كيف تتعافى من ماضيك المؤلم وتعيش واقعاً أفضل؟

4 دقائق
الماضي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: هل شعرت من قبل بأنك عالق في الماضي؟ تستيقظ كل صباح تذهب إلى عملك، تعود لتتناول الغداء ثم تستلقي على السرير، وقبل أن تخلد إلى النوم تجتر آلام الماضي كلها؟ إذا كنت تفعل ذلك فأنت في حاجة ماسّة إلى التعافي من الماضي المؤلم، وإليك في هذا المقال أهم الطرائق التي ستساعدك على تحقيق ذلك.

هناك افتراض شائع يقول إن: "الوقت يداوي الجروح كلها"، وفي الحقيقة، ربما يكون ذلك غير صحيح إلى حد ما! إذ يؤكد الطبيب النفسي فيل ماكغرو (Phil McGraw) إن الوقت لا يغيرنا؛ إنما ما نفعله في ذلك الوقت هو الذي يغيرنا، ففي حالة استمرارنا في اجترار أوجاع الماضي، سيشكل ماضينا حاضرنا ويحدد مَن نحن وإلى أين سنذهب.

فإن كان النوم يطير من عينيك جرّاء تفكيرك في آلام الماضي، وتشعر باستمرار أن تجاربك السابقة الأليمة تتحكم في تفاصيل حياتك، فاعلم أنك يجب أن تنجو من هذه الدوامة وتعيش واقعاً أفضل. وعلى الرغم من أن تحقيق ذلك لن يكون سهلاً لكنه يستحق المحاولة بجد، ويعرّفك هذا المقال إلى كيفية النجاح في التعافي من الماضي المؤلم.

لماذا نعلق في الماضي الأليم؟

تلقي الذكريات المؤلمة بظلالها على الطريقة التي نتعامل بها مع العالم وتظل حاضرة دائماً، ويمكن للماضي المؤلم أن يحدد اختياراتنا اليومية ومصائرنا. وتقف وراء البقاء في الماضي أسباب مختلفة؛ أهمها:

  1. الذكريات المؤلمة عالقة في جسدك وعقلك: تؤكد أستاذة علم النفس في جامعة ألبيرتا (University of Alberta)، مادي جينوفيز (Maddi Genovese) إن الشخص حين يواجه حدثاً خطِراً أو مؤلماً، فمن المحتمل أن يتخذ جسمه استجابة "الكر أو الفر أو التجميد" (Fight, Flight or Freeze Fawn). هذه الاستجابة المقترنة بالحدث الأليم الذي حدث في الماضي تسبب إفراز قدر ليس بقليل من هرمون الأدرينالين. إلى جانب أنك عندما تسترجع ذلك الحدث عبر الروائح أو الأطعمة أو الأغاني أو الأماكن، فإن جهازك العصبي يستشعر هذه الإشارات، ويتعامل معها كما لو كنت في خطر أو ألم مرة أخرى.
  2. اعتقادُك أن ألمك يحميك: هناك اعتقاد مترسخ داخل بعض الأفراد مفاده أن التمسك بالتجربة المؤلمة يمنع حدوثها مرة أخرى؛ لذلك أنت تمارس ضغطاً هائلاً على نفسك كي تصبح أكثر يقظة حتى لا تحدث لك التجارب المؤلمة مرة أخرى، والنتيجة أن الماضي الأليم لا يغادر ذهنك لأنك لن تسامح نفسك أبداً لو شعرت بالألم مرة أخرى.
  3. مراقبة التجربة المؤلمة تمنحك إحساساً بالسيطرة: يعتقد ناقدك الداخلي أحياناً أنك لست مؤهلاً بما يكفي للتعامل مع مواقف الحياة المختلفة؛ ولذلك يذكّرك بآلامك الماضية لتجنُّب المزيد من الألم. ويشبه دور الناقد الداخلي إلى حد كبير دور الآباء المهووسين بالحماية حين يقولون: "هل تذكر الألم الذي حدث لك في الماضي؟ هل تذكر كم كان مروعاً؟ إذاً افعل أي شيء لتجنُّب الشعور به مرة أخرى".
  4. رغبتك في معاقبة الجاني: ينتظر الكثيرون معاقبة هؤلاء الذين آذوهم في الماضي؛ إنهم يريدون أن يفهم الجُناة كم كان الشعور مؤلماً، وأحياناً يرغب بعضهم في الانتقام ظناً منه بأن ذلك سيُشعره بالتحسن. لكن الحقيقة أن الرغبة في معاقبة الجاني لن تجعلك تشعر بأي تحسن بل على العكس ستجعل آلامك تمتد لمدة أطول؛ لأن هؤلاء الأشخاص لن يعترفوا بما فعلوه في الماضي بل يمكن أن يلوموك على كل ما حدث.
  5. التجارب الأليمة تُشعرك بأنك مميز: تمنح المعاناة بعض الأفراد شعوراً بالتميز لأن تلك المعاناة والآلام التي مر بها تجعل المحيطين به يعاملونه بلطف وبطريقة خاصة خوفاً على مشاعره؛ ولهذا يتمسك بعض الأفراد بالتجارب الأليمة حتى يشعر بأنه مميز ومحبوب ومثير للاهتمام.

