استغل وحدتك بطريقة صحيحة

"أريد أن أبقى وحيداً" "أشعر بوحدة". شتّان ما بين هذين المصطلحين؛ فبينما يشير الأول إلى رغبة في البقاء وحيداً لبعض الوقت من دون إشارة لمشاعر سلبية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

“أريد أن أبقى وحيداً”، “أشعر بالوحدة”. شتّان ما بين هذين المصطلحين، فبينما يشير الأول إلى رغبة في البقاء وحيداً لبعض الوقت من دون إشارة لمشاعر سلبية؛ بل وربما يحمل عدداً من الفوائد النفسية، يَدلّ الآخر على شعور غير محمود، وحالة نفسية سيئة تنطوي على الشعور بالعجز، وفقدان التوازن.

في حين أن الوحدة تُعتبر حالةً من الضيق أو الانزعاج التي تنتج عندما يدرك المرء الفجوة بين رغبته في التواصل الاجتماعي وتجاربه الفعلية. قد تكون العزلة وسيلةً مهمةً للنمو النفسي، فتلك الرغبة في أن نبقى وحدنا لفترة هي شيء لا يتعارض مع حاجتنا الفطرية للتواصل؛ بل أمر ضروري من حين لآخر كي نجني ثمار العزلة التي قد نغفلها.

اقرأ أيضا: كيف نجد السعادة في حياتنا؟

العزلة ملجأً

كثيراً ما تكون العزلة ملجأً في أوقات شعور الفرد بالضغوط – سواء في الحياة الشخصية أو العملية، وكذلك في الأوقات التي يرغب فيها في اتخاذ قرار مهم ويحتاج لتفكير عميق بعيداً عن وسائل التشتيت الكثيرة التي يزخر بها وقتنا الحالي.

فبينما تشير دراسة اختبرت ارتباط الشعور بالوحدة مع اتخاذ القرارات، على مجموعة من كبار السن، إلى أن الشعور بالوحدة يؤثر سلباً على اتخاذ القرارات المالية، تشير دراسة أخرى هدفت لتحديد آثار العُزلة على المراهقين، إلى أنها قد تكون وسيلةً للنمو والتطور الشخصي، وكذلك قبول الذات.

أوضحت الدراسة الخاصة بالمراهقين أن هؤلاء الذين اختاروا قضاء الوقت بمفردهم، قد استطاعوا تحديد ما هو الأفضل بالنسبة لهم، وفي تلك الحالة؛ لا تُعتبر العزلة دليل خطر يشير للاكتئاب. كذلك ميّزت الدراسة فوائد العزلة عما قد ينتج عن الوحدة من آثار سلبية؛ كارتفاع معدلات التوتر والقلق.

يشير الباحثون إلى أن العامل الرئيسي في هذا الأمر هو الاختيار؛ عندما تُفرض العزلة -سواء كانت عقاباً أو وسيلةً لتقليل القلق الاجتماعي- يمكن أن تكون مشكلةً، بينما تساهم العزلة المختارة في النمو الشخصي وقبول الذات.

أوضحت مارغريتا أزميتيا؛ أستاذة علم النفس في جامعة كاليفورنيا بسانتا كروز والمؤلفة المشاركة للورقة البحثية، أنه في بعض الأحيان تكون العزلة جيدةً، كما أن تعلّم أن تكون وحيداً من الناحية التنموية هو مهارة، ويمكن أن ينطوي على آثار نفسية إيجابية.  

كذلك أضافت أن معظم الدراسات السابقة قد خلطت بين العزلة والوحدة أو الخجل، موضحةً: “هناك وصمة عار للأطفال الذين يقضون وقتهم بمفردهم، فهم يُعتبرون مفتقرين إلى المهارات الاجتماعية، أو يوصفون بأنهم “منعزلون”… من المفيد أن تعرف متى تحتاج إلى أن تكون بمفردك، ومتى تريد أن تكون مع الآخرين”.

تشير النتائج أيضاً إلى أن أولئك الذين يسعون إلى العزلة لأنهم يشعرون بالرفض، هم أكثر عرضةً لخطر القلق الاجتماعي والوحدة والاكتئاب، ويميلون إلى مستويات أقل من الاستقلالية والعلاقات الإيجابية مع الآخرين.

في المقابل، فالذين يبحثون عن العزلة لأسباب إيجابية؛ مثل التأمل الذاتي أو الرغبة في السلام والهدوء، لا يواجهون أياً من هذه المخاطر. كذلك تخدم العزلة نفس الوظائف الإيجابية في الانطوائيين والأشخاص الاجتماعيين – يحتاج الانطوائيون فقط المزيد منها.

اقرأ أيضا: تمارين الاسترخاء المناسبة للتوتر.

