ما الذي يدفع البعض ليكون متنمراً أو يجعله أكثر عُرضةً للتنمر؟

6 دقائق

لماذا يعاملني صديقي بهذه الطريقة الفظة؟ لماذا يحاول هذا الشخص الذي يدّعي القوة والهيمنة إبعادي عن مجموعتي المفضلة؟ لماذا يصر مديري على تكليفي بمهام يستحيل إنجازها في تلك الفترة القصيرة؟ لماذا يسعى والدي دائماً للتقليل من شأني أمام الجميع؟ كثيرة هي الأسئلة التي يمكن أن تنتمي إلى هذا السياق؛ أسئلة لا حصر لها تصب في إيذاء الفرد من قِبل طرف آخرَ أو مجموعة أخرى بهدف التقليل من شأنه ومضايقته. على الرغم من أن هذا السلوك ليس بجديد؛ فإن صياغة مصطلح يعبر عنه واستخدامه بكثرة والتوسع في محاولات التوعية بمخاطره آخذ في الازدياد مؤخراً، وهذا المصطلح هو "التنمر".

كيف يسعى المتنمرون للشعور بالتفوق بإيذاء غيرهم؟

بدايةً تجب الإشارة إلى أن التنمر يظهر في سياقات مختلفة، ففي المدرسة يظهر على شكل سلوك عدواني غير مرغوب فيه بين الأطفال، ينطوي على خلل حقيقي أو متصور في امتلاك القوة، فقد يستخدم  المتنمرون قوتهم البدنية أو القدرة على الوصول إلى المعلومات المحرجة أو الرائجة، للسيطرة على الآخرين أو إلحاق الأذى بهم. وهو سلوك يمكن أن يكون متكرراً ولا يأتي بنتائج سلبية دائمة على الأطفال الذين يتم التنمر عليهم فقط؛ بل على المتنمرين أيضاً.

كما يتمثل التنمر في مكان العمل في الإساءة، سواء كانت لفظية أو جسدية أو نفسية، من قبل صاحب العمل (أو المدير) أو زميل أو مجموعة من الأشخاص في العمل بحسب الجمعية الأسترالية لحقوق الإنسان.

وتختلف أنواع التنمر لتشمل:

  1. التنمر اللفظي: وهو قول أشياء سيئة عن الشخص الآخر أو كتابتها بهدف مضايقته، واستخدام عبارات التهكم أو التعليقات الجنسية غير اللائقة، وكذلك التهديد بإحداث ضرر له.
  2. التنمر الاجتماعي: ينطوي على الإضرار بسمعة شخص ما، أو علاقاته بإقصائه من المجموعة التي ينتمي إليها عمداً أو منعه من أن يكون صديقاً لشخص ما، أو نشر شائعات عنه أو إحراجه في الأماكن العامة.
  3. التنمر الجسدي: يتمثل في إيذاء جسد الشخص أو ممتلكاته بضربه أو ركله أو دفعه أو سلبه ممتلكاته أو إتلافها.

كما تمتد أشكال التنمر في بيئة العمل لتشمل:

  1. استبعاد الشخص أو منعه من العمل مع الآخرين والمشاركة في الأنشطة.
  2. التخويف ومحاولة التقليل من شأن الشخص.
  3. تكليف الشخص بمهام لا طائل من ورائها ولا علاقة لها بعمله، أو مهام مستحيلة لا يمكن إنجازها في وقت معين أو بالموارد المتوفرة.
  4. تغيير ساعات العمل أو الجدول الزمني بشكل تعسفي.
  5. تعمُّد حجب المعلومات المطلوبة لإنجاز العمل بشكل صحيح.
  6. المضايقات المختلفة مثل إجبار الشخص على القيام بأشياء غير مهينة أو لائقة لكي يتم قبوله كجزء من الفريق.

اقرأ أيضاً: كيف تمنحنا الشماتة شعوراً بالتفوق على الآخرين؟

ما العوامل التي تخلق شخصاً متنمراً؟

تتعدد العوامل التي تسهم في تكوين شخص متنمر، ولا عجب في أنها يتم غرزها في مرحلة الطفولة والمراهقة، فالأطفال والمراهقون الذين يشعرون بالأمان والدعم من قبل أسرهم ومدارسهم وأقرانهم هم أقل عرضة ليصبحوا متنمرين؛ بينما يحفز الافتقار إلى هذا الدعم سلوك التنمر لدى الطفل، بالإضافة إلى العوامل الآتية:

1. عوامل مرتبطة بالأقران

يتنمر بعض الشباب بهدف:

  • الوصول إلى القوة الاجتماعية أو الحفاظ عليها أو رفع مكانتهم بين أقرانهم.
  • إظهار الولاء والتوافق مع أقرانهم.
  • استبعاد الآخرين من المجموعة التي ينتمون إليها لإظهار الفارق بين من هم جزءٌ من المجموعة ومن ليسوا كذلك.
  • السيطرة على سلوك أقرانهم.