اقرأ أيضاً: ما هو العلاج النفسي الحسي الحركي؟ وكيف يساعدك على التعافي من صدمات الماضي؟

12 علامة تؤكد أنك تعيش في ماضيك المؤلم 

ترى المختصة النفسية آني تاناسوغارن (Annie Tanasugarn)، أن السمة الرئيسة للعيش في الماضي المؤلم هي تبنّي سلوك التخريب الذاتي؛ ذلك السلوك الذي يقف حائلاً بيننا وبين عيش واقع أفضل في الحاضر، وهذه هي أبرز العلامات التى تخبرك بأنك تعيش في ماضيك المؤلم:

  1. الشكوى المستمرة.
  2. مقاومة التغيير.
  3. معاناة الأرق والكوابيس.
  4. الانسحاب والعزلة الاجتماعية.
  5. تدنّي احترام الذات.
  6. الشعور بالقلق.
  7. الإصابة بالاكتئاب.
  8. الشعور بأنك لا تستطيع تحقيق أحلامك.
  9. فقدان الاهتمام بالأنشطة التي كنت تستمتع بممارستها.
  10. عدم الرغبة في الحصول على المساعدة.
  11. التمسك بالأحقاد والتوق إلى الانتقام.
  12. عدم وضع أي خطط مستقبلية.

اقرأ أيضاً: كم من الوقت يستغرق التعافي من ألم الانفصال العاطفي؟

كيف يمكنك التعافي من الماضي المؤلم وعيش واقع أفضل؟ 

يؤكد استشاري العلاقات الأسرية، الدكتور جاسم المطوع إننا يجب أن ننظر إلى ماضينا الأليم على أنه خبرة اكتسبناها وتجربة يجب التعلم منها، وحتى يتحقق ذلك إليكم أهم طرائق التعافي من الماضي:

  1. كُن لطيفاً مع نفسك: تنصحك مختصة العلاج الأسري ليزا أوليفيرا (Lisa Olivera) بإظهار بعض اللطف والرحمة بنفسك، وتشرح أهمية ذلك قائلة: "الأذى أمر لا مفر منه، وقد لا نستطيع تجنُّب الألم لكن يمكننا أن نختار معاملة أنفسنا بلطف ومحبة".
  2. اسمح لمشاعرك السلبية بالظهور: يخاف الناس من المشاعر السلبية مثل الحزن وخيبة الأمل والغضب، وبدلاً من الشعور بها يحاولون تجنُّبها وتجاهلها؛ وهذا ما يؤدي إلى نتيجة عكسية لأن كل محاولة لكبت المشاعر السلبية سيجعلها تظهر بعد ذلك بقوة، فتظل عالق في الماضي فترة أطول.
  3. لا تنتظر اعتذار الشخص المؤذي: سيؤدي انتظار اعتذار الشخص الذي جرحك في الماضي إلى إبطاء عملية التعافي، فإذا كنت تعاني الأذى والألم، من المهم أن تهتم بشفائك وتتقبل أن الشخص الذي جرحك لن يعتذر.
  4. تحدَّث إلى نفسك بإيجابية: تؤكد المختصة النفسية كارلا مانلي (Carla Manly)، إن الطريقة التي تتحدث بها إلى نفسك يمكن أن تدفعك إلى الأمام أو تجعلك عالقاً؛ لذلك بدلاً من أن تقول لنفسك: "لا أصدق أن هذا حدث لي"، يمكن أن تقول لها "أنا محظوظ لأنني قادر على إيجاد مسار جديد في الحياة".
  5. غيّر طريقة إدراكك للأمور: يتطلب تجاوز محن الماضي تغييراً في كيفية إدراكنا لأنفسنا؛ لذلك حاول التركيز على نقاط قوتك، وتذكر أن الاحتمال الأقرب للتحقق بعد المرور بتجارب صعبة هو زيادة مرونتك النفسية وليس إصابتك بالهشاشة النفسية؛ لأن احتمالات التغلب على المحن أكبر من احتمالات الاستسلام لها عموماً.
  6. أحِط نفسك بالأشخاص الداعمين: تساعدك هذه الخطوة على تحمُّل آلام الماضي؛ إذ إننا لا يمكننا العيش بمفردنا ولا نستطيع التغلب على آلامنا بمفردنا، فوجود الأشخاص الداعمين في محيطنا مهم للغاية.
  7. انخرط في ممارسة الرعاية الذاتية: عندما نمرض، فإننا نحرص على الراحة وشرب السوائل الدافئة وتناول الأدوية. الأمر نفسه يجب أن ينطبق على الألم النفسي؛ حيث إن ممارسة الرعاية الذاتية مهمة للغاية حتى لا نشعر بأن الألم يدمرنا.

في النهاية، ربما لن تتمكن من تجاوز آلام الماضي أو التجارب المؤلمة بين عشية وضحاها، فالأمر يتطلب منك بعض الصبر والتفاني والالتزام بالتغيير، وقد تحتاج أحياناً إلى الاستعانة بمعالج نفسي يرشدك إلى كيفية النجاح في تجاوز الماضي بسلام؛ لكن رحلة حياتك تستحق بذل قصارى جهدك للاستمتاع بها أكثر.