كيف أتعلم من العزلة؟

على الرغم من أن الوحدة المُفرطة تؤثر بشكل سلبي على الصحة الجسدية والعقلية، فإن هناك فوائدَ لقضاء بعض الوقت بمفردك، طالما أنك توازنه من خلال الحفاظ على روابط اجتماعية قوية وداعمة. من خلال العزلة تستطيع أن:

  • تجعل من اهتماماتك أولويةً

تمنحك العزلة الوقت للتركيز على اهتماماتك. أن تبقى وحدك لبعض الوقت هو جزء مهم من تطوير الذات، ويتيح لك التعرف على نفسك. عندما تكون مُحاطاً بالآخرين، قد تضع أفكارك واهتماماتك جانباً من أجل إرضاء رغباتهم واحتياجاتهم.

لذلك؛ يمنحك قضاء الوقت بمفردك فرصةً لاتخاذ خيارات إبداعية، وتركيز انتباهك على اهتماماتك، دون القلق بشأن ما يفكر فيه الآخرون.

  • تعيد تشكيل علاقاتك

على الرغم من أن وجود صداقات يُعتبر نظام دعم اجتماعي قوياً، وأمراً مهماً لصحتك العقلية وجودة حياتك؛ إلا أن أخذ قسط من الراحة والبقاء منفرداً من حين لآخر قد يساعدك على تقدير هذه الروابط.

وجدت إحدى الدراسات المنشورة في المجلة البريطانية لعلم النفس، أن الأشخاص الأكثر ذكاءً يصبحون أقل رضاً كلما زاد الوقت الذي يقضونه في التواصل مع الأصدقاء.

لذلك؛ قد تكون الوحدة دافعاً ايجابياً في إعادة تشكيل علاقاتك، ومن ثم تحسينها، فعندما يأخذ كل فرد الوقت الكافي للاعتناء بنفسه، غالباً ما تصبح العلاقات أقوى.

هل نحتاج العزلة لاتخاذ القرارات؟

القرارات التي نتخذها تحدد واقعنا، وتؤثر بشكل مباشر على كيفية قضاء وقتنا، والأشياء التي ندعها تداخل مع حياتنا، والأخرى التي نتجاهلها، فاتخاذ القرارات هو جزء لا يتجزأ من واقعنا اليومي، وهو أمر يؤثر على سلامتنا وعلاقاتنا وعملنا، ومدى كفاءتنا في مختلف جوانب حياتنا.

تشير إحدى الأبحاث إلى أننا نتخذ ما يقرب من 35,000 قرار يومياً، تختلف أهميتهم من عالٍ إلى منخفض؛ وبالتالي يتحدد الوقت المُستغرَق لاتخاذهم، بالإضافة لكيفية اتخاذهم.

لكن على الرغم من أننا نرغب في اتخاذ القرار الأفضل لنا دائماً؛ نتخذ جميعاً بعض القرارات السيئة كل يوم، بسبب عدد من العوامل التي قد تضر بصنع القرار الجيد، وتتمثل تلك العوامل في:

  • الإجهاد الناتج عن اتخاذ الكثير من القرارات، وذلك لأن لكل منا طاقةً ذهنيةً محدودةً، تتضاءل باتخاذ العديد من القرارات وأداء المهام العقلية عند ممارستها مراراً وتكراراً. 
  • التشتت المستمر بسبب تدفق المعلومات والاتصالات في عالم اليوم بشكل غير مسبوق. 
  • تعدد المهام، فمن الصعب إيجاد عمل لا يتطلب أداء عدد من المهام في نفس الوقت. يُظهر البحث بوضوح أن الأداء؛ بما في ذلك فعالية اتخاذ القرار، يقل بنسبة تصل إلى 40% عندما نركز على مهمتين تتطلبان تركيزاً شديداً في نفس الوقت.
  • المشاعر؛ والتي تلعب دوراً ذو مغزىً في حياتنا -سواء كانت إيجابيةً أو سلبيةً- لكنها أيضاً يمكن أن تعيق قدرتنا على اتخاذ قرارات جيدة.
  • عدم القدرة على تحليل المعلومات لكثرتها، وكلما زادت المعلومات التي يتعين علينا أخذها في الاعتبار، كلما استغرقنا وقتاً أطول في اتخاذ القرار.

لذلك؛ تكون العزلة أمراً ضرورياً لاتخاذ القرارات المصيرية، والتعامل القسري مع حفنة المُشتتات التي يحفل بها عالمنا.

نحن من نخلق الشعور بالوحدة

إن الإيمان بالأشياء يجعلها تتحقق؛ ذلك ما ينبثق منه كون العزلة ذات آثار إيجابية أو سلبية. ببساطة؛ نحن نخلق الشعور بالوحدة من خلال تفكيرنا، والتفكير السلبي يديم ذلك الشعور؛ والذي يمكن أن يُمحى بالوعي الذاتي، وإدراك ما تريده نفسك حقاً.

فكل منا يحتاج للعزلة من وقت لآخر لتجديد نشاطه، واتخاذ القرارات المصيرية، وتخصيص الوقت لذلك هو أمر مهم؛ لكن يجب تحديد وقت تلك العزلة في أوقات الشعور بالقوة وليس الضعف، ليصبح ذلك مثمراً؛ حيث تكون رؤيتك للأشياء أثناء تلك الأوقات أكثر وضوحاً، ويكون ذلك استغلالاً بنّاءً للوحدة.

 

المحتوى محمي !!