الضغط الاجتماعي: ماذا يعني ألا تكون سعيداً في بلدٍ سعيد؟

الضغط الاجتماعي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قد تكون شاهدت اهتمام بعض المنظمات المختصة بإصدار تقارير سنوية تتحدث عن ترتيب دول العالم بحسب سعادة شعبها؛ والتي تعتمد على مؤشرات ذات معايير متعددة، بَيدَ أن المنطق لا يعني ضرورة تَحقُق السعادة لكل القاطنين في البلدان المتقدمة في تلك المؤشرات!
وفي حين وجود العديد من الارتباطات الإيجابية بين مشاعر وعواطف السعادة في كثير من الأحيان مع العيش الرغيد الذي يتسم بجودة حياة عالية وصحة نفسية وعقلية جيّدة؛ قد يحدث ذلك الارتباط بصفة عكسية عندما يتداخل الضغط الاجتماعي ويؤثر في أطراف هذه المسألة.

وهنا لا نُنكِر أن السعادة تجربة حياتية قيّمة، وتتزايد في السنوات الأخيرة الرغبة المجتمعية التي تحرص على أن يكون جميع الأشخاص سعداء.

وفي ظل تلك الرغبة والالتزام الذي قد يبدو جديراً بالثناء، فمن الممكن أن يساهم الإفراط في التأكيد على الإيجابية مقابل السلبية في خلق تصور اجتماعي لعواطف السعادة لا يمكن الوصول إليه! وبالتالي؛ يظهر الضغط الاجتماعي كعامل رئيسي يعيق تحقيق السعادة.

ما هو الضغط الاجتماعي؟ وكيف يؤثر في مستوى السعادة الذي يمكن تحقيقه؟ وكيف تتلافى برامج الصحة النفسية والعقلية المعززة للسعادة أثره؟ وأكثر.

الضغط الاجتماعي

تصف الجمعية الأميركية لعلم النفس (APA) مصطلح الضغط الاجتماعي (Social Pressure) أنه وببساطة “ممارسة التأثير على شخص أو مجموعة من قِبَل شخص أو مجموعة أخرى”.

ويشمل الضغط الاجتماعي الحجة العقلانية والإقناع عن طريق التأثير المعلوماتي، والدعوات إلى التطابق أو التوافق من خلال التأثير بالقواعد المجتمعية – العادات المقبولة.

بالإضافة إلى ما سبق؛ قد تبدو أشكال التأثير المباشرة واضحة مثل المطالبات أو التهديدات أو الهجمات الشخصية من جهة، والوعود بالمكافآت أو الموافقة الاجتماعية من جهة أخرى.

كيف يؤثر الضغط الاجتماعي في مستوى السعادة الذي يمكن تحقيقه؟

من الممكن ملاحظة أن إعطاء أي شيء قيمةً أعلى من قيمته قد يؤدي إلى التأثير بصورة عكسية في النتائج في بعض الأحيان.

بصفة مشابهة؛ يبدو الضغط المجتمعي الذي يعطي المشاعر الإيجابية قيمة عالية بصورة غير عقلانية قادراً على تشويهها والتأثير سلباً في كيفية تقدير الفرد للسعادة بنفسه.

نشرت مجلة “نيتشر” (Nature) ورقة علمية حديثة تتعلق بالضغط الاجتماعي والسعادة في شهر فبراير/شباط 2022، قام بها فريق بحثي متعدد الجنسيات يتضمّن نحو 40 باحثاً حللوا بيانات أكثر من 7 آلاف مشارك يمثلون 40 دولة!

أظهر العلماء براهين إحصائية قوية تدلّ على أن القيمة المجتمعية العالية المتصوَّرة للسعادة التي يفرضها الضغط الاجتماعي في معظم البلدان ارتبطت بصورة متناقضة مع تجارب أقل عدداً وحِدَّة من المشاعر الإيجابية.

كما ارتبط ذلك مع ظهور مستوىً أقل من الرضا عن الحياة وتزايد الشكاوى وبعض الاضطرابات النفسية والعقلية كالاكتئاب والقلق.

وقد وجد العلماء أيضاً أن الشعور بالضغط الاجتماعي من أجل الشعور بالسعادة وعدم الحزن ارتبط بصفة خاصة بسوء العافية والصحة في البلدان ذات مستويات السعادة الوطنية العالية.

وأُثبت أن كيفية تقييم تجربة المشاعر الإيجابية كمؤشر رئيسي للنجاح في الحياة في بعض المجتمعات؛ والذي قد يؤثر في ما يعتقده الفرد، لها علاقة سلبية برفاهية الناس في البلدان الأكثر سعادة على وجه الخصوص.

كيف تتلافى برامج الصحة النفسية والعقلية المعززة للسعادة أثره؟

في سياق ما سبق طرحه؛ يوصي الباحثون بضرورة اهتمام البرامج التعليمية النفسية على الصعيد الوطني، بالتأكيد على الاعتراف أيضاً بالدور القيّم والرئيسي للعواطف والمشاعر السلبية؛ ما قد يؤثر بصورة مفيدة في العافية النفسية للناس على المدى الطويل.

كما يجب التغلّب على الخطاب المجتمعي الذي يشجع على احتضان مشاعر الفرد الإيجابية دون السلبية؛ ما يعطي فرصة لخطاب جديد يتمحور حول تعليم الناس تقدير النطاق الكامل لحياتهم العاطفية الإيجابية منها والسلبية.

ختاماً يجب ألا ننسى أثر الطباع الاجتماعية والحاجة للانتماء فينا كبشر؛ ما يجعلنا أكثر عرضة لتقليد أو قبول ما يفرضه علينا المجتمع المحيط من أفكار أو معتقدات قد لا تكون صحيحة بالضرورة.

لذا يجب علينا كأفراد ومجتمعات أن نُجنِّب الآخرين من حولنا الضغط الاجتماعي المتعلق بماهية السعادة وكيفية تحقيقها من وجهة نظر المجتمع، فلكل منّا حياته وتجاربه ومشاعره التي تمر بتغيرات يومية إيجابية وسلبية.

المحتوى محمي !!