كيف تفرّق بين العزلة والوحدة؟ وما طرق المواجهة الممكنة؟

4 دقائق
التمييز بين الوحدة والعزلة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: الشعور بالوحدة تجربة إنسانية شائعة؛ لكن قد يكون من الصعب التمييز بين الوحدة والعزلة. ومع ذلك، بفهم الاختلافات بين الشعورين، يمكن مساعدة الأفراد في العثور على استراتيجيات فعالة للمواجهة، وذلك ما يتناوله هذا المقال بالتفصيل.

أنت تجلس على أريكتك، تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي، ترى منشورات أصدقائك وهم يستمتعون بوقتهم، دون أن تشعر برغبة بمشاركتهم تلك اللحظات؛ بل إن بقاءك بعيداً عنهم وعن ضجيج الحياة وازدحامها يبدو أكثر إغراءً بالنسبة إليك!

تقول لنفسك إنه من الطبيعي أن تشعر بالوحدة في بعض الأحيان؛ لكن كيف تعرف ما إذا كان ذلك عزلة اجتماعية مؤقتة أم شعوراً مزمناً بالوحدة؟ وكيف يمكنك معرفة ما إذا كنت بحاجة إلى طلب المساعدة، أو أن وقتاً إضافياً قد يكون كافياً لتتخطى ذلك الشعور؟ الوحدة شعور معقد وغامض يمكن أن تكون له أسباب وتأثيرات مختلفة؛ لذا قد يكون من المهم التمييز بين الوحدة والعزلة الاجتماعية، للتعرف إلى طرائق المواجهة الفعالة.

ما هي العزلة الاجتماعية؟

العزلة الاجتماعية هي حالة موضوعية قابلة للقياس، يحددها عدد الاتصالات الاجتماعية التي يقوم بها الفرد، وليس جودتها؛ أي هي الصعوبة في التواصل. قد تكون العزلة اختياراً شخصياً، أو نتيجة ظرف خارجي، فيمكن التغلب عليها بزوال الظرف أو بزيادة عدد الأشخاص الذين تتفاعل معهم؛ أي إنها غالباً ما تكون محصورة بفترة زمنية محددة، وتنتهي بزوال المسبب أو تجاوزه.

ما هي الوحدة؟

الوحدة حالة ذهنية من الشعور بالفراغ والانفصال عن الآخرين، وعدم القدرة على إيجاد معنىً للحياة، وتترافق غالباً مع الشعور بالضيق أو الانزعاج خلال التواصل الاجتماعي والتجارب الفعلية، ويمكن أن تؤدي الوحدة إلى مشكلات صحية جسدية ونفسية.

علاوة على ذلك، تتعلق الوحدة بجودة العلاقات الاجتماعية ونوعيتها، وليس بكميتها. بعبارة أخرى؛ لا تعني الوحدة بالضرورة أن تكون وحيداً. على سبيل المثال؛ يمكن أن يكون الفرد في علاقة طويلة الأمد مثل الزواج، أو يكون فرداً من عائلة أو محاطاً بالأصدقاء والزملاء طوال الوقت، ومع ذلك يعاني الشعورَ بالوحدة والفراغ.

اقرأ أيضاً: لماذا أشعر بالوحدة في كثير من الأحيان؟

6 أسباب للعزلة الاجتماعية

يمكن لبعض العوامل والمواقف أن تؤدي إلى المعاناة من العزلة الاجتماعية؛ وأهمها:

