سيكولوجية السعادة موضوع جذاب، وقد حاول فلاسفة مثل شوبنهاور وآلان وكانط وغيرهم كشف السر المستغلق وراء أسباب سعادة الإنسان. وتشير الأبحاث العلمية الحديثة إلى أن مفهوم السعادة يختلف من نمط شخصي لآخر لدرجة أن عدد أشكال السعادة يضاهي عدد أنماط الشخصيات.
السعادة مفهوم فضفاض ليس له تعريف جامع مانع؛ بل يخضع إلى متغيرات عدة. إنها الطريق الوعرة التي طالما نظر إليها الفيلسوف شوبنهاور بازدراء. لكن ماذا لو أثبت العلم اليوم صحة بعض تصورات الفلاسفة؟ ماذا لو لم تكن السعادة بمفهومها التجريبي المحسوس موجودة؟ ثمة رؤية متشائمة تشير إلى أن السعادة الحقيقية تكمن في السعي نحو التخلص من معاناتنا، وليس في ملاحقة المتعة باستمرار، وتتطابق هذه الرؤية مع الفكر السائد في علم النفس الإيجابي؛ إذ يستلزم الشعور بالسعادة أن نتعلم الرضا بمباهج الحياة البسيطة. لكن يبقى السؤال: أيُّ هذه المتع تُسعِد قلوبنا؟
ربما تختلف وصفة السعادة حسب شخصية كل فرد، فما يبعث الرضا في نفس شخص قد لا يعني أي شيء لشخص آخر. وانطلاقاً من فرضية أن السعادة شعور ذاتي تماماً، حاول باحثو علم النفس في جامعة هارفارد استخلاص أنماطها المختلفة. وفي ختام دراستهم التي نشرتها مجلة علم النفس البشري (Journal of Humanistic Psychology)، أوضح المؤلفان الرئيسيان لهذه الدراسة، تيم لوماس وتايلر فاندرويل، إن السعادة تتجلى في 16 شكلاً يرافقنا على مدار حياتنا، وصنفاها حسب ارتباطها بالعواطف أو الفكر أو السعي.
السعادة من خلال العواطف
يرى الطبيب النفسي، كريستوف أندريه، أن السعادة تكمن في العواطف. ويتعلق الأمر بالأمزجة الأكثر استعداداً للشعور بالعواطف الإيجابية؛ لكن المزاج نتاج لآلية جينية؛ أي أنه فطري. يقول أندريه: "لكن علينا أن نضع التأثيرات البيئية في الاعتبار؛ إذ ترتبط علاقتنا بالسعادة بالطريقة التي علّمنا المحيطون بنا أن ندرك بها معنى السعادة في طفولتنا. هل كان آباؤنا يسمحون لأنفسهم بالاستمتاع بمشاعر السعادة أم لا؟ هل كانوا ينزعجون ويكتئبون عند مواجهة أي مشكلة؟ إننا نتعلم التعامل مع السعادة بمراقبتهم وهم يتعاملون مع تفاصيل الحياة الصغيرة".
تحدد الدراسة التي أجرتها هارفارد 5 أشكال للسعادة من خلال العواطف:
- الحصول على اللذة.
- الشعور بالرضا.
- تحقيق السعادة النفسية.
- بلوغ الرفاهة الروحية.
- التمتع بالحيوية.
السعادة من خلال الفكر
يعني التفكير بإيجابية ممارسة التأمل وليس اجترار الذكريات. ويوضح الطبيب النفسي كريستوف أندريه أن المقصود هو تغيير نطاق التفكير عند مواجهة هموم الحياة اليومية ومخاوفها. ويقول: "تشير دراسة نفسية عن المصابين بالقلق إلى معاناتهم الأفكار القلقة باستمرار؛ لكن المفارقة هي أنهم لا يتعاملون معها بفعالية؛ أي أن اجترارهم لها لا يسفر عن حلول لأن الغرض من القلق هو أن يكون جرس إنذار ينبهنا إلى وجود مشكلة، وليس وسيلة لمواجهة العالم ومشكلاته.
لذلك؛ من أولويات العلاجات النفسية، وبخاصة العلاجات المعرفية، إرشاد الأشخاص إلى التعامل مع المآزق والأزمات باعتبارها مشكلات يجب حلها، وليست لعنات لا مفر منها". وفي المقابل، بإمكان التفاؤل بالمواقف الحياتية المبهجة أن يكون مصدراً للسعادة. حدد باحثا هارفارد، تيم لوماس وتايلر فاندرويل، 5 أشكال للسعادة من خلال الفكر:
- الرضا عن الحياة.
- الشعور بأن للحياة معنى وهدفاً.
- التواجد في مساحة التفكر والتأمل.
- الاستمتاع بالنواحي الجمالية.
- الوصول إلى حالة التدفق الذهني.
السعادة من خلال السعي
يقول الفيلسوف الفرنسي، آلان: "يجب أن ترغب في أن تكون سعيداً، وأن تصر على تحقيق هذه الرغبة. أما إذا فضلت أن تؤدي دور المراقب الخامل، وتترك أبوابك مفتوحة في انتظار أن تدخلها السعادة من تلقاء نفسها، فسوف يغتنم الحزن هذه الفرصة ويدخل". فدائماً ما يكون الاستسلام للحزن أسهل، وأقل تكلفة من حيث الطاقة النفسية. وعلى العكس، يتطلب السعي نحو الرفاهة الدائمة بذل الجهد.
ويوضح الطبيب النفسي كريستوف أندريه إن ثمة فروقاً واضحة بين الأشخاص في قدرتهم على طرق أبواب السعادة. علاوة على ذلك، ثمة عوامل تخصنا نحن البشر؛ إذ يبدو أن وجود العواطف السلبية مهم لحمايتنا من الأخطار المحدقة بنا، فالخوف يدفعنا للهروب أو القتال، والغضب يهدد الأعداء أو الخصوم، والحزن يجذب التعاطف، وما إلى ذلك.
لكن هذا التركيز على البقاء تجاهل إلى حد بعيد الاهتمام بجودة حياتنا. لذا تعرّضت المشاعر والأمزجة الإيجابية إلى قيود أشد، وباتت أقل استقراراً، ويتطلب الوصول إليها طاقة نفسية أكبر. وقد حدد الباحثان 6 أشكال للسعادة من خلال السعي:
- الاستمتاع بالأفعال.
- إتقان العمل وتطوير المهارات.
- تحقيق الإنجازات.
- التمتع بالتوازن والانسجام.
- بلوغ حالة اليقظة التامة.
- العثور على السعادة في العلاقات.