تستيقظ من نومك مثقلاً بالإرهاق، تتوجه فوراً إلى العمل بعد تناول قهوتك الصباحية، تفتح البريد الإلكتروني الخاص بالعمل وتكتب هذه الرسالة: "صباح الخير، أود طلب إجازة يوم الأربعاء المقبل". تحدق في شاشة حاسوبك، قبل أن تنقل الرسالة إلى سلة المهملات، تتنهد بخيبة أمل وتبدأ العمل، إذا سبق لك المرور بموقف مشابه، فهذا يعني أن تشعر بالذنب عند أخذ إجازة؟ فما هو سبب ذلك الشعور الذي يلاحق المدير العربي؟ وكيف يمكن التعامل معه؟ الإجابة عبر هذا المقال.
محتويات المقال
لماذا يشعر المدير العربي بالذنب عند التفكير في طلب إجازة؟
يشعر الكثير من الموظفين العرب بالذنب عند الرغبة في طلب إجازة، وقد يتفاقم هذا الشعور لدى المدراء بصورة خاصة، وذلك للأسباب التالية:
1. ثقافة العمل السائدة في الوقت الحالي
تشرح المعالجة النفسية، شارون مارتين، في كتابها "الدليل العملي للعلاج المعرفي السلوكي للكمالية" أن ثقافة العمل السائدة حالياً تشجع العمل الجاد بشدة، وتنظر إليه بصفته السبيل الوحيد إلى النجاح، فهناك ثقافة منتشرة مفادها أن الانشغال الدائم بالعمل يجعلك شخصاً أكثر لمعاناً، كما يضفي عليك جاذبية، حيث أصبح العمل رمزاً للمكانة الاجتماعية، وثمة رسالة تبثها هذه الثقافة دائماً؛ هي أنك قادر على فعل كل شيء.
وحتى حين ترغب في الحصول على بعض الراحة من العمل، وتتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، تجد أشخاصاً يتباهون بأكثر لحظاتهم إنتاجية وإنجازاً في العمل، ما يجعلك تضغط على نفسك وتدفعها نحو المزيد من العمل دون راحة.
2. لا أحد يستطيع أن يحل محلك
بعض الأشخاص -مثل مدير الفريق- فريدون في كل مؤسسة ووجودهم فارق للغاية؛ لأنهم مسؤولون عن مهام محورية في تلك المؤسسات، وإذا كنت أنت هذا المدير، فقد تحس بالذنب إذا فكرت في طلب إجازة، لأنك تظن أن سير العمل سوف يتعطل في غيابك، وأن فريق عملك سوف يواجه بعض المشاكل ولن يستطيع التعامل معها من دونك.
3. التنشئة الاجتماعية العربية
لقد تربينا في المجتمعات العربية على الاحترام الشديد للعمل الجاد، فالوقت الذي تقضيه في عملك مهم للغاية، وبالطبع أهم بكثير من وقت الاسترخاء أو وقت الأصدقاء. على سبيل المثال، لا يسألك أصدقاؤك وأفراد عائلتك عن أخبار سعادتك أو حالتك المزاجية، ولكنهم قد يسألون عن أخبار عملك، والمنصب الذي وصلت إليه، والراتب الذي تتلقاه.
اقرأ أيضاً: ما هي مدة الإجازة اللازمة لاستعادة الطاقة والحيوية؟
4. التوقعات المرتفعة للمؤسسة التي تعمل بها
قد تحس بالذنب الشديد عند أخذ إجازة بسبب التوقعات المرتفعة التي تضعها المؤسسة التي تعمل بها. على سبيل المثال، هناك بعض الشركات أو المؤسسات التي تملك توقعاً ضمنياً بأن الوجود الدائم يعني التفاني والعمل الجاد، ما قد يدفع الموظفين إلى الاعتقاد بأن طلب الإجازات هو نقص في الالتزام، أو كسل. وقد يعزز الزملاء أو المدراء الذين نادراً ما يأخذون إجازة هذا التصور، ما يجعل الآخرين يشعرون بالذنب حين يفكرون في التقاط الأنفاس بعيداً عن أجواء العمل.
5. الخوف من تراكم العمل في أثناء الإجازة
قد تحس بالذنب عند أخذ إجازة خوفاً من تراكم الرسائل في البريد الإلكتروني الخاص بالعمل، والمهام غير المكتملة، والاضطرار إلى تعويض ما فات؛ حيث تكون فكرة العودة إلى جبل من العمل مرهقة، ما يدفعك إلى التخلي عن إجازاتك للالتزام بمسؤولياتك، وغالباً ما يتفاقم هذا الخوف في القطاعات التنافسية مثل المبيعات، حيث يهدد الشعور بانخفاض الإنتاجية الأمان الوظيفي أو التقدم المهني.
