ماذا يقول العلم في مقولة ابن سينا: “المشي الطويل مسكن الأوجاع”؟

5 دقيقة
المشي الطويل
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: للمشي فوائد صحية جسدية عديدة، لكن القليل من الناس من يعرف فوائد المشي للصحة النفسية. فما فوائد المشي للصحة النفسية وكيف يمكن تحقيق الاستفادة القصوى من هذه الممارسة؟

وصف العالم الشهير ابن سينا المشي الطويل بـ "مسكن الأوجاع"، وتعكس تلك المقولة الفوائد النفسية والجسدية الثمينة لهذه الرياضة المجانية تماماً، فهي لا تتطلب معدات خاصة أو اشتراك في نادٍ ويمكن للجميع ممارستها في أي مكان على مدار اليوم، فيا تُرى: ما المقصود بالمشي الطويل وكيف يؤثر في صحتك النفسية والجسدية؟

ما المشي الطويل؟

لا يوجد تعريف واضح للمسافة أو الوقت اللازم للمشي الطويل، حيث يعد المشي لأكثر من ساعتين في المرة الواحدة، أو على الأقل 10 كيلومترات، "مشياً لمسافات طويلة"؛ بينما تصنف جمعية مشاة المسافات الطويلة الإنجليزية (The Long Distance Walkers Association) أي مسار مشي يزيد طوله عن 32 كيلومتراً بعيداً عن الطرقات المعبدة أنه مشي لمسافات طويلة.

ويخلتف المشي الطويل نسبياً من شخص لآخر وفقاً للقدرات ومستوى اللياقة، على سبيل المثال، إذا كنت تمشي عادةً 5 كيلومترات يومياً، فإن المشي لمسافة 10 كيلومترات قد يُعد بالنسبة لك "مشياً لمسافات طويلة"، لكنه ليس كذلك بالنسبة للمشاركين المحترفين في سباقات المشي الطويل مثلاً.

ما فوائد المشي الطويل لصحتك النفسية والجسدية؟

عموماً، للمشي فوائد صحية جسدية عديدة فهو يُقلل خطر الإصابة بأمراض القلب ومرض السكري من النوع الثاني ويُحسّن صحة القلب والأوعية الدموية ويُعزز الصحة العقلية ويُخفض مستوى التوتر ويُطيل متوسط العمر المتوقع، أما عن فوائده النفسية فتشمل:

1. تحسين المزاج والحد من القلق والاكتئاب

يؤكد الطبيب النفسي، علي جابر السلامة، إن المشي يعد أحد العلاجات التكميلية الفعالة للقلق والاكتئاب واضطرابات النوم والمشكلات الأسرية أيضاً. لذلك يشير إلى إمكانية تسميته بـ "المشي النفسي" لكثرة فوائده على الصحة النفسية، خاصة إذا ما تمت ممارسته بطريقة صحيحة لتحقيق الاستفادة القصوى منه.

ويعدد السلامة فوائد المشي النفسي؛ فهو يساعد على إفراز مواد كيميائية في الدماغ، مثل هرمونات الإندورفين والسيروتونين والميلاتونين، التي تحسن المزاج وتقلل التوتر وتنظم النوم وتخفف الألم الجسدي.

ويضيف إن المشي يسهم في الوقاية من عودة أعراض الاكتئاب والقلق، كما يُحسن الوظائف المعرفية ويساعد على التفكير الإبداعي وحل المشكلات. ويفيد السلامة بأن المشي يوفر فرصة للتفاعل مع الآخرين والتواصل مع الطبيعة ويستطيع أن يعزز الروابط الأسرية بين الأزواج أو أفراد الأسرة ويُقرب وجهات النظر.

ويمكن للمشي أن يساعد على تخطي المشاعر والذكريات السيئة، في هذا السياق يسرد الطبيب النفسي، ملهم الحراكي، معاناة المعالجة النفسية الأميركية فرانسين شابيرو (Francine Shapiro) من مشكلة نفسية، ما دعاها إلى الذهاب إلى حديقة سنترال بارك الشهيرة في نيويورك وعندما بدأت تجوالها في الحديقة الشاسعة، شعرت مع كل خطوة أن مشكلتها تتلاشى.

