لماذا يؤثر الاكتئاب الشديد في النساء والرجال بشكل مختلف؟

الاكتئاب الشديد
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في حين توصف النساء في كثير من الأوقات بأنهن ملكات الدراما (Drama Queens) لأن العاطفة تغلبهن؛ ما يجعلهن يستجبن للمواقف المختلفة برد فعل عالية تختلف عن استجابة الرجال؛ إلا أن ذلك الأمر -الذي قد يبدو فيه تحامل على النساء- لا يحدث من فراغ، فهناك بالفعل عدة اختلافات بيولوجية وتغيرات في أجزاء مختلفة من الدماغ التي تستجيب لـ “الاكتئاب الشديد” بين الذكور والإناث، كما أوضحت دراسة حديثة من جامعة لافال بكندا، والمنشورة في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز (Nature Communications) في يناير/كانون الثاني 2022.

الاكتئاب أكثر شيوعاً بين النساء

بحسب الجمعية الأميركية لعلم النفس، فإن اضطراب الاكتئاب الرئيسي (MDD) أكثر شيوعاً بين النساء. كما تشير دراسة من جامعة برينستون الأميركية؛ والتي بحثت في الاختلاف بين الجنسين في الإصابة بالاكتئاب بحلول منتصف فترة المراهقة وحتى سن 55 عاماً، إلى زيادة احتمالية إصابة الإناث بالاكتئاب بمقدار الضعف مقارنة بالرجال.

كذلك؛ أوضحت الدراسة أن النساء المصابات بالاكتئاب يملن إلى إظهار أعراض أكثر من الرجال؛ والتي تتراوح بين:

  • أعراض نفسية: الحزن المستمر، والشعور باليأس والعجز، وتدني احترام الذات والشعور بالقلق والذنب.
  • أعراض جسدية: التحرك أو التحدث ببطء أكثر من المعتاد، وتغيرات في الشهية أو الوزن ونقص الطاقة.
  • أعراض اجتماعية: تجنب الاتصال بالأصدقاء، والعزلة وإهمال الهوايات والاهتمامات.

علاوةً على ذلك، فالنساء يكنّ أكثر عرضة لإظهار أعراض عاطفية؛ مثل البكاء.

تجاهُل العوامل البيولوجية للاكتئاب

وفقاً لدراسة أميركية سابقة من جامعة “ماونت سايناي” (Mount Sinai) بنيويورك؛ يُعد الاكتئاب الشديد أكثر اضطرابات المزاج انتشاراً، والسبب الرئيس للإعاقة في جميع أنحاء العالم.

كما تشير الدراسة إلى تجاهُل المعايير التشخيصية لكثير من اضطرابات المزاج -بما في ذلك الاكتئاب- والعوامل البيولوجية، وتسليط الضوء على الأعراض السلوكية فقط.

يحدث ذلك على الرغم من دور الجهاز المناعي، وصحة القلب والأوعية الدموية وكفاءتها، في التعرض للأمراض النفسية المرتبطة بالتوتر والاكتئاب؛ حيث إن الاكتئاب ينتشر بمعدل ضعفين إلى ثلاثة أضعاف لدى المرضى الذين يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية، ويرتبط بزيادة خطر الإصابة بالأمراض ومعدل الوفيات عموماً.

اقرأ أيضاً:

الضغط الاجتماعي والاكتئاب

في دراسة سابقة أجراها باحثون من جامعات “ماونت سايناي” و”تكساس” بأميركا، و”لافال” و”ماكجيل” بكندا، و”دبلن” بأيرلندا، و”تسوكوبا” باليابان، أشار الباحثون إلى أن الضغط الاجتماعي المزمن؛ والذي ينشأ من التفاعلات الاجتماعية الصعبة كالتعرض للانتقاد أو الشعور بالرفض أو النبذ ​​أو التجاهل، لدى ذكور الفئران يُضعِف “الحاجز الدموي الدماغي” (Blood-brain barrier)، ​ويعزز السلوكيات الشبيهة بالاكتئاب لديهم.

وجد الباحثون الشيء نفسه في أدمغة الرجال الذين يعانون من الاكتئاب الشديد وقت وفاتهم؛ ما يشير إلى وجود صلة مباشرة بين صحة الأوعية الدموية العصبية والتعرُّض للتوتر؛ لكن ذلك الرابط ظل غير واضح لدى الإناث.

