إلى كم عناق نحتاج يومياً؟ ولماذا يُعد ضرورياً لصحتنا النفسية والجسدية؟ مختصة نفسية تخبرنا

3 دقيقة
العناق
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: لماذا يعدّ العناق سلوكاً مفيداً لصحتنا النفسية والعاطفية؟ ما الفوائد التي نجنيها من ممارسة هذا السلوك؟ ما عدد حركات العناق التي نحتاج إليها يومياً؟ طرحت نفسيتي هذه الأسئلة وغيرها على المختصّة في علوم الأعصاب، سيلين ريفيير، وحصلت منها على الإجابات التالية. لنتابع. 

نفسيتي: لماذا نشعر بالارتياح بعد العناق؟

سيلين ريفيير (Céline Rivière): السبب الأول هو أن العناق يساعد على إفراز هرمون الأوكسيتوسين الذي يسمّى أيضاً "هرمون الارتباط أو السعادة". يحدث ذلك عندما نعانق شخصاً أو يعانقنا مدة 20 ثانية على الأقل. هذا الهرمون الذي يفرزه الدماغ ذو تأثير مهدئ ويولّد إحساساً فورياً بالراحة النفسية. يؤدي هذا الهرمون وظيفته عندما نكون في حالة هدوء وشعور بالإشباع. وهذا ما نشعر به بالطبع في حالة العناق، وقد نشعر به أيضاً عندما نسترخي على شاطئ البحر تحت أشعة الشمس أو عندما نمارس التأمل. إنه مضاد لهرمون التوتر؛ أي الكورتيزول.

لكنّ فائدة العناق لا ترتبط بالهرمونات فحسب؛ نشعر بالارتياح خلال العناق لأنه يذكّرنا بطفولتنا؛ يذكّرنا بشخصية الطفل الذي كان يشعر بالأمان عندما يرتمي في حضن أحدهم. لذا عندما يعاملنا شخص ما بعطف وحبّ، يغمرنا من جديد هذا الشعور بالراحة النفسية.

نفسيتي: ما الذي تكشفه أبحاث علوم الأعصاب حول سلوك العناق؟

سيلين ريفيير: تُبرز الأبحاث دور العصبونات المرآتية. عندما يفعل الآخر شيئاً أمامنا، فإن نشاطنا العصبوني يولّد رغبة في فعل الشيء نفسه. على سبيل المثال؛ عندما أرى شخصاً يحكّ جلده أو يتثاءب ستنتابني رغبة في فعل الشيء نفسه. وعلى غرار ذلك، عندما أرى شخصاً قادماً باتجاهي يريد أن يأخذني في حضنه فسينتابني شعور لطيف وإيجابي؛ سأشعر بالثقة. تساعدنا الجُسيمات اللمسية أو تلك المستقبلات الصغيرة الموجودة على مستوى الجلد بإرسال رسالة إلى القلب للإشارة إلى شعور الراحة النفسية الذي ينتابنا عندما يلمسنا شخص آخر، وحينها نشعر بالمزيد من الراحة والطمأنينة.

نفسيتي: هل يعزّز العناق الصّلات الاجتماعية؟ وهل هو مفيد للحدّ من التوتر؟

سيلين ريفيير: نعم. عندما نفرز هرمون الأوكسيتوسين، فإننا نتقرّب أكثر من الآخرين ويتراجع خوفنا منهم، ويقلّ شعورنا بالوحدة؛ لأن لمس الآخر يعني أننا لسنا وحدنا.

نفسيتي: لماذا تصعب معانقة الآخر إلى هذه الدرجة في مجتمعنا؟

سيلين ريفييرلأننا نخاف ردّ فعله. ليس من السهل التقرّب من الآخر لأننا نشعر باستمرار أنه قد يرفضنا، علماً أن هذا الرفض هو ما يمكن أن يحدث في أسوأ الأحوال. لهذا؛ تبدو لنا معانقة الحيوانات أحياناً أسهل من معانقة البشر لأننا لا نخشى رفضها لنا. وإذا عانقْنا حيواناً ثم انصرف عنّا بعد لحظات مثلما يحدث مع القطط، فإننا لا نعدّ سلوكه هذا مؤلماً؛ لأن الحيوانات لا تتركنا بسبب موقفها منّا بل فقط لأنها أخذت ما يكفي من العناق.

نفسيتي: هل هناك تطابق بين معانقتنا للآخر ومعانقته لنا؟

سيلين ريفيير: نعم لأن العناق مشاركة وتبادل. عندما نعانق شخصاً فإننا نستقبل أيضاً عناقه.