أدركت شابيرو أن المشي قد يكون وسيلة جديدة للعلاج النفسي، فأجرت دراساتها ونشرت بحثاً عام 1989 عن فاعلية علاج الصدمات عن طريق حركات العين بعدما لاحظت أن المشي مع تحريك العينين يميناً ويساراً على مشاهد جميلة يساعد على تلاشي الذكريات السيئة، وانتشر استخدام هذه الطريقة في العلاج النفسي منذ ذلك الحين وعرفت اختصاراً بالعلاج بالاستثارة الثنائية لحركة العين (EMDR).

2. وسيلة للنمو الشخصي والتحول الداخلي

يرى مؤسس العلاج النفسي الوجودي رولو ماي (Rollo May) أن المشي لمسافات طويلة يمكن أن يساعد على تحقيق الإمكانات الكامنة للأشخاص من خلال تنمية الوعي الذاتي والشجاعة والاستماع إلى ما يقوله الجسد.

توضح هذه المقالة، التي نشرتها مجلة أفكار جديدة في علم النفس (New Ideas in Psychology)، فلسفة ماي بأن الانغماس في الطبيعة وتحدي قدرات الجسد في أثناء المشي الطويل يوفر مساحة للتأمل العميق ومواجهة الذات بعيداً عن ضغوط الحياة اليومية.

وفقاً للمقالة، قد يكون المشي لمسافات طويلة "علاجاً" في حد ذاته، يساعد على معالجة الصدمات والتجارب المؤلمة من خلال مزج النشاط البدني بالهدوء الذهني الذي توفره الطبيعة.

3. زيادة القدرة على تجاوز الصعوبات

بحثت دراسة علمية، نشرتها المجلة الاسكندنافية لعلم النفس (Scandinavian Journal of Psychology)، تأثير المشي لمسافات طويلة في التفكير لدى البالغين في منتصف العمر وكبار السن. توصلت الدراسة إلى أن المشي لمسافات طويلة يوفر فرصة للتغلب على الصعوبات واكتساب الشعور بالقدرة، كما يساعد على تبسيط الالتزامات وإتاحة الوقت للتأمل في التجارب العاطفية الصعبة.

ويؤدي شعور المرء بالوحدة في أثناء المشي إلى تعزيز التفكير في الذات وتقييم الحياة والتأمل بعمق، وعلى الرغم من فوائد المشي لمسافات طويلة، فمن الضروري مراعاة أن الشعور بالوحدة قد لا يكون مناسباً للجميع، خاصة الذين يعانون العزلة الاجتماعية.

4. تخفيف الضغوط

تؤكد مراجعة، نشرتها المجلة الدولية للبحوث البيئية والصحة العامة (International Journal of Environmental Research and Public Health)، لمجموعة من الدراسات الفوائد المحتملة للمشي لمسافات طويلة على الصحة النفسية، خاصة في التخفيف من الضغوط النفسية والعاطفية.

يرجع الباحثون هذه الفوائد إلى الجمع بين النشاط البدني والتعرض للطبيعة، وتعزيز المشاعر الإيجابية وتحقيق الذات.

اقرأ أيضاً: لا ترتدِ السماعات في أثناء ممارسة رياضة المشي لهذا السبب النفسي

كيف تحقق أقصى فائدة من المشي الطويل لصحتك النفسية؟

لتحقيق أقصى استفادة من فوائد المشي على الصحة النفسية، يمكنك دمج ممارسات أخرى، مثل:

  1. اليقظة الذهنية: حول نزهتك إلى ممارسة لليقظة الذهنية من خلال التركيز على اللحظة الحاضرة واستخدام جميع حواسك؛ انتبه إلى إحساس قدميك على الأرض ولاحظ الألوان وأنماط الضوء والظل والروائح والأصوات من حولك وتلامس الهواء ببشرتك، يمكن أن يساعدك ذلك على تقليل التوتر وزيادة الشعور بالهدوء وتعميق اتصالك بالبيئة.
  2. التنفس العميق: ركز على تنفسك في أثناء المشي، خذ أنفاساً عميقة وبطيئة مستنشقاً من أنفك ومطلقاً الزفير من فمك؛ يمكن أن يساعدك ذلك على تقليل التوتر والقلق والمشي بصورة مريحة.