2. عوامل أسرية

يرتبط سلوك التنمر لدى بعض الشباب بـ:

  • النشأة في عائلات يوجد فيها تنمر أو عدوانية أو عنف في المنزل.
  • الحرمان من الدعم العاطفي والتواصل من قبل الوالدين ومقدمي الرعاية.
  • استجابة الوالدين أو مقدمي الرعاية لهم بطريقة استبدادية.
  • النشأة في أسرة يكون البالغون فيها متساهلين بشكل مفرط أو حيث تكون هناك مشاركة أبوية منخفضة في حياتهم.

3. العوامل العاطفية

قد يتنمر الشباب أيضاً نتيجة:

  • تعرضهم للتنمر في الماضي أو الوقت الحاضر.
  • شعورهم بعدم الأمان وتدني احترام الذات، لذلك يتنمرون ليستمدوا شعوراً وهمياً بالقوة.
  • عدم القدرة على فهم مشاعر الآخرين.
  • فقدان القدرة على التحكم في عواطفهم، فيوجهونها تجاه الآخرين.
  • فقدان مهارات التعامل مع المواقف الاجتماعية بطرق صحية وإيجابية.

كما كشفت نتائج دراسة من جامعة ويست السويدية (University West) بحثت في ما يميز شخصيات المتنمرين في مكان العمل، أنهم غالباً ما يكونون قُساة ومتلاعبين ومنفتحين في التعامل مع الآخرين لكن غير مرغوب فيهم. كذلك، فالميكافيليون (وهم الأشخاص الذين يستخدمون أساليب ذكية ولكن غير أخلاقية في كثير من الأحيان تخدع الناس من أجل الفوز بالسلطة أو السيطرة) هم أكبر المتنمرين على الإطلاق!

آثار التنمر في الأطفال المتنمرين ومَن يتعرضون للتنمر

يمكن أن يؤثر التنمر سلباً في الجميع؛ الذين يتعرضون للتنمر والمتنمرين والذين يشهدون التنمر كما يلي:

الذين يتعرضون للتنمر

يمكن أن يعاني هؤلاء الأطفال من مشكلات صحية جسدية ونفسية واجتماعية وأكاديمية، ويكونوا أكثر عرضة للاكتئاب والقلق وزيادة الشعور بالحزن والوحدة وتغيرات أنماط النوم والأكل، بالإضافة إلى فقدان الاهتمام بالأنشطة التي كانوا يستمتعون بها. كما يمكن أن ينخفض تحصيلهم الدراسي ومشاركتهم في المدرسة، ويكونوا أكثر عرضة للتغيب عن المدرسة أو الانقطاع عنها تماماً.

المتنمرين

يمكن للأطفال الذين يتنمرون على الآخرين الانخراط في سلوكيات عنيفة وغيرها من السلوكيات المحفوفة بالمخاطر في مرحلة البلوغ. ويكونون أكثر عرضة لتناول المشروبات الكحولية وتعاطي المخدرات في مرحلة المراهقة وما يليها، وكذلك الدخول في مشاجرات وتخريب الممتلكات وترك المدرسة، بالإضافة إلى احتمالية الانخراط في نشاط جنسي مبكر، والإساءة إلى شركائهم أو أطفالهم كبالغين.

الذين يشهدون التنمر

الأطفال الذين يشهدون التنمر أكثر عرضة لزيادة استخدام التبغ أو المشروبات الكحولية أو المخدرات، والمعاناة من مشكلات الصحة النفسية بما في ذلك الاكتئاب والقلق، بالإضافة إلى زيادة احتمالية التغيب عن المدرسة.

كيف يمكن أن يؤثر التنمر في العمل؟

وفي العمل، يمكن أن يؤثر التنمر سلباً في الأفراد الذين يتعرضون له فيصبحون:

  • أقل نشاطاً أو نجاحاً.
  • أقل ثقة في عملهم.
  • خائفين أو قلقين أو مكتئبين.
  • راغبين في الابتعاد عن العمل.
  • غير قادرين على الوثوق في صاحب العمل أو الأشخاص الذين يعملون معهم.
  • أكثر عرضة للشعور بعلامات التوتر الجسدية مثل الصداع وآلام الظهر ومشكلات النوم.

اقرأ أيضاً: برامج المقالب: اتهامات بالتنمر ووصم بالمرض النفسي

7 أنواع من الأشخاص الذين يكونون أكثر عرضة للتنمر

تشير المؤلفة والخبيرة في في مكافحة التنمر، شيري غوردون (Sherri Gordon) في مقالها إلى أن هناك أنواعاً من الشخصيات التي غالباً ما تكون هدفاً للمتنمرين، وهي:

1. الناجحون

قد يتعرض الأطفال الناجحون للتخويف والتنمر لحصولهم على الكثير من الاهتمام الإيجابي من أقرانهم ومن البالغين؛ يمكن أن يكون هذا النجاح في المجال الأكاديمي أو الرياضي أو الأنشطة الطلابية، إلخ.

يستهدف المتنمرون هؤلاء الطلاب إما لأنهم يشعرون بأنهم أقل شأناً منهم أو لقلقهم من أن قدرات هؤلاء الطلاب قد طغت على قدراتهم الشخصية.

