يجهل بعض الناس كيف يستمتعون بحيواتهم، ربما بسبب التوتر النفسي المزمن الذي يسبب الانزعاج معظم الأوقات ويصعّب الاهتمام بالنفس، أو بسبب أنماط التفكير المشوّهة التي تعمّق النظرة السلبية إلى النفس والحياة، أو بسبب الكمالية والنقد الذاتي المفرط اللذين يصعّبان الشعور بالرضا.
محتويات المقال
لكن الاستمتاع بالحياة لا يعني الشعور بالسعادة والبهجة طوال الوقت؛ إنما يتعلق بتنمية عادات من شأنها أن تعزز الرفاهية الذاتية والرضا والمرونة النفسية على المدى الطويل. فالقدرة على الاستمتاع بالحياة أقرب ما تكون إلى مهارة يمكن تعلمها وتطويرها من خلال أفعال يومية بسيطة من شأنها تحسين المزاج تدريجياً. وإليك كيفية تحقيق ذلك عبر نصائح عملية.
1. عِش اللحظة
من السهل أن تغرق في هموم المستقبل أو في مشكلات الماضي كلما حاولت الجلوس بهدوء، لكن الندم على ما مضى أو القلق بشأن ما قد يأتي لن يمنحاك سيطرة أكبر على الأحداث التي لا يمكنك السيطرة عليها؛ بل سيسلبانك متعة الحاضر ويستنزفان طاقتك. ما الحل؟ الحل بتغيير عقليتك؛ بأن تركّز على ما هو واقع تحت سيطرتك فقط، وأن تتقبل طبيعة الحياة المتغيرة وعدم اليقين الذي يكتنفها، وأن تعيش اللحظة الراهنة بملء جوارحك. كيف؟
استخدام حواسك جميعها للتركيز على ما يحيط بك. سواءً كان التركيز على نكهة قهوتك الصباحية، أو الشعور بأشعة الشمس على بشرتك، أو الإصغاء إلى ضحكة طفل، أو فعل كل ذلك في آن واحد، فهذه اللحظات الصغيرة كفيلة بجلب فرحة عميقة وهدوء كبير.
يطلق على استخدام الحواس لتركيز الانتباه والوعي على ما تحس به وتفكر فيه في اللحظة الراهنة اسم "اليقظة الذهنية"؛ وهي تقنية تساعد، عند ممارستها بانتظام، على تقليل التوتر والقلق وتحسِّن الانتباه والذاكرة وتعزز تنظيم المشاعر. وهو ما قد يفيد خاصة في حالة أنماط التفكير المشوّهة (التشوهات المعرفية)، والتوتر المزمن.
يمكنك أن تستفيد من طريقة 5-4-3-2-1 لتطبيق اليقظة الذهنية. على سبيل المثال، سمِّ 5 أصوات يمكنك سماعها، و4 أشياء يمكنك رؤيتها، و3 أجسام يمكنك لمسها، ورائحتين يمكنك شمهما، وطعماً واحداً يمكنك تذوقه. مع مرور الوقت، قد تُغيّر هذه الدقائق القليلة طريقة تجربتك للحياة. لذا توقف، ثم تنفس، واسمح لنفسك بعيش اللحظة، فقد تكتشف أن السلام الداخلي يبدأ من هنا.
اقرأ أيضاً: كيف تطبق "روتين المتعة" الذي سيغير حياتك للأفضل؟
2. ابنِ علاقة صحية مع نفسك
تؤثّر نظرتك إلى نفسك وطريقة معاملتك لذاتك في قدرتك على بناء المرونة النفسية اللازمة، فكلما كانت علاقتك مع نفسك صحية، تحسنت علاقتك مع الحياة ومع الآخرين من حولك.
تبدأ العلاقة الصحية مع النفس بالوعي الذاتي، أي بتقبّل المشاعر جميعها والاعتراف بصحتها دون إصدار أحكام، حتى تلك الصعبة منها، لأن المصادقة على صحة المشاعر وفهم سبب الشعور بها، قد يساعدان على تخفيف الصراع الداخلي ومعالجة الحاجة الكامنة وراء هذه المشاعر.
