كيف تعزّز المرونة في بيئة العمل المشاعرَ الإيجابية والإنجاز؟

4 دقائق
المرونة في بيئة العمل
shutterstock.com/Master1305

عند اتخاذك لقرار ما، هل تكون واعياً بشكل كافٍ بعواقب ذلك القرار؟ أم ينصبّ اهتمامك بشكل أساسي على أن تكون صارماً وسريعاً وملتزماً بالإطار الزمني المطلوب منك اتخاذ قرارك فيه؟

على الرغم من أن الصرامة والسرعة والالتزام بالمواعيد قد يبدون أموراً مهمة في اتخاذ القرارات؛ فإنهم ليسوا الأهم، فالمرونة واللياقة العقلية التي نتخذ القرارات وفقاً لهما يؤديان أدواراً لا تُضاهى في حياتنا الشخصية والعملية.

ولكي يتمكن الفرد من تحسين إنتاجيته والشعور بالانسجام في بيئة العمل؛ هناك جانبان رئيسان: أن يكون الفرد وكذلك بيئة العمل مرنَين. فكيف تؤثر مرونة الموظفين في أدائهم؟ وكيف يمكن بناء فِرق مرنة وقادرة على التعامل مع الصعوبات بشكل جيد؟ وما الآثار النفسية الإيجابية لذلك في الأفراد؟

المرونة واللياقة العقلية في بيئة العمل

المرونة عنصر أساسي لتحقيق النجاح في العمل والحياة الشخصية، وهي تعني أن يتمكن الشخص من التعافي والازدهار رغم التحديات الكبرى وعقب حدوث الصدمات. كذلك لا يمكن اختبار مرونة الشخص بمعدل توتره عند التعرّض لأحداث ضاغطة فقط؛ لكن الطريقة التي يتعامل بها مع الإجهاد هي مؤشر قوي على مدى مرونته، وفقاً للمديرة المساعدة السابقة لمركز الصحة العقلية في بيئة العمل، إيوريا دارلي (Ewuria Darley).

وتشير خبيرة اليقظة الذهنية المتخصصة في علم النفس الإيجابي التطبيقي، جينا سنكلير (Jenna Sinclair) إلى أن اللياقة العقلية تكون بامتلاك الفرد حالة من الرفاهية والوعي بطريقة تفكيره وسلوكه وشعوره، ومثلما تزودنا اللياقة البدنية بقدرة جسدية على أداء المهام التي تتطلب مجهوداً بدنياً، تساعدنا اللياقة العقلية بنفس الطريقة في عملنا واتخاذ قراراتنا، فعندما نكون ذوي لياقة عقلية، تختلف الطريقة التي نتفاعل بها مع العالم ونكون أكثر إيجابية.

كما تحمينا اللياقة العقلية من "الإصابات" التي قد تنتج من علاقاتنا الشخصية والعملية نتيجة الاندفاع وردود الأفعال غير المحسوبة، وتساعدنا على إعادة تطوير وبرمجة أدمغتنا وإنشاء مسارات عصبية تخدمنا بشكل أفضل عوضاً عن ردود الأفعال التلقائية التي تغذت بها عقولنا على مدار السنوات بناء على تجارب سابقة.

اقرأ أيضاً: المرونة: ما نتعلمه من مختصي الأعصاب

كيف يمكن بناء فِرق عمل مرنة؟

ما بين ساعات العمل الطويلة والإجهاد الوظيفي والعمل بنظام المناوبات وصراع الأقران على المناصب، تتزايد ضغوط بيئة العمل؛ ما يمكن أن يؤثر سلباً في الصحة النفسية للموظفين. لذلك أصبح تحسين ثقافة مكان العمل وبناء قوى عاملة مرنة أمراً ضرورياً لمعالجة ضغوط العمل والحفاظ على الصحة النفسية والعقلية للموظفين؛ ما ينتج عنه تعامل أفضل مع ضغوط العمل والإجهاد.

في هذا السياق؛ تقدّم دارلي بعض النصائح المهمة لأصحاب العمل لإنشاء قوى عاملة مرنة وثقافة أكثر صحة:

1. افهم موظفيك: الموظفون المرنون يصنعون منظمات مرنة، والأشخاص الذين يتم دعمهم وتحفيزهم يكونون أفضل في التغلب على العقبات وعوامل التشتيت. لذلك يجب أن تعرف المزيد حول عوامل الضغط المرتبطة بالعمل التي تؤثر في الموظفين. يمكنك أن تطلب منهم إكمال استبيانات حول الرضا عن العمل دون ذكر أسمائهم، وبمجرد حصولك على البيانات ومعرفة تأثير الإجهاد والعوامل الأخرى فيهم، يمكنك وضع خطة لبناء المرونة وثقافة عمل صحية.