  1. الصحة النفسية: قد يؤدي القلق والاكتئاب إلى انسحاب المصاب من محيطه والانعزال عن الآخرين. من ناحية أخرى، يمكن أن تتسبب العزلة الاجتماعية في الإصابة بالاكتئاب أو القلق، وقد يؤدي هذا إلى إنشاء حلقة مفرغة يصعب الخروج منها.
  2. العمل في منطقة نائية: يمكن للمسافات الطويلة أن تكون فاصلاً بين الفرد وعائلته أو أصدقائه، وسبباً في عزلته؛ مثل عمل الفرد في الأرياف أو في المدن الصناعية.
  3. العنف المنزلي: قد يتجنب مَن يتعرض إلى العنف المنزلي من شريكه أو عائلته، التواصل مع محيطه من الأصدقاء أو الزملاء لأنه لا يريد للآخرين أن يلاحظوا ما يمر به من سوء معاملة، أو قد يمنعه المعنِّف من التواصل مع الآخرين للسيطرة عليه وعزله عن شبكات الدعم.
  4. وسائل التواصل الاجتماعي: وجدت دراسة نُشرت في المجلة الأميركية للطب الوقائي (American Journal of Preventive Medicine)، أن الأشخاص الذين يقضون أكثر من ساعتين يومياً على وسائل التواصل الاجتماعي، يتضاعف لديهم احتمال الإصابة بالعزلة الاجتماعية مقارنة بأولئك الذين قالوا إنهم يقضون نصف ساعة أو أقل يومياً على تلك المواقع.
  5. الإعاقة الجسدية: قد تحدّ الإعاقة الجسدية ومشكلات الحركة من قدرة الفرد على الخروج والاختلاط بالآخرين.
  6. فقدان الأحبة: يمر أي فرد بعد فقدان شريكه أو صديقه أو أحد أفراد عائلته، بتجربة الحزن، ويكون بحاجة إلى الانسحاب والابتعاد عن الآخرين.

ما أسباب الوحدة؟

وفقاً للمختص النفسي أسامة الجامع؛ يعتقد بعض من يعاني الوحدة أنه منبوذ أو غير مرغوب به بالنسبة إلى الآخرين، وأنهم لا يريدون صحبته. ربما السبب في ذلك هو موقف حصل مع فرد ما؛ لكن بصورة عامة، تُعد الحساسية للرفض والانتقاد أحد أسباب الوحدة.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن لبعض العوامل أن يؤدي إلى الانخراط في الوحدة؛ مثل:

  • تحديات التعبير عن المشاعر: إذا كنت تواجه صعوبة في التواصل مع الآخرين ومناقشة مشاعرك، فقد يزيد ذلك شعورك بالوحدة.
  • الافتقار إلى الاتصالات العميقة: عندما تفتقر إلى العلاقات التي تعزز التواصل العميق فغالباً ما ستُصاب بالوحدة، حتى لو كانت لديك دائرة اجتماعية كبيرة.
  • أن تكون أعزبَ بين الأزواج: إذا كنت عازباً، يمكن أن يسبب قضاء وقت كبير مع الأزواج أو العائلات الشعور بالوحدة، حتى لو كنت راضياً عن عيشك بمفردك.

اقرأ أيضاً: استغل وحدتك بطريقة صحيحة

5 علامات للعزلة الاجتماعية

يمكن لبعض العلامات أن تكون مؤشراً إلى أنك واقع تحت تأثير العزلة الاجتماعية؛ مثل:

  1. معاناة الأنهيدونيا (Anhedonia): مصطلح سريري يُقصد به الملل المستمر ونقص الاهتمام العام وعدم القدرة على الاستمتاع بالأنشطة مثل ممارسة الرياضة أو الهوايات المفضلة.
  2. الشعور بالارتياح عند إلغاء الخطط: يحدث لنا جميعاً أن نتراجع عن الالتزام بالمخططات؛ لكن عندما تتكرر الحالة إلى درجة تجنب وضع الخطط مع الآخرين، فإنها علامة تدل على العزلة الاجتماعية.
  3. فقدان الاهتمام بالنظافة الشخصية: مثل تراجع عدد مرات الاستحمام إلى مرة كل بضعة أيام، أو عدم تنظيف الشخص أسنانه، أو ارتدائه الملابس ذاتها لعدة أيام.
  4. اضطراب التغذية: سواء كان بالإسراف في تناول الطعام أو نقصان كمياته.
  5. الفوضى المنزلية.

