هل الأمومة غريزة أم عاطفة مكتسبة؟

الأمومة
الأمومة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هل الأمومة غريزة أم عاطفة مكتسبة؟ أجابت عن هذا السؤال مختصة في علم النفس، ومختصة في التحليل النفسي وعالِمة أنثروبولوجيا وعالِمة أعصاب، وجميعهن قدمن إجابة واحدة ودون تردد وهي : لا وجود لغريزة الأمومة، لأن الأمومة ليست فطرية بل قد تكتسبها المرأة أو لا تبعاً لظروفها الشخصية. نتعرف أكثر إلى تفاصيل هذا الموضوع من خلال السطور التالية.

الحب الأمومي هو تركيبة نفسية واجتماعية

“يفترض مصطلح “الغريزة” بمعناه الدقيق انقياد الإنسان رغماً عن نفسه إلى سلوك معين يرتبط بجنسنا البشري. لكن هذا الأمر ينطبق على الحيوان وليس الإنسان الذي يتمتع بالوعي والإرادة الحرة والمشاعر، ومن ثم فإن مسألة الأمومة لا ترتبط بغرائز الإنسان؛ بل بإرادته التي قد لا تكون موجودة دائماً.

يمثل قدوم الطفل ثمرة الرغبة في إنجابه؛ أي الرغبة في نقل الحياة إليه والحاجة -والإرادة المصاحبة لها- إلى تقديم الحماية. يولد الطفل ضعيفاً ويتطور ببطء ما يجعله غير قادر على الاستقلال قبل سن السابعة على أقل تقدير، ومن ثم فإن حاجته إلى الاعتماد على أمه تمتد لفترة أطول بكثير مقارنةً بالسلالات الحيوانية. ولذلك تتطور الروابط بين الأم وطفلها نتيجة هذا التلاقي بين الرغبة في إنجابه والحاجة إلى تقديم الحماية له؛ لكن هذه الروابط ليست غريزية وذلك على الرغم من تأثيرها القوي.

في الحقيقة ما يمكن الحديث عنه هنا هو التوجه الفكري السائد للمجتمع فيما يتعلق بموضوع الإنجاب، ومحاولة النساء الامتثال لهذا التوجه، ولهذا فإننا نلاحظ مدى شعور النساء الشابات وحتى الأزواج الشباب في بعض الأحيان بالذنب عندما يؤخرون إنجاب الأطفال. وقد يصبح الشعور بالذنب لدى بعض النساء شديداً إذا شعرن بأنهن لم يقدمن ما هو متوقع منهن. ولكن في جميع الأحوال ليست غريزة الأمومة هي المسؤولة عن عاطفة الأمومة لدى المرأة أو شعورها بالحب تجاه أطفالها، فالحب الأمومي هو تركيبة نفسية اجتماعية ترسخ لدى كل امرأة منذ طفولتها”.

فرانسواز هيريتير مؤلفة كتاب “أجمل تاريخ للمرأة” (La Plus Belle Histoire des femmes).

هرمونات البشر ليست بتلك القوة

“تقودنا مسألة غريزة الأمومة إلى إعادة النظر في الأفكار السائدة، فهذه الغريزة واضحة لدى الحيوانات ولكن المشكلة الرئيسية هي أننا نعتقد أن الهرمونات تتحكم في تفكير الإنسان، وهي رؤية محدودة تتجاهل البعد النفسي والاجتماعي للبشر.

يتسم البشر بتعقيد يفوق جميع الكائنات الأخرى؛ كما أن دماغ الإنسان الفريد من نوعه يجعل من غير الممكن برمجة سلوكه، فالقشرة الدماغية للإنسان أكثر تطوراً بكثير من أي حيوان، بما في ذلك القرد، وهذا هو سبب قدرة الإنسان العاقل، بفضل إرادته الحرة، على اعتراض غرائزه التي تتحكم فيها الهرمونات، فكل الغرائز التي تأتي من عالم الحيوان نتحكم فيها في عالمنا من خلال ثقافتنا كبشر. على سبيل المثال يمكن للإنسان أن يُضرب عن الطعام أو يعلن التخلي عن الحياة الجنسية.

ما يميز كل إنسان عن الآخر هو أن كل دماغ يراكم الخبرات ويتفاعل وفقاً للبيئة المحيطة به، ولذلك فإنه لا يمكن نقل تجربة دماغ إلى آخر بأي حال من الأحوال. ومن ثم فإن تجربة امرأة ما مع طفلها هي نتاج ظروفها الشخصية، والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يولد فيها هذا الطفل.