عندما كرر الفريق البحثي التجربة على إناث الفئران في الدراسة نفسها؛ وجدوا تغيرات في منطقة قشرة الفص الجبهي المسؤولة عن عدد من وظائف الدماغ؛ من بينها: السيطرة على الاندفاع، وتنظيم العواطف والحالة المزاجية – بما في ذلك قراءة مشاعر الآخرين، بالإضافة إلى القلق وإدراك الذات.

تشابهت هذه النتائج مع تلك التي توصلوا إليها عندما فحصوا أدمغة النساء اللاتي يعانين من الاكتئاب وقت وفاتهن. ومع ذلك؛ تشير النتائج إلى أن تلك المنطقة في الدماغ لم تتأثر لدى الرجال المصابين بالاكتئاب.

الاستجابة للإجهاد

تكون إناث القوارض أكثر عرضة للإجهاد الذي لا يمكن التنبؤ به، مع التعرُّض لستة أيام متتالية من الضغوط المتغيرة؛ والتي تكون كافية للحث على السلوكيات الشبيهة بالقلق والاكتئاب لدى الإناث دون الذكور؛ ما يسمح باستكشاف الآليات الكامنة وراء استجابات الإجهاد المختلفة بين الجنسين.

لدراسة ذلك الاختلاف في الاستجابة للإجهاد بين الإناث والذكور -والذي يتشابه مع سلوكيات القلق والاكتئاب- عرّض الباحثون إناث الفئران لسلسلة من عوامل إجهاد مختلفة؛ وهي: صدمات القدم، وتعليق الذيل أو إجهاد التقييد. تكررت تلك العوامل مرتين ثم خضعت الفئران لمجموعة من الاختبارات السلوكية.

أظهرت نتائج التجربة ارتباط التغييرات التي يسببها الإجهاد في هذه المجالات السلوكية بتغييرات في الجهاز العصبي في دماغ الأنثى؛ ما يعني تأثرهن الشديد بذلك الإجهاد.

اقرأ أيضاً: مضادات الاكتئاب ليست دائماً الحل الأمثل لعلاج الاكتئاب

اختلاف تأثير الاكتئاب بين الجنسين

تقول كارولين مينارد؛ المؤلفة الرئيسية للدراسة، والأستاذة في كلية الطب بجامعة لافال، والباحثة في مركز أبحاث الدماغ كيرفو (CERVO): “يختلف الاكتئاب كثيراً بين الرجال والنساء، فالمرض أكثر شيوعاً لدى النساء، بينما تختلف الأعراض. كذلك، فالاستجابة لمضادات الاكتئاب ليست هي نفسها لدى الرجال، وكان هدفنا معرفة السبب”.

وتضيف: “تشارك قشرة الفص الجبهي في تنظيم الحالة المزاجية، وكذلك القلق وإدراك الذات. في ذكور الفئران التي تعاني من الإجهاد المزمن وفي الرجال المصابين بالاكتئاب، لم يتغير هذا الجزء من الدماغ. تشير هذه النتائج إلى أن الإجهاد المزمن يغير الحاجز الدماغي بشكل مختلف حسب الجنس”.

كذلك، فخلال إجراء مزيد من التحقيق بشأن اختلاف تأثُّر الجنسين بالاكتئاب؛ استطاع الباحثون تحديد علامة بيولوجية محتَمَلَة للاكتئاب لدى النساء من خلال فحص عينة الدم لديهم، بينما لم توجد تلك العلامة عند الرجال.

ترتبط تلك العلامة بصحة الحاجز الدموي الدماغي؛ حيث وجد الباحثون جزيئاً التهابياً بتركيزات أعلى في دم إناث الفئران المُجهَدَة، كما أنه كان موجوداً في عينات دم النساء المصابات بالاكتئاب.

خطوة جديدة لتشخيص الاكتئاب وعلاجه

وفقاً لمينارد، فإن تشخيص الاكتئاب الشديد كان ولا يزال يتم من خلال الاستبيانات؛ والتي تُركّز على الجانب السلوكي؛ لكن فريقها البحثي استطاع التوصٌّل إلى أهمية صحة الأوعية الدموية في الاكتئاب، واكتشاف العلامة البيولوجية في عينة دم النساء؛ ما يمكن استخدامه للكشف عن الاكتئاب وتشخيصه بصورة أفضل فيما بعد، كما يمكن استخدامه أيضاً لقياس فعالية العلاجات الحالية أو العلاجات قيد التطوير للاضطرابات الاكتئابية.

اقرأ أيضا: كيف تتجاوزين اكتئاب ما بعد الولادة؟

المحتوى محمي !!