دراسة حديثة تتوصل إلى العلاقة بين الجاذبية الجسدية والنجاح في الحياة

4 دقيقة
الجاذبية الجسدية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: توضح دراسة حديثة أن تمتُّع الشخص بالجاذبية الجسدية خلال المراهقة يساعده لاحقاً في الحصول على تعليم أفضل، ووظائف مرموقة، وكسب دخل أعلى، مقارنة بالأشخاص ذوي الجاذبية المتوسطة.

المظاهر ليست كل شيء مثلما يُقال؛ لكنها ليست لا شيء أيضاً! في الواقع، سلطت دراسة جديدة الضوء على تأثير الجاذبية الجسدية في أثناء مرحلة المراهقة على النجاح الاجتماعي في المراحل اللاحقة في الحياة. نُشرت الدراسة في دورية العلوم الاجتماعية الفصلية (Social Science Quarterly) في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2023، ونفّذها باحثان في علم الاجتماع في جامعة أوسلو في النرويج (University of Oslo)، وإليك ما جاء فيها بالتفصيل.

اقرأ أيضاً: هل المرأة الذكية أكثر جاذبيةً؟ إليك الإجابة العلمية

دراسة حديثة: الجاذبية الجسدية تؤثر في النجاح الاجتماعي في المراحل اللاحقة من الحياة

يقول المؤلف الرئيس وأستاذ علم الاجتماع والجغرافيا البشرية، أليكسي غوغوشفيلي (Alexi Gugushvili): "أثار هذا الموضوع اهتمامنا بسبب فكرة شائعة مفادها أن الأفراد ذوي الجاذبية الجسدية العالية يتميّزون عن الآخرين، ليس فقط من ناحية العثور على الشركاء الرومانسيين؛ وإنما من حيث تحقيق نجاحات أُخرى أيضاً؛ مثل تحقيق دخل أعلى. لكننا ومع ذلك، لم نتمكن من العثور على ما يكفي من الدراسات التي من شأنها أن تُظهر فيما إذا كانت الجاذبية الجسدية تساعد فعلاً على تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأفراد بالمقارنة مع آبائهم".

لذلك؛ وفي محاولة لفهم هذا التأثير، حلل الباحثان بيانات تخص 11,583 شخص من الدراسة الطولية لصحة المراهقين في الولايات المتحدة الأميركية، وقيّموا جاذبيتهم الجسدية عندما كانوا في الـ 15 من العمر، ثم قاسوا النجاح الاجتماعي الذي نالوه بعد 20 عاماً.

وتوصّلا إلى أنّ الأفراد الذين صُنفوا على أنهم جذابون أو جذابون جداً خلال مرحلة المراهقة، كانوا أكثر عرضة إلى تحقيق نجاحات اجتماعية أكبر من حيث التعليم والمهنة والدخل عند البلوغ، مقارنة بأولئك ذوي الجاذبية المتوسطة. وقد وُجد أن هذا التأثير يبقى واضحاً حتى بعد مراعاة العديد من العوامل؛ مثل الخلفية الاجتماعية، والاقتصادية، والقدرات المعرفية، والسمات الشخصية، والصحة، وخصائص المنطقة السكنية.

ومن النقاط المثيرة للدهشة التي كشفتها الدراسة، أنه وعلى الرغم من أن الجاذبية الجسدية كانت مهمة لكلا الجنسين في تحقيق النجاحات التالية في الحياة، فإن تأثيرها كان أوضح لدى الرجال من ناحية فرص التعليم والدخل مقارنة بالنساء؛ إذ كان تأثير الجاذبية الجسدية للإناث في مجال التقدم المهني أقل وضوحاً.

اقرأ أيضاً: هل ما أخبركِ به فيلم باربي عن نفسية الرجل صحيح؟

كيف تسهم الجاذبية الجسدية في تحقيق النجاح؟

تأثير الجاذبية الجسدية في تحقيق النجاح الاجتماعي موضوع معقد ومتعدد الأوجه، يشمل ديناميكيات مجتمعية ونفسية وتطورية مختلفة. فمن وجهة نظر اجتماعية، غالباً ما يُنظر إلى الأشخاص الجذابين على أنهم أكثر ذكاءً وهيمنة وصحة نفسية ومهارات اجتماعية مقارنة بالأشخاص الأقل جاذبية؛ وهو ما يُعرف بـ "تأثير الهالة" وفقاً للطبيبة النفسية، ريم عبدالرزاق؛ إذ تقول إن تأثير الهالة هو نوع من أنواع التحيزات المعرفية يحدث فيه تقييم صفات الآخرين بناء على الجاذبية الجسدية لهم.

وقد يتلقى الأشخاص الجذابون بسبب هذا التحيز معاملة تفضيلية في مختلف جوانب الحياة؛ مثل التعليم والتوظيف والأوساط الاجتماعية؛ ما يعزز ثقتهم في أنفسهم، ويعزز مهاراتهم الاجتماعية ومهاراتهم في التواصل؛ ما يؤدي بدوره إلى زيادة النجاح الاجتماعي.