وفي بعض الأحيان قد تكون هناك أسباب ربحية بحتة وراء ادعاء بعض الأشخاص بأن الهرمونات ذات تأثير قوي، فقد أصبحت الشركات تبيع “غريزة الأمومة”، أي هرمون الأوكسيتوسين، في شكل رذاذ تماماً كما يباع “الحب” من خلال الفيرومونات التي تضاف إلى العطور، ويمكنك فقط أن تكتب عبارة “بخاخ الأوكسيتوسين الأنفي” في محركات البحث لتتأكد من ذلك بنفسك”.

كاثرين فيدال مؤلفة كتاب: “هل أدمغة الفتيات ملائمة للرياضيات؟” (Les filles ont-elles un cerveau fait pour les maths?).

عاطفة الأمومة هي ثمرة نضج نفسي خاص بكل أم

“تُظهر التجربة السريرية وحتى الملاحظة البسيطة أن غريزة الأمومة غير موجودة بمعنى الغريزة الفطرية المتضمنة في الجينات التي ستظهر لدى كل امرأة عندما تلد طفلاً كما هو الحال مع الثدييات الأخرى. تتأثر الأم باللاوعي تماماً كأي إنسان آخر، وبنظرتها إلى نفسها كابنة ونظرتها إلى أمها والنساء في عائلتها، وترتبط رغبتها في الإنجاب بماضيها وعلاقتها بزوجها وتطلعاتها المستقبلية، وهي أمور غير غريزية بل تعبر في الحقيقة عن نضج نفسي شخصي لدى الأم.

إن مفهوم غريزة الأمومة يعيد المرأة إلى حالة الحيوان، الأنثى، ويختزلها في وظيفة السلف، وينكر الخصوصية التي يتسم بها كل إنسان والتأثير الكبير للعوامل النفسية واللاوعي فيه. من جهة أخرى فإن فكرة الغريزة الفطرية “الطبيعية” تجعل الكثيرات ممن لا يشعرن بأي دافع وقائي وعاطفي تجاه مواليدهن الجدد، أو ممن يتكون شعور الأمومة لديهن بصعوبة أحياناً، يشعرن بالذنب.

وحتى لو شعرت الأم تجاه طفلها بأقوى مشاعر الحب والحنان، فإن هذه المشاعر القوية ليست غريزية؛ بل ترتبط بشخصية الأم في حد ذاتها.

إن شعور الأمومة هو تعبير قوي ومفصل من الأم عن تكوينها النفسي، وهو في معظم الأحيان شعور عفوي جداً ورائع ولا يمكن فهمه ولكنه دائماً ما يكون نتيجة لظروف شخصية؛ أي ظروف الأم وعلاقتها بالأمومة من جهة، وبطفلها من جهة أخرى”.

ماريس فايان مؤلفة كتاب “أن تصبحي أماً، هل هي مهمة مستحيلة؟” (Etre mère, mission impossible?).

يجب التمييز بين غريزة الأمومة والحب الأمومي

“تعد غريزة الأمومة جزءاً لا يتجزأ من حياة كل امرأة، وهي تحدد احتمال تواصلها المباشر مع طفلها من عدمه، وهذا ما أطلق عليه وينيكوت “اهتمام الأم الأساسي”.

وعلى الرغم من أن هذا الحب الأمومي ليس فطرياً فإنه لا يمكن تعلمه، فإما أن تحمله المرأة في داخلها وإما لا. في معظم الأحيان تتكون عاطفة الحب الأمومي لدى المرأة دون أن تعي ذلك خلال مراحل حياتها؛ إذ تترسخ لديها بدءاً من مرحلة الطفولة وحتى لحظة الحمل، وتستمر خلال المراحل التالية من حياتها. إذا وجدت الأم صعوبة في الارتباط بطفلها، فعليها أن تطرح الأسئلة على نفسها لتحاول معرفة السبب وتحدد العقبات حتى تتمكن من التغلب عليها، فليست هناك أم سيئة؛ بل هناك أم تقف ظروفها الشخصية التي مرت بها عقبة أمام أمومتها.

يخلط الناس بين غريزة الأمومة والحب الأمومي، ويتطلب مجتمعنا الحالي أن تكون جميع الأمهات بالضرورة صالحات لأن ذلك يعيد إلى الأذهان صورة الأمومة الكاملة، فمع كل الأزمات الاجتماعية المحيطة بنا هناك شيء واحد نود أن نتأكد من الحفاظ عليه وهو حب الأم لطفلها وحب طفلها لها، لقد انهارت كل الأسس الاجتماعية الأخرى ولكن هذا هو البناء الوحيد الذي لا يزال قائماً”.

كاثرين فانيير مؤلفة كتاب “ماذا فعلنا لفرويد لننجب أطفالاً كهؤلاء؟” (Qu’est ce qu’on a fait à Freud pour avoir des enfants pareils).

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر تعلُّق الطفل الآمن وغير الآمن بالأم في سلوكه؟

المحتوى محمي !!