كيف تستفيد من وجودك على الإنترنت في تحسين صحتك النفسية؟ دراسة حديثة تخبرك

5 دقيقة
الإنترنت
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: توصلت دراسة بحثية حديثة أجرتها جامعة أكسفورد في مايو/أيار 2024 إلى نتيجة مفادها أن قضاء الوقت على الإنترنت يمكن أن يؤدي إلى تعزيز الصحة النفسية، وقد حللت هذه الدراسة بيانات أكثر من 2 مليون مشارك، فهل وجودك على الإنترنت يفيد صحتك النفسية حقاً؟ تُمكنك معرفة الإجابة عبر مقالنا.

أجرت جامعة أكسفورد (University of Oxford) في مايو/أيار 2024 دراسة علمية حديثة من أجل معرفة العلاقة بين قضاء الوقت على الإنترنت والصحة النفسية. وقد فحص الباحثون المشاركون في هذه الدراسة بيانات أكثر من 2 مليون شخصاً تزيد أعمارهم على 15 عاماً، وتتبعوا بعض المتغيرات مثل الشعور بالهدف والرضا عن الحياة، فما النتائج التي توصلت إليها الدراسة بالتفصيل؟ وهل وجودك على الإنترنت يمكن أن يفيد صحتك النفسية؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

ما الذي توصلت إليه الدراسة؟

توصلت الدراسة البحثية السابق ذكرها إلى نتيجة مفادها أن قضاء الوقت على الإنترنت يعزز الصحة النفسية، وقد استخلص الباحثون المشاركون في الدراسة هذه النتيجة عبر فحص بيانات أكثر من 2 مليون مشارك جُمعت من استطلاع غالوب العالمي (Gallup World Poll) منذ عام 2006 إلى عام 2022. علاوة على ذلك، حللت الدراسة الاستخدام النشط للإنترنت وعلاقته بالرضا عن الحياة والشعور بالهدف، وأكد أستاذ علم النفس والباحث المشارك في الدراسة، أندرو برزيبيلسكي (Andrew Przybylski)، إن العلاقة بين قضاء الوقت على الإنترنت والصحة النفسية كانت إيجابية على الدوام.

وفي سياق متصل، أوضح المشاركون في هذه الدراسة إن قضاء الوقت على الإنترنت أدى إلى زيادة شعورهم بالرضا عن حيواتهم، والرغبة في خوض التجارب الإيجابية. ويمكن القول إن نتائج هذه الدراسة تتعارض تعارضاً كبيراً مع ظاهرة القلق المتزايد بشأن الأضرار المحتملة لاستخدام الإنترنت؛ التي بلغت ذروتها عندما وقّع الرئيس الأميركي بايدن تشريعاً قد يؤدي إلى حظر منصة تيك توك (TikTok) على مستوى الولايات المتحدة الأميركية.

اقرأ أيضاً: ما مخاطر العالم الرقمي على صحتنا النفسية وحياتنا الاجتماعية؟

4 فوائد نفسية لقضاء الوقت على الإنترنت

أضحت الإنترنت جزءاً لا يتجزأ من الحياة الحديثة؛ إذ يستخدمها سكان العالم لأغراض مختلفة؛ ولهذا من المهم فهم التأثير الإيجابي والسلبي للإنترنت في الصحة النفسية، وهذه أهم فوائد قضاء الوقت على المواقع المختلفة:

