ماذا تفعل عندما لا يكن لك شريك الحياة الاحترام؟

التعامل مع شريك الحياة
shutterstock.com/Eugenia Porechenskaya
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

نمر جميعاً- أو معظمنا تقريباً- ببعض اللحظات المخيبة للآمال في أثناء التعامل مع شريك الحياة وأحياناً يتدهور الوضع أكثر فأكثر، حتى تؤدي قلة الاحترام لبلوغ السيل الزبى. سواء جاء ذلك في صورة دعابة مبتذلة أو على هيئة ازدراء مهين، فهذه التصرفات دائماً ما تترك آثاراً لا تُمحى. فلماذا نتحملها؟ وكيف نضع لها حداً؟

هذه العبارة المؤذية الجارحة، أو ذاك الصوت الجهوري الذي يصم الآذان ويجعلك ترتجف، أو ذلك الصمت المزدري الذي يجعلك تتجمد في مكانك… تمر الحياة الزوجية أيضاً بهذه المواقف التي تتفاوت في حدتها كما تتفاوت وتيرة تكرارها. يحدث أن يجعلنا الإرهاق والتوتر أو مجرد تقاسم الحياة معاً، عرضةً لإطلاق العنان للغضب الذي تكنه صدورنا. تذكرنا الزلات اللفظية؛ التي قد تصل لحد الإهانة أو التهديد، بأن شعور الحب متناقض بطبيعته. ففي الحب- كما في ساحة المعركة- نضع ترسيماً لحدود مساحتنا الخاصة، ونعمل على بث الرهبة في النفوس، ونكيل الضربات أو نتلقاها، ونصر إصراراً على الزود عن حريتنا، وأحياناً ما نحاول الاستيلاء على السلطة. يجد معظم الأزواج- بمرور الوقت- الكيمياء التي تناسبهم، والتوازن الذي يسمح للعلاقة بالاستمرار دون إلحاق الضرر بهم. حتى أن البعض يجد في تفاوت القوى التحفيز؛ بل الإثارة التي تعطي الحميمية دفعةً وتمنعها من الانغماس في الرتابة. وفي الوقت نفسه؛ يعاني آخرون من قلة الاحترام المستمرة من طرف أزواجهم، ويتحملون الألم في صمت مطبق في الكثير من الأحيان.

فها هو أحمد (44 عاماً) يتحدث عن شريكة حياته السابقة التي كانت دائماً ما تفعل ما بوسعها لتسليط الضوء على التفاوت بين راتبيهما: “لقد كانت تفعل ذلك بطريقة بارعة للغاية، وماكرة للغاية، حتى أنه لم يكن بوسعي ظن السوء بها. وعلى أي حال؛ لم أكن أعرف كيف أرد الصاع صاعين دون أن أبدو متذمراً، لقد كان يشعرني ذلك بالإذلال، ولم يكن أمامي غير الصمت”. سواء كانت هذه الأمارات التي تنم عن قلة الاحترام تحدث أحياناً أو باستمرار، فهي لا تمر أبداً في نظر المعالجين النفسيين للأزواج مرور الكرام؛ بل يجب التوقف عندها، ويمكن أن تتخذ أشكالاً عدة.

قولاً وفعلاً وسهواً…

وفقاً لما قاله باتريك إستريد؛ مؤلف كتاب “عودة الرباط الزوجي” (Couple retrouvé)؛ تتخذ قلة الاحترام أشكالاً متعددةً تتراوح ما بين عدم الانتباه للشخص إلى إهماله تماماً، مروراً بالوقاحة، ناهيك عن الإمعان في الصمت. وتورد الطبيبة النفسية المعالجة للأزواج بعض التفاصيل، فتقول: “يكفي أن يكون الآخر أمامك، موجود في نفس المكان، بينما تتصرف بحضوره وكأنك وحيد تماماً، للدلالة على عدم الاكتراث، فالمسافة تعد مقياس الاحترام في العلاقة الزوجية، إذا تماديت في الابتعاد، سأتجاهلك؛ وحتى لو اقتربت كثيراً، فلم يعد بإمكاني رؤيتك”. وهناك بعض المظاهر ذات الدلالة من ضمن أشياء أخرى؛ مثل: المقاطعة في أثناء الحديث، وشرود النظر في جميع الأرجاء بينما يتحدث الآخر، وعدم الالتفات إلى ما يقوله، ورفع الحاجبين للدلالة على الانزعاج أو السخرية بينما يعبر الآخر عن مكنون نفسه، واتخاذ أوضاع لا مبالية، والاستمرار في الاستهزاء وعدم التوقف عنه…