6. الكمالية والضغط الذاتي
الكمالية هي سعيك المستمر إلى عيش حياتك بمثالية وعلى أكمل وجه، حيث تضع على نفسك معايير مرتفعة وغير واقعية، ولا تسمح لنفسك أبداً بارتكاب الأخطاء، وقد تتجسد الكمالية في الإحجام التام عن طلب الإجازات رغبة بإثبات جدارتك في العمل بجد وساعات طويلة، حيث تنظر إلى الإجازة بصفتها ضعفاً وفشلاً في تحقيق معاييرك المرتفعة.
6 علامات تؤكد حاجتك الماسة إلى طلب إجازة من العمل
إذا ظهرت عليك أي من العلامات الآتي ذكرها فهذا يعني أنك يجب أن تطلب إجازة من عملك على الفور، ولا تفكر في المهام التي يجب أن تنجزها:
1. الشعور بالإرهاق والتوتر
يتسلل إليك الشعور بالإرهاق والتوتر إذا لم تأخذ فترات من الراحة، ويمكن القول إن النتيجة التراكمية للضغط الهائل والمتواصل في العمل تتركك في حالة دائمة من الإرهاق البدني الذي يجعلك تشعر بالفراغ، والاستنزاف العاطفي، والإرهاق الذهني، إضافة إلى أنه يسلبك متعة الحياة، ويضعف مناعتك، ويزيد قابليتك للإصابة بأمراض مثل نزلات البرد والإنفلونزا.
2. تقلب الحالة المزاجية
من المهم أن تراقب حالتك المزاجية باستمرار، وإذا لاحظت أنك تحس بالغضب الشديد في أثناء التعرض للضغط، فهذه علامة مهمة تؤكد أنك بحاجة إلى إجازة. وعلى الرغم من أن الغضب عاطفة إنسانية طبيعية، فإن الغضب الشديد مع الضغط النفسي والتوتر يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، وزيادة معدل ضربات القلب، وزيادة مستويات هرمون الكورتيزول.
3. عدم الرغبة في الذهاب إلى العمل
العمل هو جزء من حياتك ولا يعبر عن هويتك بالكامل، وعلى الرغم من ذلك، يجب أن تستمد من وظيفتك قدراً معقولاً من السعادة والرضا. لذلك، إذا كانت فكرة الذهاب إلى العمل تشعرك بالخوف والقلق والثقل النفسي، فهناك مشكلة عليك التعامل معها. وخشية الذهاب إلى العمل تعني أنه حان وقت التفكير في طلب إجازة؛ وذلك حتى ترتاح قليلاً، وتستعيد نشاطك وقدرتك على الإنجاز مجدداً.
4. تدهور صحتك العامة
يؤثر التوتر المزمن سلباً في صحتك الجسدية والنفسية، وذلك لأن زيادة إفراز هرمون الكورتيزول تبقي عقلك متيقظاً، وتزيد حدة نبضات قلبك، وتشد عضلاتك، وعلى المدى البعيد، يضعف التوتر جهاز المناعة ما يرفع خطر إصابتك بالأمراض مثل داء السكري وأمراض القلب.
اقرأ أيضاً: لماذا نشعر بأن وقت الإجازة ينقضي بسرعة؟ وكيف نبطئ الوقت خلالها ونستمتع به؟
5. مواجهة صعوبة في النوم
الرغبة المفرطة في إنجاز مهام العمل على أكمل وجه طوال الوقت سوف تؤدي إلى إصابتك بالتوتر، والذي بدروه يجعل عقلك مضطرباً خاصة حين تفكر بإفراط في مهام عملك، وهو الأمر الذي سيحرمك من القدرة على الاستمتاع بنوم هانئ، ومن ثم سوف تصاب بالأرق، وتذهب إلى العمل في اليوم التالي وأنت متعب، ولن تكون قادراً على إنجاز مهامك، ولهذا سوف تحس بالتوتر، وهكذا ستدخل في دائرة مفرغة من الإرهاق والتوتر وصعوبة النوم.
6. فقدان الحافز
يؤدي الإرهاق بسبب العمل إلى الاكتئاب الذي يفقدك حافزك ويغير نظرتك للعالم نحو الأسوأ، كما يمكن أن يقلل بصورة كبيرة جودة حياتك ويشعرك بالعجز؛ ومع مرور الوقت لن تستطيع التخلص من شعور الضياع واليأس، على سبيل المثال، قد يتطلب إنجاز أبسط الأمور، مثل النهوض من السرير صباحاً، جهداً هائلاً، إذا شعرت بذلك مؤخراً فعليك أخذ قسط من الراحة وطلب إجازة في أقرب وقت.
