
  • التدرب على آلة موسيقية تحبها.
  • تعلم مهارة جديدة مثل الرسم أو الخياطة.

في النهاية، عليك أن تدرك جيداً أن النسيان هو جزء طبيعي من الحياة لكن غير الطبيعي هو النسيان الزائد المرتبط بالضغوط النفسية طويلة المدى التي لا تتوقف ولا تترك لنا فرصة من أجل التقاط أنفاسنا، لذلك إذا لم تنجح معك كل الإرشادات السابقة للتعامل مع النسيان الناجم عن الضغوط فلا تتردد في استشارة المعالج النفسي.