ويضيف باتريك إستريد: “في جميع الحالات؛ يكون المستهزئ غير معني بالآخر في قليل أو كثير، فقد يكون مهتماً بإعطاء صورة جيدة للغير عن نفسه في أثناء وجوده بالخارج، ويرى أنه بمجرد عودته للمنزل، يمكنه أن يفعل ما يحلو له بعيداً عن الأنظار؛ إذ يعتقد أنه ليس لديه المزيد من الطاقة للاستمرار على هذا النهج. يعد هذا أيضاً أحد جوانب عدم الاحترام: الاسترسال في الراحة أكثر من اللازم، والاستلقاء في تراخٍ مبالغ فيه، وإطلاق العنان للنفس في كل شيء…” يتذكر منير (34 عاماً) شريكة حياته السابقة التي كانت تترك أعواد القطن التي استخدمتها على حوض الحمام الذي كانا يتشاركانه معاً: “عندما تكون بالخارج تبدو بلا شائبة، بينما في المنزل كانت في غاية القذارة! وساء الأمر للغاية عندما صارحتها بذلك، ونعتتني بالهوس والعته!”.
بحسب ما ذكره باتريك إستريد؛ هناك صورتان لعدم الاحترام: أولاهما التي تنشأ عن الإهمال، أما الأخرى، فتكون ذات مظهر نشط وعدواني، وتظهر فيما يسمى بـ “ساحات القتال الثانوية”؛ أي الصراعات الصغيرة التي تُركت دون حل والتي بدورها تسمم العلاقة، فمن يزرع الصبر لا يجني الورود… وكلٌ ينتقم بطريقته الخاصة… بالتهكم أمام الأصدقاء، وإطلاق التنهدات الغاضبة عند سماع أدنى ملاحظة، والافتقار للانتباه بشكل سافر…

أما بالنسبة للأسلوب المتبع، فيشير المحلل النفسي جيرارد بونيه؛ مؤلف كتاب “سلطة الجنس التي لا تقاوَم” (L’irrésistible pouvoir du sexe)، إلى أنه لدى الرجال والنساء طرق تميز كل منهم في إظهار عدم الاحترام. فالرجال قد يكونون أكثر عدوانيةً وأكثر قدرةً على المواجهة المباشرة، بينما النساء، يملن للّجوء للتلميح في المقام الأول: “الرجال يسحقون بلا هوادة، والنساء يعملن على زعزعة الاستقرار؛ ولكن العنف يخيم على كليهما، والخاسر الأكبر دائماً هو الزوجان”.

يؤكد المحلل النفسي جان ميشيل هيرت، في كتابه “وقاحة الحب، وخيالات الحياة الجنسية” (L’insolence de amour, fictions de la vie sexuelle): “أن الأزواج الذين يفتقرون للاحترام، ينكرون الآخر، ولا يأخذون بعين الاعتبار عواطفه أو احتياجاته. هناك دائماً جزء لا يمكن إنكاره من الكراهية في هذه السلوكيات. تلك الكراهية التي تعد جزءاً لا يتجزأ من الحب، وتتحول إلى عدم احترام عند كبحها”. وبالتالي؛ كلما قل إدراكنا لما يدور بداخلنا، كلما وجدنا صعوبةً في قبول ازدواجية مشاعرنا، وكلما حملنا الآخر المسؤولية عن صراعاتنا الداخلية وألقيناها على عاتقه. وفي غياب الاحترام؛ يطرح الانتقام نفسه على الساحة، ففي تجريح الآخر، تكمن الرغبة في جعله يدفع الثمن غالياً بسبب الصورة السيئة التي يصدرها عن نفسه، ولتعاليه الذي لا يُطاق، سواء أكان حقيقياً أم متخيلاً، ولما يثيره في الآخر من ذكريات آتية من الماضي. ومن ناحية أخرى؛ يُفسَر الإهمال عن طريق عدم الانتباه، بواسطة من يمارسه وكذلك من يتعرض له. يشير المحلل النفسي أن “الإهمال الذي لا ينطوي على نوايا عدوانية، يتم دائماً الاعتذار عنه بطريقة عفوية، والأكثر خطورةً من ذلك هو الميل لاتهام الضحية بفرط الحساسية أو جنون العظمة، فإنكار العنف هو بحد ذاته شكل جديد من أشكال العنف”.

اقرأ أيضا:

العلاقة الجنسية بوصفها مساحةً محفزةً

استغرقت فادية (42 عاماً) أشهراً قبل أن تجرؤ على إخبار شريك حياتها بعدم ارتياحها في أثناء العلاقة الحميمية، وأن بعض تصرفاته تشعرها بأنه يعتدي عليها: “كنت ألحظ في لمساته شيئاً من الغضب، وعندما فاتحته في الأمر أصبح عدوانياً، ولم يتحمل توجيه أي اتهام له أو التشكيك فيما اعتبره مهاراته الرجولية. لقد اتخذنا قراراً بالذهاب إلى أخصائي نفسي جنسي؛ ما جعل من الممكن إجراء حوار حول الأمر”.