كيف تطلب إجازة من العمل دون أن تشعر بالذنب؟
مهما كان السبب الذي يدفعك إلى الشعور بالذنب ويمنعك من طلب الراحة، عليك أن تعلم أولاً وقبل كل شيء، أن الإجازات صممت لأننا في حاجة إليها، وحتى نصبح قادرين على الإنجاز بنشاط وحيوية، وحتى تطلب إجازة من عملك دون إحساس بالذنب، اتبع الإرشادات التالية:
1. كن صادقاً مع نفسك
أحياناً حين نتوقف عن الاستماع إلى أجسادنا ومشاعرنا، نفقد التواصل معها، ونستمر في إنجاز مهامنا اليومية دون توقف، أعرف ذلك جيداً لأني كنت هناك، ولذلك من المهم للغاية أن تكون صادقاً مع نفسك، استمع إلى إشارات عقلك وجسدك، واعترف بمشاعرك، وتأكد أنك بحاجة إلى استراحة. وعلى الجانب الآخر، تقبل تعبك، واسمح لنفسك بالراحة قليلاً حتى تعود أقوى.
2. خطط مسبقاً
حاول التخطيط لإجازتك مسبقاً، من الأفضل أن تقدم إشعاراً قبل أسبوعين على الأقل، خاصة إذا كنت تخاف من إثقال فريق عملك بالمسؤوليات، وإذا كنت تخطط لرحلة أطول، ففكر في إبلاغ مديرك قبل شهر تقريباً ليكون أكثر استعداداً لها، إذا كنت تحس بالإرهاق الشديد أو التعب وتحتاج إلى إجازة، فتواصل مع مديرك فوراً، وعلى الرغم من أن هذا قد لا يكون الحل الأمثل، فإن مديرك سوف يقدر حالتك الصحية.
3. تواصل مع فريق عملك مبكراً
حتى لا تحس بالذنب من ترك العمل والذهاب في إجازة، تواصل مع فريق عملك مبكراً، جهز نفسك لكل الأسئلة المحتملة، وقدم التقارير المطلوبة، وضع خطة من أجل سير العمل، وفوض المهام لكل موظف في الفريق حتى يسير العمل بسلاسة، ولا تفرط بالتفكير في العمل خلال الإجازة؛ سيساعد فريقك على الالتزام بالمواعيد النهائية، وتحديد أولويات المشاريع من أجل العمل عليها.
4. نظم مشاريعك قبل الإجازة
في عالم مثالي، ستتمكن من إنهاء مشاريعك جميعها ومهامك قبل انطلاقك في الإجازة، ولكن الواقع يمكن أن يكون مختلفاً؛ لذلك ركز على وضع مشاريعك في نقطة توقف جيدة تسمح لك بالعودة إلى العمل بسلاسة، أخبر فريقك أين تتوقع أن تكون مختلف المشاريع عند عودتك، وحدد موعداً من أجل الاجتماع فور العودة من الإجازة لمراقبة خط سير العمل.
5. كن قدوة جيدة
عندما يأخذ القادة والمدراء إجازة ويتحلون بالشفافية بشأن الحاجة إلى الراحة، فإنهم يقدمون مثالاً إيجابياً لبقية أعضاء الفريق، هذا يشير إلى أن ثقافة الشركة تقبل الإجازة، وتؤكد أنها لن تؤثر سلباً في مسيرتهم المهنية، ولهذا حين ترجع من إجازتك سلط الضوء على تأثير الإجازة في تجديد نشاطك وتعزيز قدرتك على الإبداع، والتفكير المنظم.
اقرأ أيضاً: انقضت إجازة الصيف وحان وقت العمل: إليك 4 نصائح تزيد نشاطك
6. ذكر نفسك بأن الراحة منتجة
ابدأ بتذكير نفسك بأن الراحة منتجة، ولا تنس ذلك أبداً، وخاصة أن المجتمع والثقافة الحالية يقدسان العمل المستمر، ويدفعانك إلى المزيد والمزيد من الإنتاجية، ولكن الراحة مهمة أيضاً؛ فهي تساعدك على استقرار جهازك العصبي، وتفيد صحتك النفسية والجسدية.
7. كن مرناً قدر الإمكان
إذا طرأ أمر مفاجئ في العمل في أثناء الإجازة، فأظهر لمديرك استعدادك للحضور أو كن متاحاً عبر الهاتف إذا احتاج أي شيء، هذا الأمر سوف يجعلك تتخلى عن الشعور بالذنب، وفي الوقت نفسه سيشعر مديرك وزملاؤك براحة أكبر لعدم وجودك، ولكن تذكر ألا تتجاوب مع طلبات العمل إلا للضرورة القصوى، سواء في هذه الإجازة أم إجازة آخر الأسبوع، وذلك وفقاً لما أكده الطبيب النفسي، عاصم العقيل، الذي ينصحك أن تحافظ على صحتك النفسية، وتقضي الوقت مع عائلتك، ولا تجامل على حساب نفسك.