أنا شخصية صامتة، لا أتكلم إلا إذا كان لدي شيء ذو قيمة أضيفه إلى المحادثة، أقضي وقتاً طويلاً في الاستماع والتحليل بدلاً من التعبير عن آرائي في العمل، وعلى الرغم من أن الصمت يساعدني على التركيز ويعزز إنتاجيتي، فإن بيئة العمل الحالية ترتكز على التفاعل بين أعضاء الفريق، ولهذا فإن التقدم المهني أصبح يحتاج إلى الأشخاص المنفتحين والتواصل والذكاء الاجتماعي وبناء العلاقات المهنية، ولكن ماذا تفعل إذا كنت شخصاً صامتاً؟ وعلى الجانب الآخر، إذا كنت لست كذلك، كيف تتعامل مع الشخصية الصامتة في العمل؟ الإجابة عبر هذا المقال.
محتويات المقال
كيف تتعامل مع الشخصية الصامتة في العمل؟
يمتلك الموظف الصامت في كثير من الأوقات خبرة قوية وقدرة على العمل والإنتاجية، ولكنه لا يشعر بالراحة للتحدث إلى الآخرين، ولهذا حين تتعامل معه، حاول اتباع النصائح التالية:
- لا تأخذ صمته على محمل شخصي، فزميلك في العمل الذي لا يتحدث كثيراً، ليس مغروراً أو متكبراً أو غاضباً، كما أنه لا يحاول عمداً إفساد أجواء المرح والتعاون في المكتب، إنه ببساطة يحب أن يراقب الأجواء ويكتفي بالاستماع، لهذا لا تتعامل مع الأمر على نحو شخصي، واترك له مساحته.
- لا تعلق على شخصيته بالسلب، سواء بينك وبينه أو بينك وبين باقي زملاء العمل، ولا تحاول استفزازه حتى يخرج عن صمته لأن هذا السلوك غير مقبول، وقد يجعل زميلك يشعر بالحرج أو يحس بالضيق والتوتر، وعلى الجانب الآخر لا تعلق أيضاً على حركات جسده المرتبطة بالصمت أو الحرج مثل احمرار وجهه أو فرط تعرقه.
- خذ زمام المبادرة في الحديث ولكن لا تبالغ، تحدث مدة بضع دقائق، وإذا رأيت أن زميلك ذا الشخصية الصامتة لا يسهم في النقاش، اترك له مساحته وتراجع، إذ لا جدوى من إغراقه بالكلام والحديث، فقط اتركه وشأنه، وهناك مشكلة أخرى، وهي أنك إذا بالغت في النقاش، فقد يجري الشخص الآخر محادثة معك، لكنه لا يستمتع بها ويحس بعدم الراحة لأن أسئلتك تحاصره، وهو مضطر للإجابة عنها من باب الأدب.
- في حال كنت قائد الفريق، حاول تهيئة بيئة آمنة وداعمة للشخصيات الصامتة؛ وذلك من خلال عقد لقاءات تواصل فردية معهم، وخلال تلك اللقاءات، اطرح أسئلة مفتوحة، واستمع باهتمام إلى أفكارهم ومخاوفهم، شجعهم من خلال تقدير مساهماتهم، وقدم الدعم الإيجابي، حتى يشعروا بأهمية وجودهم.
- امنحه وقتاً للتفكير وطلب الآراء حتى يصبح منفتحاً معك، ولا توجه إليه سؤالاً على نحو مباغت لأن ذلك الأمر سوف يجعله يحس بالقلق والتوتر، وقد يكون دفاعياً ويضع حواجز، ولكن بعد بضع دقائق قد يتلاشى القلق والحذر، وسيبدأ في الانفتاح، لهذا كل ما عليك فعله هو الانتظار قليلاً حتى يتلاشى انزعاجه.
اقرأ أيضاً: لماذا يشعرنا الصمت في أثناء الحديث بعدم الارتياح؟ وكيف نستغله لصالحنا؟
ماذا تفعل إذا كنت شخصاً صامتاً في العمل؟
إذا كنت شخصاً صامتاً في العمل فهذا يعني أنك تفضل الاستماع على التحدث، وتتواصل مع الآخرين عبر البريد الإلكتروني عوضاً عن التواصل الشخصي، وفي حال كنت ترتاح إلى العمل في صمت، فمن المهم تطوير أساليب تواصل تناسبك، ولهذا فكر في اتباع هذه النصائح من أجل التعامل في بيئة العمل مع تحقيق النجاح:
- حضر ما تريد قوله، وكيف تخطط لقوله قبل التحدث في اجتماعات العمل المهمة. أعلم جيداً أنك تفضل الصمت ولا تشعر بالراحة في أثناء إبداء رأيك، لهذا جرب التدرب أمام المرآة أو مع الأصدقاء والعائلة للاستعداد.
- قدم ملاحظات قصيرة، حيث إن التواصل بفعالية مع الآخرين في العمل لا يحتاج منك إلى خطاب أو عرض تقديمي، يمكنك استخدام عبارات صغيرة مثل "أحسنت في عمل هذا التقرير" وتأكد أن مشاركة رأيك تجعلك مرئياً ومقدراً من قبل الآخرين، وكذلك من قبل إدارة الشركة.