ومن المهم أن ترتّب احتياجاتك حسب أولويتها؛ بأن تضع الحدود حول ما تقبله وما لا تقبله، وألا تخشى قول "لا" عند الضرورة، وأن تكون لطيفاً مع نفسك عندما ترتكب الأخطاء.
ومن المحبذ لو تراقب حديثك الذاتي الداخلي، وتستعيض عن الأفكار السلبية أو غير المفيدة بأخرى إيجابية أو منطقية على الأقل، وأن تتوقّف عن مقارنة نفسك بالآخرين، وألا تأبه بظنونهم وتوقعاتهم أكثر من اللازم.
اقرأ أيضاً: سعادتك الكبيرة تبدأ من المتع الصغيرة إليك كيفية إيجادها
3. اكتشف ما الذي يجعلك سعيداً
لا توجد وصفة جاهزة للسعادة، وإن وُجِدت فقد لا يعجب مذاقها الجميع! أي ما قد يجده البعض ممتعاً في الحياة، قد تجده أنت عديم النفع. الحل هو ألا تأخذ أفكاراً مسبقة الصنع عما ينبغي أن تكون عليه حياتك لتكون سعيداً؛ بل أن تعيشها بشروطك الخاصة.
معنى هذا الكلام هو أن تفهم ذاتك وقيمك وما يهمك فعلاً، وأن تدرك ما يجعلك تشعر بأقصى قدر من الحماس والحيوية، وما يستنزف طاقتك. على سبيل المثال، هل تفضّل العمل ليلاً أم صباحاً؟ ما الوظيفة التي أحببتها؟ وتلك التي أشعرتك بالإحباط؟ هل تشعر بالحيوية ضمن التجمعات الكبيرة؟ أم تنعشك المحادثات الشخصية العميقة مع أشخاص قلة؟
خُذ وقتك وراقب نفسك. فكِّر في إجراء تجربة شخصية تراقب فيها ما الذي حفّزك وأحبطك خلال أسبوع، ثم اكتب قائمة بما جعلك سعيداً، مثل العمل عن بعد، أو التواصل مع الناس، أو تعلّم مهارة جديدة، أو مواجهة تحديات صعبة، ورتبها حسب الأولوية.
جرّب أيضاً تدوين يومياتك أو التأمل أو استكشاف هوايات جديدة. لا تخشَ المخاطرة والخروج من منطقة راحتك، فلن تعلم ما تحبه وتبغضه دون محاولة. ثم بمجرد أن تدرك الأنماط وتكتشف ما أنت شغوف به، ستستطيع تخطيط حياتك حول الأنشطة والأشخاص والروتين، ما يغذي صحتك النفسية والعاطفية.
4. قوِّ علاقاتك الاجتماعية الإيجابية
إحدى الخطوات المهمة للاستمتاع بالحياة هي انتقاء مَن تقضي وقتك معهم بحكمة، فهؤلاء الأشخاص يؤثرون بدرجة كبيرة في مزاجك وطاقتك. لذا اسأل نفسك بصدق: مَن يشعرك بالسعادة والدعم؟ ومَن يشعرك بالانزعاج؟ ثم حاول قضاء المزيد من الوقت مع من يُشعرونك بالرضا والتقدير، وابتعد بلطف عمّن يُحبطونك.
هذا ما يؤكد عليه الطبيب النفسي، عاصم العقيل؛ إذ يقول: لكي تعيش براحة وتشعر بسعادة وتنتج في الحياة، عليك الانتباه من الناس السامّين، الذين يحبطونك بسلبيتهم وتشاؤمهم، والابتعاد عنهم، وأن تخالط الناس الإيجابيين والمتفائلين.