اقرأ أيضاً: دور وسائل التواصل الاجتماعي في وباء الوحدة والعزلة الاجتماعية

ما أعراض الوحدة؟

على الرغم من أن الوحدة ليست حالة صحية نفسية محددة، فإن لها آثاراً في الصحة النفسية والجسدية. وقد يساعد التعرف إلى أعراضها على التشخيص والحصول على المساعدة؛ وأهمها:

  • الأعراض النفسية:
    • انخفاض الطاقة.
    • الشعور بالضبابية أو عدم القدرة على التركيز.
    • ظهور مشاعر الشك الذاتي، واليأس، وعدم القيمة.
    • معاناة القلق.
  • الأعراض الجسدية:
    • الإصابة باضطرابات النوم؛ مثل الأرق أو النوم المتقطع.
    • قلة الشهية.
    • الميل إلى المرض بصفة متكررة.
    • معاناة آلام الجسم.
    • إساءة استعمال المواد المخدرة.

كيف يمكنك التعامل مع العزلة الاجتماعية؟

قد يكون التعامل مع العزلة أمراً صعباً؛ لكن هناك العديد من الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعدك:

  • تواصَل مع محيطك: ابقَ على اتصال مع أحبائك من خلال الوسائل المختلفة مثل المكالمات الصوتية ومكالمات الفيديو والرسائل النصية.
  • تبنَّ حيواناً أليفاً: توفر الحيوانات الأليفة الرفقة ويمكن أن تساعد على تقليل العزلة الاجتماعية.
  • انضم إلى مجتمعات جديدة: إذا كانت شبكتك الاجتماعية الحالية سامة، ففكر في قطع العلاقات وإيجاد مجتمعات جديدة تقدّرك وتتقبّلك.
  • التطوع: يمكن أن يساعدك العمل التطوعي على تكوين علاقات جديدة وتوسيع شبكتك الاجتماعية.
  • طلب الدعم النفسي: يمكن أن تساعدك زيارة المعالج النفسي على تحديد محفزات العزلة، وتحسين احترامك لذاتك، وتعلم مهارات الاتصال الفعالة؛ ما يسهم في تقليل شعورك بالعزلة.

اقرأ أيضاً: تعاني من العزلة؟ إليك كيفية الخروج منها بمساعدة علم النفس الحيوي

4 إرشادات تساعدك في التغلب على الوحدة

على الرغم من أن الوحدة لم تُصنّف باعتبارها اضطراباً نفسياً، فإنه يمكن لبعض الاستراتيجيات المساعدة على تخطيها؛ مثل:

  1. تجنَّب البقاء في المنزل لفترات طويلة، واخرج للتنزه في مكانك المفضل.
  2. عزّز تواصلك مع الآخرين؛ وذلك بطرائق مختلفة مثل التواصل مع أفراد العائلة البعيدين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو دعوة صديق لممارسة نشاط اجتماعي.
  3. انخرط في مجتمعك؛ إذ سيساعدك على ذلك الانضمام إلى مجموعة محلية تمارس نشاطاً أو رياضة تستمتع بها؛ مثل كرة السلة والرسم وصناعة الفخار وتقديم عروض المسرح وغيرها من الأنشطة.
  4. تحدَّث إلى طبيبك النفسي، فهو سيساعدك على تحديد السبب الجذري لوحدتك ويقدم لك خطوات عملية تساعدك في التغلب عليها.

اقرأ أيضاً: 7 مفاتيح للقضاء على الوحدة

في الختام، تذكّر أن كلاً من العزلة والوحدة ليست حالة دائمة، وأنه حتى في أحلك الأوقات، هناك مخرج. يمكننا دائماً إيجاد طرائق للتواصل مع الآخرين، ولا ضير في طلب المساعدة، ففي النهاية نحن كائنات اجتماعية، ويحتاج بعضنا إلى بعض.