10 نصائح مهمة قبل ممارسة رياضة المشي لمسافات طويلة

  1. ابدأ بخطوات صغيرة: لا تُثقل نفسك بمسافات طويلة في بداية رحلتك، ابدأ زيادة المسافة تدريجياً بنحو 10 دقائق أو كيلومتر واحد أسبوعياً، مع مراعاة مستوى لياقتك البدنية.
  2. لا تنس الماء والغذاء: احرص على شرب كمية كافية من الماء قبل رحلتك وخلالها وبعدها، ويمكنك اصطحاب أطعمة خفيفة غنية بالعناصر الغذائية، مثل المكسرات المجففة والفواكه الطازجة.
  3. خطط مساراتك: حدد مسار رحلتك مسبقاً، مع مراعاة وجود أماكن للراحة وسهولة الوصول إلى الحمامات العامة، واختر مسارات بعيدة عن حركة المرور، مثل الأرصفة أو المسارات المخصصة للمشي.
  4. شارك رحلتك: ابحث عن صديق أو أحد أفراد العائلة يشاركك المشي، إذ تشير دراسة نشرتها الدورية الدولية للبحوث البيئية والصحة العامة (International Journal of Environmental Research and Public Health)، إلى أن المشي مع الأصدقاء، خاصة في البيئات الطبيعية، يمكن أن يعزز الصحة النفسية ويمنع الاكتئاب، فالتفاعل الاجتماعي يُضفي على المشي روح المغامرة والمتعة ويشجع على الالتزام وتحقيق الأهداف.
  5. تتبع تقدمك: استخدم جهاز قياس الخطوات أو تطبيق المشي أو ساعة اللياقة البدنية لتتبع المسافة التي تقطعها، ما يساعدك على مراقبة تقدمك وزيادة تحفيزك.
  6. احرص على الترفيه عن نفسك: لجعل رحلتك ممتعة، اصطحب معك ما يُسليك، مثل الكتب الصوتية أو حلقات البودكاست أو الموسيقى التحفيزية.
  7. اختر الحذاء المناسب: ارتدي حذاءً مريحاً يوفر الدعم اللازم لراحة قدميك ويحمي مفاصلك.
  8. انتبه لنوعية ملابسك: ارتداء طبقات خفيفة من الملابس يسمح لك بخلع طبقة أو ارتداء أخرى، بحسب تغيرات الطقس، ما يضمن راحة أكبر طوال رحلتك.
  9. افسح مجالاً لجسمك حتى يلتقط أنفاسه: خصص بعض الوقت للتمدد الخفيف والتدليك لتهدئة عضلاتك والحفاظ على ليونة مفاصلك، وأخذ قسط كافٍ من الراحة للسماح لجسمك بالتعافي الكامل.
  10. نوّع التمارين الرياضية المصاحبة للمشي: يساعدك دمج تمارين أخرى، مثل الجري أو ركوب الدراجة أو السباحة، مع المشي لمسافات طويلة على تحسين لياقتك البدنية وتعزيز قدرتك على التحمل.

أخيراً، لا شك في أن المشي يحمل مجموعة واسعة من الفوائد للصحة النفسية، لكنه ليس بديلاً للعلاج النفسي؛ فإذا كنت تعاني مشكلة نفسية أو تواجه صعوبات في حياتك اليومية، فلا تتردد في طلب المساعدة المتخصصة.

اقرأ أيضاً: لماذا يعد المشي بأقدام حافية مفيداً لصحتك النفسية؟