5. ابحث عن هدف وليس عن التلذذ فقط
المتعة الحقيقية والرضا عن الحياة غالباً ما يأتيان من العمل على تحقيق هدف ما، وليس من مجرد السعي وراء الترفيه اللحظي أو اللذة المؤقتة. أما الهدف فليس بالضرورة أن يكون مبالغاً فيه، بل يكفي أن يكون ذا معنى بالنسبة لك؛ مثل هواية تحبها، أو السفر، أو الإخلاص لعزيز، أو مساعدة الآخرين، أو تأليف كتاب، أو تأسيس مشروع خاص، أو التطوع بأعمال خيرية.
في الواقع، تبيّن أن امتلاك هدف في الحياة، بالإضافة إلى أنه يعزز الشعور بالسعادة، فهو يقلل احتمالية الوفاة المبكرة، ويحسّن جودة النوم، ويخفِّض معدل الإصابة بآلزهايمر.
اقرأ أيضاً: كيف تجد السعادة في يومك من خلال الاستماع بأبسط التفاصيل؟
6. تعلّم الامتنان
يميل البشر بطبيعتهم للتركيز على التجارب السلبية أكثر من الإيجابية، وهو تحيزٌ فطريٌّ قد يجعل الحياة تبدو أثقل وأقلّ بهجة. لكنْ، يمكن موازنة هذا التحيز بواسطة الامتنان، فعندما تُركّز عمداً على ما تمتنّ له، فإنك تُدرّب دماغك على إدراك الجوانب الإيجابية في الحياة التي قد تغفل عنها.
لا يعني الامتنان تجاهل المصاعب، بل اختيار رؤية الخير أيضاً، فقد تبين أنه حتى ممارسات الامتنان البسيطة، مثل إحصاء بعض النعم، وشُكر شخص مقرّب على معروف قدّمه، وتدوين اللحظات والتجارب الإيجابية، يمكن أن تُحسّن الصحة النفسية والمزاج وحتى العلاقات على نحو ملحوظ.
7. اهتم بصحتك الجسدية
نل قسطاً كافياً من النوم، ومارس الرياضة بانتظام، واتبع نظاماً غذائياً صحياً ومتنوعاً، فالطعام يؤثّر في المزاج أكثر مما تظن. وتذكر أن الاستمتاع بالحياة لا يعني الجلوس على الأريكة طوال الوقت أو تناول الحلويات والوجبات السريعة بانتظام؛ فهذه وعلى الرغم من أنها تجارب حسية إيجابية آنية، لكنها تجارب عابرة سرعان ما تنتهي، وليست مُرضية على المدى الطويل.
في المقابل، التمتع بالحياة حالة أعمق معنىً وأفضل أثراً، وغالباً ما تنبع من السعي وراء هدف صعب ولكنه مجزٍ؛ أي قد ينطوي على أفعال تثير شعوراً بالانزعاج أو الألم مؤقتاً؛ لكنها تجلب إحساساً بالرضا والإنجاز لاحقاً.
على سبيل المثال، قد يكون الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية مزعجاً أو مؤلماً بسبب الإجهاد البدني، ولكنه ممتع على المدى الطويل. لماذا؟ لأنه يتوافق مع الأهداف الشخصية مثل تعزيز الصحة أو الانضباط أو تطوير الذات.
اقرأ أيضاً: كيف تضر المتعة الفورية بصحتك النفسية؟ وما سبيل تجنبها؟
ختاماً، الحياة على الرغم من كل شيء أقصر من أن تقضيها تعيساً أو أن تأخذها بجدية أكثر من اللازم! لذا، وبالإضافة إلى النصائح المذكورة آنفاً، تذكر أن تضحك، فالضحك يقلل التوتر ويحسّن الصحة، لذا اقضِ وقتاً مع الأشخاص المرحين، أو شاهد برامج تلفزيونية مضحكة، أو اقرأ كتباً فكاهية. وأيضاً، حاول قضاء وقت في الطبيعة بانتظام، فكِّر في اقتناء حيوان أليف، فقد تبين أن اقتناء حيوان أليف يزيد الرضا عن الحياة بالقدر نفسه الذي يمنحه الزواج أو زيادة الدخل!