  1. زيادة الشعور بالكفاءة الذاتية: يعزز قضاء الوقت على الإنترنت الشعور بالإنجاز؛ وذلك لأنه يتيح للمستخدمين تعلم الكثير من الأشياء مثل اللغات الأجنبية المختلفة والمهارات المتنوعة. ومع كل إنجاز يحققونه، يزيد الشعور بالكفاءة الذاتية والقدرة على التعامل مع مختلف المواقف على نحو أفضل.
  2. التعرف إلى المجتمع الواسع: لا تقتصر فوائد الإنترنت على التعلم والنهم المعرفي؛ ولكنها تمتد لتشمل ممارسة ألعاب الفيديو والتي تُشعر المستخدمين بالانتماء إلى الأشخاص الذين يشبهونهم في شتى بقاع الأرض؛ إذ إن ألعاب الإنترنت المتعددة اللاعبين تسمح للأشخاص بالتواصل مع الآخرين خارج منازلهم ويمكن أن تؤدي إلى فوائد اجتماعية وعاطفية.
  3. خفض أعراض الاكتئاب عن طريق تشتيت الانتباه: قد يؤدي البقاء على الإنترنت في بعض الأوقات إلى خفض أعراض الاكتئاب، وذلك عن طريق تشتيت الانتباه، خاصة حين يمضي الأشخاص بعضاً من الوقت في مشاهدة البرامج التلفزيونية أو الأفلام التي يفضلونها؛ إذ يمكن أن تكون البرامج والأفلام المفضلة من أدوات المتعة والخيال؛ ومن ثَمّ فإن ممارستها تخفف أنماط التفكير السلبي وتساعد على الهروب من المشاعر المؤلمة. ومع ذلك، يجب أن يكون الوقت المستغرق في مشاهدة برامج الترفيه على الشاشات محدوداً؛ حتى لا يتعارض مع الأنشطة وروتين الحياة اليومية.
  4. تخفيف حدة التوتر والقلق: إحدى الطرائق التي أسهمت بها الإنترنت في تحسين حياة الناس هي تسهيل الحياة اليومية؛ فبدلاً من الاضطرار إلى الذهاب إلى البقالة، يمكن للأشخاص استخدام الإنترنت لشراء الطلبات؛ كما يمكنهم إعداد قوائم مستلزمات المنزل والفواتير والخدمات عبر تطبيقات الإنترنت المتخصصة. وفي السياق نفسه، تُسهّل تطبيقات الإنترنت إنجاز مهام العمل اليومي مثل جمع المعلومات وتنسيقها والتواصل مع رؤساء الأقسام وتذكّر المهام اليومية المطلوب إنجازها وأهم الفعاليات الواجب حضورها؛ ما يجعل الحياة العملية أسهل وأكثر راحة؛ ومن ثَمّ يقلل حدة التوتر والقلق.

لكن، كيف يمكن أن تؤثر الإنترنت سلباً في الصحة النفسية؟

تبدأ سلبيات الإنترنت في الظهور مع تزايد عدد ساعات تصفح مواقعه المختلفة، فيما يُعرف باسم "إدمان الإنترنت" (Internet addiction IA)؛ وهو مصطلح صاغه الطبيب النفسي إيفان غولدبرغ (Ivan Goldberg) عام 1995 حتى يشير إلى الأفراد الذين يطورون أنماطاً مفرطة ولا تُمكن السيطرة عليها من استخدام الإنترنت؛ ما يؤثر سلباً في صحتهم النفسية وحيواتهم اليومية.

وينطوي هذا الإدمان على الاستخدام المفرط والقهري للإنترنت الذي يشمل صوراً مختلفة؛ بما فيها تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، ولعب الألعاب عبر الإنترنت، والانخراط في التسوق، والتصفح المستمر؛ ويؤدي هذا الاستخدام الزائد عن حده إلى إهمال أنشطة الحياة الأساسية الأخرى؛ مثل العمل والدراسة والعلاقات والرعاية الذاتية. وتجدر الإشارة إلى أن الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات العقلية (DSM-5) الصادر عن الجمعية الأميركية للطب النفسي (American Psychiatric Association)، لا يتضمن أي معايير لتشخيص أو تصنيف إدمان الإنترنت.

ويمكن أن تؤثر الإنترنت سلباً في الصحة النفسية لأن استخدامها بطريقة مفرطة يعزز الإثارة النفسية؛ وهذا بدوره يؤدي إلى اضطرابات النوم، وعدم تناول الطعام فتراتٍ طويلة، وانخفاض النشاط البدني، ويمكن أن تسهم هذه العواقب في مجموعة من تحديات الصحة النفسية؛ بما فيها حالات الاكتئاب والقلق والتوتر واضطراب العلاقات الأسرية.

وعلى الرغم من أن التفاعل مع الأصدقاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أمر جيد، فإنك تحتاج إلى مراقبة تأثير ذلك في نفسيتك؛ حيث يحذّر استشاري الطب النفسي، إبراهيم مجدي، من  "اكتئاب الفيسبوك" الذي ينتج عن الاستخدام المفرط لموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك؛ ويمكن أن يؤدي إلى الإحساس بالتبعية والاكتئاب وانخفاض الشعور بالرضا وتدني احترام الذات بسبب المقارنة بالآخرين. وفي سياق مختلف، يمكن القول إن متابعة الأخبار السلبية عبر الإنترنت قد تعزز الشعور بالقلق.