2. إشراك القيادة: يتطلب مكان العمل المرن دعم القيادة للموظفين، ومن المرجح أن يشارك الموظفون في إعداد برامج المرونة مع قادة المنظمة.

3. تنظيم تدريبات عن المرونة: تساعد هذه التدريبات على رفع كفاءة الموظفين والمشاركة الجيدة في العمل، ويجب أن تستهدف:

  • التغلب على التحديات الشخصية.
  • إدارة العواطف.
  • الحماية من الإجهاد.
  • التعامل مع ضغوط العمل.

4. خلق ثقافة عمل مرنة: ترتكز الثقافة التنظيمية على مبادئ التمكين والهدف والثقة والمساءلة، ويتم تعزيز أو تحسين ثقافة المرونة من خلال بيان على مستوى الشركة يُظهر الدعم للموظفين جنباً إلى جنب مع الالتزام بالعمل والتواصل المنتظم.

5. البحث عن طرق لتحسين بيئة العمل: سواء كانت بيئة العمل عن بعد أو بها مكاتب فعلية، يمكن تعزيز المرونة بالسماح بالاستقلالية كلما أمكن ذلك، وتوفير الوصول إلى الخدمات والدعم عند الحاجة للحفاظ على صحة بدنية وعقلية جيدة؛ مثل استشارة مختص الصحة النفسية، والسماح بأوقات العمل المرنة، بالإضافة إلى وضع توقعات منطقية بشأن النتائج وساعات العمل.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر العمل عن بعد على صحتنا النفسية؟

3 نصائح لدعم الصحة النفسية للموظفين

يمكن أن يصبح العمل عبئاً ذهنياً على الموظفين، واستمرار ذلك الأمر يمكن أن يجعلهم أكثر عرضة للإجهاد. يمكن تخفيف ذلك العبء من خلال هذه النصائح المقدمة من مركز "المدرّب" (coach hub):

1. خلق عمل هادف

يمكن أن يصبح العمل عبئاً عقلياً سريعاً يثقل كاهل إرادة الموظفين ويحبطهم عندما لا يرون قيمة لما يفعلونه. مع مرور الوقت؛ يمكن أن يجعلهم ذلك عرضة للإجهاد. ويمكن التخفيف من ذلك عن طريق:

  • خلط أنواع مختلفة من العمل بين الموظفين لكسر الرتابة وتعزيز التعاون والتفاهم بينهم.
  • إطلاع الموظفين على مجريات الأمور في الشركة والصورة الأكبر التي يعملون وفقاً لها؛ ما يساعدهم على فهم سبب تكليفهم للعمل بطريقة معينة، ولماذا يتم اتخاذ بعض القرارات دوناً عن غيرها.

2. جعل ثقافة "الوقت الحر" جزءاً من بيئة العمل

لا يتم إنجاز العمل دائماً بالجلوس أمام لوحة المفاتيح والعمل لساعات متواصلة؛ يمكن أن تنبثق الأفكار المختلفة خلال وقت الراحة تناول القهوة، أو نزهة لمدة 15 دقيقة للتفكير بحرية، أو حتى أخذ قيلولة سريعة لإعادة النظر في العمل بشكل مختلف.

ويعد وقت الخمول أيضاً أمراً حاسماً لأدمغتنا لتجميع المعلومات التي تلقيناها دفعة واحدة، فعندما يكون لديك عدد كبير من الأفكار حيال مشروع ما، يجب التركيز على الأولويات وتقليص الأفكار واختيار الأفضل، وذلك ببساطة لأنه لا يمكن تطويرها جميعاً ضمن جدول زمني ضيق أو أنها ليست مناسبة للفترة الحالية.

3. التواصل الهادف مع الموظفين

نعلم جميعاً أن الحفاظ على التواصل مع فرق العمل أمر مهم، خاصة بالنسبة للفرق المتفرقة. لكن التواصل لا يعني فقط سؤالهم عن المهام المطلوبة منهم وكيف يجري العمل؛ من المهم سؤالهم عن ما يشعرون به في بيئة العمل، وإذا ما كانوا يعانون من مشاعر الوحدة والعزلة أو غيرها.

يُقصد بذلك أيضاً التركيز على الموظفين كأشخاص، لا التركيز على العمل، ليشعروا أنك تهتم حقاً بصحتهم النفسية ورفاهتهم الشخصية بنفس قدر اهتمامك بمساهمتهم في العمل.

وأخيراً؛ لا يجب إغفال أهمية المرونة في بيئة العمل، كما أنها أمر يجب على كلا طرفيّ المعادلة -الموظف والمدير- العمل عليه وتطويره. وإذا تم تحقيق ذلك بنجاح؛ يتمكن الأفراد من الشعور بمزيد من الرضا الوظيفي واحترام الذات، والشعور بامتلاك هدف في الحياة، بالإضافة إلى تحسين العلاقات الشخصية مع أصدقاء العمل.

المحتوى محمي