تشير كاثرين بلان؛ مؤلفة كتاب “الجنس لدى النساء ليس ما يظهر على أغلفة المجلات” (La sexualité des femmes n’est pas celle des magazines)، إلى أن “الرغبة الجنسية تنطوي على العدوانية، وهي شكل من أشكال العنف الضروري والمتأصل في الحياة الجنسية”. وتواصل المعالجة الجنسية تحليلها، فتقول: “لذا من السهل تقبل بعض نوبات القوة التي يمارسها أحد الشريكين على الآخر؛ ولكنه ليس من السهل دائماً تحديدها، ناهيك بصياغتها في كلمات”؛ ما يعنى مزيد من الصعوبة، وتؤكد كاثرين بلان أن مفهوم الاحترام وثيق الصلة بالطريقة التي ينظر بها كل شخص للجنس، بحواجزه النفسية وجسده وخيالاته. كما تلخص المعالجة الأمر بقولها: “تكمن الصعوبة برمتها في وضع حدود لك؛ ولكن دون التمسك بمواقفَ صارمة من حيث المبدأ، فالمعاناة من قلة الاحترام والرضوخ للصمت، طريقة تثبت خطورتها على المدى الطويل، سواء بالنسبة للشخص نفسه أو للعلاقة في حد ذاتها”.

إيجاد القدرة على تعيين الحدود

إذاً كيف نواجه الأمر؟ “عند أول زلة، من المفيد لفت النظر بقوة للأمر” هذا ما ينصح به جان ميشيل هيرت. تعد هذه المواجهة بمثابة اختبار، وهنا تقوم بتعيين حدودك ودعوة الآخر لأخذها في الاعتبار. سواء قابل ذلك بالإنكار أو بالرغبة في الهيمنة، فإن كلاهما سيستخلص استنتاجاته وهو على بينة من الأمر”. إن التأكيد على كينونتك لترفض ما لا تريده، يستلزم أن تكون مدركاً للإهانة، وأن تجد في داخلك القدرة على الرفض. إنهما شرطان يبدوان في غاية الوضوح لأولئك- الرجال والنساء- الذين اختبروا الاحترام في طفولتهم، ومن لديهم ما يكفي من الشعور بالأمن بداخلهم لكيلا يهابوا الدخول في أي صراع”.

“فعندما لا نجرؤ على التعبير عن انفعالنا، قد يكون من المفيد جداً العثور على رابط بين الوضع الحالي والموقف الذي عانينا بالفعل منه في الماضي مع الوالدين. إن الوعي خطوة أولى أساسية، كما أكدت عالمة النفس ماريز فيلان، بمناسبة إطلاق كتابها الذي يحمل عنوان “الحب من جديد والخروج من دائرة الفشل” (La répétition amoureuse, sortir de l’échec). يمكن أن يؤدي تدني احترام الذات، وكون المرء معتاداً على الإهمال أو سوء المعاملة من جانب والديه في مرحلة البلوغ، إلى تكرار الدخول في علاقات مؤذية. وللإفلات من هذه الدوامة؛ غالباً ما يتطلب الأمر الكثير من المعاناة”.

لكن في بعض الأحيان، تأتي القشة التي تقصم ظهر البعير. هذا ما عاشته دينا (46 عاماً)، بعد أربعة وعشرين عاماً من زواجها من رجل “بارد ومتعالٍ”، يشبه والدته بشكل غريب. تقول: “كانت أختي قد عاودت للتو محاولتها الانتحار، وهي أم لطفلين يبلغان من العمر 11 و8 أعوام. وغني عن القول إنني كنت في غاية التوتر حيال ما حدث؛ لكن بعد ذلك، عندما قال زوجي معلقاً على الأمر: “إن أنانيتها ليس لها حدود”، اتضح كل شيء في رأسي تمام الوضوح، وعرفت حينها أنني سأمتلك أخيراً الشجاعة للحصول على الطلاق”.

“كنت أتسبب في معاناة زوجي دون أن ألاحظ”

مريم (39 عاماً)؛ مديرة أحد مشاريع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني: “أنا بطبيعتي قلقة، وكأم أصبح في غاية التوتر، فطوال طفولة ابني أمجد المبكرة، كان سامي؛ والده وزوجي السابق، هو من يتحمل وطأة توتري وقلقي. بينما هو متفائل، ويكاد يكون غير مبالٍ لشيء. لم أدرك -سوى بعد مراجعة وتقييم نفسي- وبعد زواجي الثاني، أنني لم أكنّ له الاحترام الكافي، بجعل أمجد ينظر إليه بوصفه شخصاً خَطِراً وليس في كامل وعيه. كنت أضايقه به دون أن أعي ذلك، ولم يكن باستطاعته اتخاذ أي مبادرة تجاه أمجد دون أن أشرف على كل شيء. لم أكن أتركهما بمفردهما أبداً، وكانت النزاعات لا تنتهي أبداً، وعندما كان يتهمني بالقلق المرضي، كنت ألقي باللوم عليه، وأذكره بجميع أخطائه وإخفاقاته المهنية، واليوم أشعر بالخجل حقاً من ذلك. كان أسوأ ما في الأمر عندما سأل أمجد، عشية بلوغه السادسة من عمره، والده إذا كان قد حصل على إذن مني قبل القيام بعرض صغير للألعاب النارية، فقد يكون ذلك خطيراً. لم أنسَ النظرة التي رمقني بها سامي حينها”. إن هذا دليل على صعوبة التعامل مع شريك الحياة وكم من المهم تعلم ذلك.

اقرأ أيضا:

المحتوى محمي !!