اقرأ أيضاً: ما هو التنمر السيبراني وما عواقبه

كيف تعرف أنك بحاجة إلى الاستراحة من الإنترنت؟

على الرغم من أن الإنترنت سهّلت حيواتنا بطرائق عديدة، فإنها في المقابل خلقت بعض التحديات؛ ولهذا فقد تحتاج إلى الاستراحة من الإنترنت، وهذه أهم العلامات الشائعة التي تخبرك بضرورة ذلك:

  1. تشعر بالانفصال عن أقرب الأشخاص إليك.
  2. مر وقت طويل للغاية على مقابلة أصدقائك وجهاً لوجه.
  3. وجودك على الإنترنت يمنعك من إنجاز أشياء أخرى خارج عالم الشاشات.
  4. تشغل الكثير من وقتك في مقارنة نفسك مع الآخرين عبر الإنترنت.
  5. تجد صعوبة بالغة في الاستمتاع بأنشطة أخرى بخلاف وجودك الدائم على الإنترنت.

6 إرشادات عملية لتمضية الوقت على الإنترنت بطريقة صحية

توضح أستاذة علم النفس في جامعة كولومبيا (Columbia University)، كاثرين كيز (Katherine Keyes)، إن النمو المتسارع في استخدام الهواتف الذكية والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع معدلات الاكتئاب، وهذه أهم الإشارات التي تساعدك على تمضية الوقت على الإنترنت بطريقة صحية:

  1. اقضِ بعض الوقت بعيداً عن هاتفك الذكي المتصل بالإنترنت: قد يبدو الأمر مملاً في البداية؛ لكن قضاء الوقت بمفردك يمكن أن يساعدك في العثور على المتعة بأنشطة الحياة العادية مرة أخرى. ابدأ بقضاء 30 دقيقة بمفردك أو مع صديق، دون استخدام أي أجهزة، ثم زِد المدة إلى فترات أطول، واترك هاتفك في مكان لا تُمكنك رؤيته لتقليل إغراء الاتصال بالإنترنت.
  2. خذ فترات راحة منتظمة من المواقع والتطبيقات والألعاب التي تستخدمها كثيراً: حدد مواقع الإنترنت أو التطبيقات أو الألعاب التي تستخدمها كثيراً. لا يتعين عليك التخلص منها تماماً؛ ولكن حاول إيقاف تشغيل الإشعارات، أو حظرها في أثناء الدراسة أو ساعات العمل. يمكنك أيضاً تحديد مدة زمنية لاستخدام تلك المواقع والألعاب؛ إذ يعد هذا أمراً مهماً بصفة خاصة من أجل تعزيز احترامك لنفسك وزيادة انضباطك الذاتي.
  3. حدد عدد المرات التي تتحقق فيها من رسائل البريد الإلكتروني في أثناء يومك: على الرغم من أن البريد الإلكتروني يعد أداة عمل أساسية لا يمكن الاستغناء عنها أو تجنبها، فلا زال عليك تعطيل الإشعارات غير الضرورية؛ حيث إن تنبيهك في كل مرة تصل فيها رسالة بريد إلكتروني إلى صندوق الوارد الخاص بك يعد أمراً مشتتاً للغاية ويمكن أن يؤثر في إنتاجيتك طوال اليوم.
  4. عطّل تشغيل الإشعارات: عادة ما ترن هواتفنا عند وصول إشعار جديد سواء عبر البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية أو وسائل التواصل الاجتماعي، ويجب القول إن التفقد المستمر لتلك الإشعارات يمكن أن يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وزيادة الشعور بالتوتر والقلق؛ ولهذا احرص على إيقاف تشغيل الإشعارات، ويمكنك تفقد البريد الإلكتروني بأوقات محددة، أما بالنسبة إلى إشعارات مواقع التواصل الاجتماعي، فإنها ليست بالقدر نفسه من الأهمية، خاصة خلال ساعات العمل أو قبل الخلود إلى النوم.
  5. كن حاضراً: يسهّل كل من التكنولوجيا الرقمية وقضاء الوقت على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي البقاء على اتصال مع الآخرين؛ ولكنه يشتت انتباهك عن التواصل مع الأشخاص الذين توجد معهم في الحياة الواقعية. ولأن التفاعلات الاجتماعية وجهاً لوجه مهمة للغاية من أجل صحتك النفسية؛ ابذل جهداً عندما تكون بصحبة الأصدقاء أو العائلة وافصل الإنترنت عن هاتفك لبعض الوقت؛ حتى تكون حاضراً معهم في اللحظة الحالية.
  6. خذ وقتاً كافياً من أجل إعادة شحن طاقتك: إذا كنت تمسك بهاتفك في أوقات فراغك كلها فأنت تفوت على نفسك الفرصة لإعادة شحن طاقتك. ولهذا؛ في المرة القادمة حين تجد نفسك متفرغاً، استغل الوقت من أجل الهدوء والاسترخاء والتأمل. سيكون الأمر صعباً في البداية لكن مع مرور الوقت ستعتاد الوضع.