- تحدث عندما يكون ذلك مهماً؛ لا تنس إعداد نقطة أو نقطتين رئيسيتين قبل اجتماع الفريق، وإذا كان التحدث المباشر مرهقاً، فتابع برسالة موجزة أو بريد إلكتروني يلخص مساهماتك.
- تواصل مع الآخرين باستخدام طرق أخرى بخلاف التحدث إليهم؛ على سبيل المثال، إذا كنت لا تشارك في مناقشات المكتب أو لا تتواصل اجتماعياً، جرب إهداء بطاقات أعياد ميلاد الفريق، أو إرسال رسائل بريد إلكتروني لطيفة.
- اختر الوظائف التي تناسب شخصيتك الصامتة، ولا تحاول إجبار نفسك على التكيف. على سبيل المثال، يمكنك اختيار مجال المحاسبة عوضاً عن التسويق، والتصميم بدلاً من خدمة العملاء، ومن المهام الأخرى التي تناسب الصمت، مجال كتابة المحتوى أو البرمجة.
- ركز على نقاط قوتك، مثل قدرتك على الاستماع الفعال، والقدرة على التحليل والتركيز، ومهارات حل المشكلات ووضع الاستراتيجيات، وحاول قدر الإمكان تجنب الإفراط في الصمت أو عزل نفسك عن الآخرين.
- كن على سجيتك، ولا تحاول أن تكون شخصاً آخر، حيث إن ثمة فرقاً بين ممارسة تعلم مهارة التحدث إلى الآخرين بأريحية، وبين إجبار نفسك على أن تكون شخصاً آخر؛ وهو الأمر الذي يعرضك للإحباط ويزيد مشاعر التوتر والقلق، ويمكن أن يسبب تدهور صحتك النفسية.
- امنح نفسك كل الأدوات اللازمة للنجاح. على سبيل المثال، اصنع لنفسك مساحة هادئة في العمل، وإذا كنت تحس بالإزعاج من ضوضاء الآخرين، يمكنك ارتداء سماعات رأس عازلة للضوضاء لمساعدتك على التركيز، وحاول قدر الإمكان استخدام التكنولوجيا لصالحك، جهز جدول أعمالك مسبقاً، وتواصل مع الآخرين عبر البريد الإلكتروني.
اقرأ أيضاً: الصمت الاختياري ليس خجلاً: تعرف إلى علاقة الصمت بالقلق!
متى يكون الصمت مفيداً في مكان العمل؟ ومتى يصبح مشكلة؟
في عالم العمل الحالي الذي يتسم بسرعة الوتيرة والضوضاء، والكثير من الأصوات المتداخلة، يمكن أن يكون الصمت نقطة قوة لصالح الشركة، حيث يؤدي إلى الكثير من الفوائد، منها على سبيل المثال:
- تعزيز التركيز والإنتاجية، وذلك لأن الشخص الصامت يركز على المهمة التي ينجزها دون أن يشتت نفسه، أو ينجرف وراء الحديث مع الآخرين.
- زيادة الإبداع؛ حيث إن الصمت يمنح الدماغ فرصة للتجول والتخيل، وربط الأفكار معاً بطرق غير تقليدية وسط صخب الحياة المكتبية اليومية، وهو الأمر الذي يحفز النمو والتطور المهني.
- تحسين الصحة النفسية، وذلك لأن الضجيج والتحفيز المستمرين يمكن أن يؤديا إلى رفع مستويات هرمون الكورتيزول ويرفعا خطر الإصابة بالقلق والتوتر، أما فترات الصمت الطويلة فتخفف التوتر وتجعل الأفراد الصامتين أكثر إيجابية وإنتاجية.
ويمكن القول إن الصمت يكون مفيداً في مكان العمل، حين يكون جزءاً أصيلاً من نمط شخصية الموظف، أو حين يصمت الموظف في الاجتماعات حتى يستجمع أفكاره. علاوة على ذلك، يوضح استشاري الطب النفسي، عبد الله بن سلطان السبيعي، أن الصمت يكون فعالاً، لأنه يخلق فراغاً نفسياً، والطبيعة البشرية تكره الفراغ، ومن ثم تسعى إلى ملء هذا الفراغ بالمعلومات أو المشاعر، أو النوايا الداخلية.
ولكن على الجانب الآخر، يصبح الصمت مشكلة في مكان العمل حين يعني عدم الاهتمام، أو في حال كان الموظف صامتاً لأنه يحس باللامبالاة، أو يشعر بأن حديثه لن يغير من الأمر شيئاً. ومشكلة هذا النوع من الصمت أنه قد يؤدي إلى انعدام الرضا الوظيفي، فالأشخاص الذين يتحدثون ويشاركون بآرائهم غالباً ما يحسون بالانتماء إلى الشركة، ويثقون في قيادتها، ويرغبون في تطويرها نحو الأفضل.
وثمة نوع آخر من الصمت يعد أيضاً مشكلة، وهو الصمت المنبثق من الخوف، وشعور الموظف بالإقصاء والاستبعاد؛ ففي هذه الحالة يصمت لأنه يخاف، ولا يجرؤ على مناقشة أفكاره بأريحية مع الآخرين، والحقيقة أن هذا النوع من الصمت يؤدي مع مرور الوقت إلى انعدام الأمان النفسي، كما أنه يعطل الإبداع، ويؤثر سلباً في الإنتاجية.
اقرأ أيضاً: الصمت حكمة ومهارة، اعرف كيف تطورها