علاوة على ذلك، قد تؤثر التصورات الذاتية عن الجاذبية الجسدية في ثقة الأشخاص بأنفسهم، واحترامهم لذواتهم، وإيمانهم بقدراتهم؛ وهو ما يمكن أن يؤثر في تعزيز فرص التقدم في التعليم أو العمل أو الدخل أو غيرها من مجالات الحياة.

هذا بالإضافة إلى أن الأشخاص الذين يتمتعون بمظهر أفضل يبلغون عن تفاؤل أكبر بالحياة، والتفاؤل يُعد في حد ذاته مسهماً مهماً في تحقيق النجاح في العديد من المساعي الاجتماعية، وفقاً لدراسة منشورة في دورية بحوث العلوم الاجتماعية (Social Science Res) عام 2018.

وربما يُعزى ذلك كله إلى علم النفس التطوري، فمن وجهة نظر تطورية، يتشابك مفهوم الجاذبية الجسدية مع فكرة اللياقة البيولوجية؛ أي القدرة على البقاء والتكاثر ونقل الجينات إلى الأجيال اللاحقة. مع مرور الوقت، أصبحت عدة سمات جسدية جذابة عالمياً لأنها تعمل بوصفها مؤشرات غير مباشرة إلى صحة الفرد وجودته الوراثية.

على سبيل المثال؛ غالباً ما يُعد التماثل في ملامح الوجه جذاباً لأنه يشير إلى أن الفرد قد تطور دون أن يعاني اضطرابات وراثية أو بيئية كبيرة في أثناء النمو؛ ما يشير إلى القوة والصحة الجيدة. أي يُعتقد أن الوجه المتماثل هو انعكاس لقدرة الفرد على مقاومة الاضطرابات التنموية؛ ما يجعله سمة مرغوبة لدى الشركاء المحتملين.

اقرأ أيضاً: مداعبة العقول قبل دغدغة المشاعر: كيف تؤثر أفكارك في جاذبيتك الجنسية؟

ما تأثير التحيز إلى الجمال في الصحة النفسية؟

يمكن أن يؤثر التحيز إلى الجمال والجاذبية الجسدية تأثيراً كبيراً في الصحة النفسية؛ إذ وعلى الرغم من أن آثاره غالباً ما تكون إيجابية في الأشخاص الجذايين، فإن الأشخاص الأقل جاذبية عرضة إلى العديد من العواقب على الصحة النفسية؛ مثل:

  • تدني احترام الذات: يمكن أن يسهم التحيز إلى الجمال في انخفاض احترام الذات والشعور بالنقص، خصوصاً بالنسبة إلى الأفراد الذين يشعرون بأنهم لا يتوافقون مع معايير المجتمع للجمال والجاذبية.
  • التوتر والقلق: قد يواجه الأفراد الذين يعانون التمييز أو التحيز على أساس مظاهرهم الجسدية مستويات أعلى من التوتر والقلق.
  • الاكتئاب: قد يعاني الأفراد الذين يواجهون التمييز أو يشعرون بالتقليل من قيمتهم بسبب مظاهرهم، أعراضَ الاكتئاب وضعف الإحساس من الرفاه، وقد يعانون اضطرابات الطعام أيضاً.
  • الوحدة: إذ قد يعتقد الأفراد الذين يعدون أنفسهم أقل جاذبية أنهم غير مقبولين أو مقدَرين في المجتمع.

اقرأ أيضاً: مبدأ بوليانا: ما الذي يجعل البعض لا يرى سوى نصف الكأس الممتلئ؟ وهل تُعد هذه مشكلة؟

كيفية تخفيف آثار التحيّزات القائمة في الجاذبية الجسدية

يمكن تقليل آثار التحيزات القائمة في الجاذبية الجسدية من خلال اتباع بعض النصائح؛ مثل:

  • إعطاء الأولوية إلى الرعاية الذاتية: من المهم أن تعزز احترام الذات وتحافظ على موقف إيجابي حتى لا تسمح للتحيزات بالتأثير فيك. لذلك؛ حافظ على نمط حياة صحي من أجل صحتك بالدرجة الأولى وليس من أجل أمر آخر، وذلك بممارسة التمارين الرياضية بانتظام، والنوم الكافي، واتباع نظام غذائي متوازن، وممارسة تقنيات إدارة التوتر، والتواصل الاجتماعي مع الأشخاص الذين تثق بهم، والاعتراف بالإنجازات الخاصة، وما إلى ذلك.
  • قدّم أفضل ما لديك: سواء في المجال الأكاديمي أو المهني أو الاجتماعي.
  • استفد من نقاط قوتك: أكد مهاراتك ونقاط قوتك في أثناء طلبات العمل أو المقابلات، فتسليط الضوء على قدراتك والتركيز على ما تتفوق فيه يمكن أن يفوق التحيزات المحتملة بناءً على المظهر.
  • افحص التحيز اللاواعي وعالجه: كن واعياً بالتحيز اللاواعي تجاه الجاذبية الجسدية، وتجنب السماح للمظهر الجسدي بالتأثير على نحو غير ملائم في قراراتك، سواء المهنية أو الاجتماعية، وأعط الأولوية إلى المؤهلات والمهارات.