2. الأذكياء والمبدعون

في المدرسة، يستطيع هؤلاء الطلاب التعلم بسرعة كبيرة وينتقلون عبر المشاريع والواجبات بشكل أسرع من الطلاب الآخرين، ويمكن أن يستهدفهم المتنمرون لشعورهم بالغيرة من اهتمام الآخرين بهم وتميزهم.

3. سريعو التأثر

يكون الأطفال الانطوائيون والقلقون والذين يفتقرون إلى احترام الذات ويلجؤون لإرضاء الآخرين أكثر عرضة للتنمر من الأطفال المنفتحين والحازمين؛ حيث يكون من السهل التلاعب بهم.

كذلك، قد يكون الأطفال الذين يعانون من الاكتئاب أو التوتر أكثر عرضة للتنمر؛ حيث يرغب المتنمرون في الشعور بالقوة على حساب هؤلاء الأضعف منهم.

4. المنعزلون

يميل العديد من ضحايا التنمر إلى امتلاك أصدقاء أقل من الأطفال الذين لا يتعرضون للتنمر؛ حيث قد يتم رفضهم من قبل أقرانهم، واستبعادهم من المناسبات الاجتماعية، فيقضون أغلب الأوقات بمفردهم. يكون هؤلاء الأطفال أكثر عرضة للاستهداف من قبل المتنمرين لأنه لا داعي للقلق بشأن قدوم شخص ما لمساعدة الضحية.

5. المحبوبون

يستهدف المتنمرون أحياناً الأطفال المشهورين أو المحبوبين بسبب التهديد الذي يشكلونه عليهم، فيلجؤون لتسلق السلم الاجتماعي على أكتافهم. لذلك قد ينشرون الشائعات عنهم، أو يقومون بالتنمر عبر الإنترنت في محاولة لتدمير شعبيتهم وتشويه سمعتهم.

6. ذوو المظهر الجسدي المميز

يمكن لأي نوع من الخصائص الجسدية المختلفة أن يجذب انتباه المتنمرين، فقد تكون الضحية قصيرة أو طويلة أو نحيفة أو بدينة، وقد ترتدي نظارات أو يكون لديها حب شباب أو أنف كبير أو آذان بارزة.

7. المرضى وذوو الهمم

غالباً يستهدف المتنمرون الأطفال المصابين بأمراض أو اضطرابات نفسية أو إعاقات ذهنية؛ مثل اضطراب طيف التوحد (ASD) أو اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) أو عسر القراءة (Dyslexia) وغيرها من الحالات.

كيف يمكننا مكافحة التنمر؟

يمكن أن يكون التعرض للتنمر أمراً مؤذياً للغاية على صعيد الصحة النفسية، لذلك من الضروري التعامل مع هذا الأمر وعدم السكوت عنه أو عن آثاره.

إذا كان طفلك متنمراً، فتجب معالجة المشكلة وجهاً لوجه وتوفير مزيد من الإشراف ووضع حدود واضحة وتنفيذ العقاب في حال الإخلال بالقواعد. لا يجب أن يكون ذلك في سياق الثواب والعقاب فقط؛ بل يجب التحدث إلى ابنك المراهق عن التنمر ومناقشة التأثير الذي يمكن أن يُحدثه في الأطفال الآخرين بالإضافة إلى العواقب القانونية والاجتماعية والتعليمية المحتمَلة بحسب المعالجة النفسية ورئيسة تحرير موقع فيري ويل مايند (Verywell Mind)، إيمي مورين (Amy Morin).

قد تحتاج اللجوء إلى اختصاصي في الصحة النفسية إذا استمر طفلك في هذا السلوك السيئ؛ حيث يمكن للاختصاصي استبعاد مشكلة أساسية تتعلق بالصحة العقلية يعاني منها الطفل، ويمكنه تعليم ابنك المراهق المهارات الاجتماعية التي يحتاجها لتلبية احتياجاته دون إيذاء الأطفال الآخرين.

كذلك، فمن المهم في السياق الأكاديمي تأكدُ المعلمين وأولياء الأمور من أن الأطفال المعرضين للتنمر لديهم مجموعة دعم لمساعدتهم على مواجهة التنمر.

اقرأ ايضاً: كيف يمكن خلق بيئة مدرسة آمنة وخالية من العنف؟

وفي السياق العملي، تؤدي المعاناة من التنمر في صمت وعدم طلب المساعدة إلى آثار سلبية جمة في الأفراد والمنظمات، بينما يساعد الحفاظ على سلامة الأفراد النفسية في مكان العمل على زيادة الإنتاجية وفقاً للجنة الصحة العقلية الكندية؛ حيث يرى أرباب العمل الذين يستثمرون في أماكن عمل آمنة نفسياً الفوائد ليس فقط في الإنتاجية ولكن أيضاً في تعيين الموظفين والاحتفاظ بهم، وتقليل الصراع في مكان العمل، بالإضافة إلى انخفاض تكاليف التغيب عن العمل.

وأخيراً، ولمعالجة المشكلة بشكل فعال؛ يحتاج الأمر إلى قيادة قوية وداعمة توجه جهودها لمكافحة جميع أنواع سلوكيات التنمر، العلنية منها والسرية.

المحتوى محمي