نفسيتي: هل تؤثر هذه الحركة البسيطة حقاً في جهاز المناعة؟

سيلين ريفييرنعم. وقد أثبتت ذلك دراسة أجراها باحثون أميركيون بجامعة كارنيغي ميلون في مدينة بيتسبرغ. كشفت هذه الدراسة أن العناق والاحتضان يقلّلان احتمالات الإصابة بالزكام والأنفلونزا والفيروسات العديدة التي تنتشر خلال فصل الشتاء.

نفسيتي: وما تأثير العناق في علاج بعض الاضطرابات مثل التوحّد؟

سيلين ريفيير: يعاني المصابون بالتوحّد مشكلة مع اللمسات والنظرات. لتجاوز هذه المشكلة، نلجأ إلى تدريبهم على لمس الحيوانات والنّظر إليها لأن التعامل معها أسهل مقارنة بالبشر. هذا التفاعل بين المصابين بالتوحد والحيوانات يؤدي إلى إفراز الأوكسيتوسين. يجري هذا التدريب عادة مع الخيول أو القطط لأنها حيوانات لا تبحث عن نظرة الآخر بخلاف الإنسان، وهي تعرف جيداً كيفية التعامل مع مرضى التّوحد. إنه سلوك غريزيّ لديها.

نفسيتي: هل لمعانقة الأغراب أو المعارف الفوائد نفسها؟

سيلين ريفييرلا؛ لكنّهما مفيدان معاً. نحن نحاول مثلاً من خلال العناق تشارك الشعور بالعطف؛ إنه عناق يحتوي الآخر. لكننا قد نشعر بالراحة في حضن شخص أكثر من غيره؛ لأنّ التفاعل بين الطرفين يحدث على مستوى الطاقات التي يحملها كلّ منهما. هناك إذاً جانب سحري في العناق لا يمكن تفسيره.

نفسيتي: هل العناق ضروريّ؟

سيلين ريفييرنعم، إنه يصبح ضرورياً ابتداء من لحظاتنا الأولى في الحياة. لقد اتّضح أن وزن الأطفال الخُدَّج على سبيل المثال يزيد بنسبة 50% بفضل اللّمس. لهذا؛ نحرص اليوم على إلصاق الطفل بجسد أمّه مباشرة بعد ولادته لأن ذلك يسمح بالاتصال بينهما.

نفسيتي: إلى أيّ حدّ ينبغي لنا أن نمارس العناق لجني هذه الفوائد؟

سيلين ريفيير: يومياً. هذه الوتيرة اليومية لا تبدو كبيرة بالنسبة إلى الطفل، بخلاف الشخص البالغ الذي نشأ مع مخاوفه ويخشى أن يتعرّض إلى الرفض. لا يعني خوفه هذا أنه لا يرغب في معانقة الآخرين أو استقبال عناقهم؛ لكنّه لا يجرؤ على ذلك في معظم الأوقات. لذا؛ يجب علينا أن نكسر هذا المحظور ونُزيل معوّقات العناق.

علاوة على ذلك، علينا ن ندرك أن العناق يجب أن يستمر 20 ثانية كي نتمكّن من إفراز هرمون الأوكسيتوسين. ونظراً إلى أن المدّة الشائعة بين البالغين هي ما بين 3 و4 ثوانٍ فقط، علينا إذاً أن نضاعف أعداد حركات العناق، والعدد المثالي في نظري هو 5 مرات في اليوم.

نفسيتي: ما النصائح التي يمكن استخلاصها من سلوك العناق لنستفيد منها في حيواتنا اليومية والعائلية والعاطفية؟

سيلين ريفيير: خلاصة القول: كلّما لمسنا الآخرين، شعرنا بالمزيد من الارتياح. ثمة علاقة بين عدد حركات العناق التي نقدّمها للآخرين أو نستقبلها في اليوم، وطول مدّة العلاقة الزوجية مثلاً. إذا أردت إذاً أن تبني علاقة مستدامة وهانئة، فعليك أن تعانق شريكك.

ينطبق الأمر نفسه على الأطفال أيضاً: كلّما أكثرنا معانقتهم، زاد شعورهم بالأمان. علاوة على أن هذا العناق يعزّز قدراتهم على التعلّم، وهو مفيد لنا ولهم؛ فكلّما شعرنا نحن أيضاً بالأمان بفضل العناق، أصبحنا أكثر استعداداً لتحرير قدراتنا العقلية والسماح لها بالتعبير والتعلّم والفهم.

المحتوى محمي