كيف يدفعنا الخوف من انتقاد الآخرين لاختيار الطعام الصحي؟

4 دقائق
اختيار الطعام الصحي

يختلف انتقاؤنا للكلمات في المحادثات وطريقة تعبيرنا عنها وكذلك اختيارات ملابسنا باختلاف المحيط الذي نتواجد فيه. ففي حين نتعامل بشكل أكثر حرية وانفتاحاً ونستطيع أن نعبِّر عما بداخلنا بطلاقة في محيط أسرتنا وأصدقائنا المقربين، يختلف الأمر عند التواجد في محيط جديد أو مقابلة أشخاص جدد.
قد يحدث ذلك نتيجة بعض التشكيك في كيفية تقييم الآخرين لنا عند استخدام بعض الكلمات أو الانفعالات أو ارتداء زي معين، أو لأننا لا نريد الدخول في جدال ما قد تسببه هذه العبارات والآراء؛ ما يدفعنا بعيداً بعض الشيء عن اختياراتنا المفضّلة. يمتد ذلك ليشمل اختياراتنا في الطعام حتى، كما أشارت دراسة حديثة من جامعة سيتي بلندن؛ والتي أوضحت ميل البعض لـ "اختيار الطعام الصحي" بدلاً عن غير الصحي خلال التواجد وسط مجموعة فيها أفراد جدد.

الخوف من حكم الآخرين

يختلف الخوف من أحكام الآخرين من شخص لآخر؛ في حين قد لا يكترث البعض كثيراً لما قد يظنّه الطرف الآخر، يكون الأمر أكثر حدة لدى البعض الآخر، خاصةً أولئك الذين يعانون من اضطراب القلق الاجتماعي.

وفقاً للمعهد الأميركي الوطني للصحة النفسية؛ تظهر أعراض ذلك الاضطراب في الخوف الشديد من أحكام الآخرين، والخجل في المواقف الاجتماعية اليومية؛ ما قد يدفع الفرد لتجنُّب مقابلة أشخاص جدد. يمكن أن يؤثر ذلك سلباً في العمل والمدرسة والأنشطة اليومية الأخرى، ويجعل من الصعب تكوين صداقات والاحتفاظ بها.

اقرأ أيضا:

التخفيف من حدة أحكام الآخرين باختيار الطعام الصحي

تشير الدراسة الحديثة من جامعة سيتي بلندن (City, University of London) والمنشورة بدورية "علم النفس والتسويق" (Psychology & Marketing)، إلى أنه من المرجح أن يختار الناس خياراً غذائياً صحياً أكثر من خيار الطعام غير الصحي حال تواجدهم بين أشخاص من مجموعات اجتماعية مختلفة، خوفاً من أن يتم الحكم عليهم بشكل سلبي نتيجة اختياراتهم.

استكشَف البحث الحديث؛ والذي شارك في تأليفه باحثون من "كلية بايز للأعمال" (Bayes Business School)، خيارات الطعام لنحو 1000 فرد تختلف انتماءاتهم العرقية وجامعاتهم. وجدت التجارب أن المشاركين كانوا أكثر ميلاً لاختيار وجبة خفيفة صحية بوجود مراقب من جنس مختلف أو شخص ينتمي إلى جامعة مختلفة. وكان ذلك مدفوعاً بتوقعاتهم لتلقّي المزيد من الأحكام السلبية من مجموعة خارجية؛ وبالتالي حاولوا التخفيف من هذه الأحكام باتخاذ خيارات غذائية صحية.

وتدعم هذه النتائج فرضية الباحثين بأن وجود شخص غريب من مجموعة اجتماعية مختلفة يؤثر في اختيار الأفراد للطعام.

كيف تلعب خيارات الطعام دوراً مهماً في الحياة الاجتماعية؟

في إحدى تجارب هذه الدراسة، عُرض على 180 طالباً الاختيار بين وجبة خفيفة صحية وأخرى غير صحية، بوجود زميل من خارج مجموعة الأصدقاء لكنه من نفس الجامعة. اختار 12% من الطلاب الوجبة الصحية، ومع ذلك فقد تضاعف هذا الرقم ليصل إلى 31% عند وجود طالب غريب من جامعة أخرى.

وأظهرت التجارب الأخرى أن سبب هذا النمط هو أن الناس يشعرون بأن الأعضاء من خارج مجموعاتهم قد ينتقدونهم إلى حد كبير. لذلك، فهم يستخدمون بشكل استراتيجي خيارات الطعام الصحي لإحداث انطباع إيجابي بغية مواجهة هذا الحكم السلبي.

على سبيل المثال؛ تم إخبار 200 من المشاركين أن الآخرين من حولهم إما يُصدرون أحكاماً عليهم أو أنهم متسامحون. في البيئة التي يُصدر فيها الأفراد أحكاماً ويمكن أن ينتقدوا الآخرين، كان من المرجَّح أن يختار المشاركون الطعام الصحي بنسبة أكبر مما لو كانوا وسط أفراد متسامحين؛ ما يشير إلى أن الحكم المتوقع من الآخرين يؤدي دوراً كبيراً في اختياراتهم.

تقول الدكتورة "جانينا شتاينميتز" (Janina Steinmetz)؛ الأستاذة المساعدة للتسويق في مدرسة بايز للأعمال، إن النتائج لها آثار عملية في مسوقي الأطعمة الصحية وصانعي السياسات الذين يأملون في تعزيز الأكل الصحي: "نحن نعلم أن الطعام يؤدي دوراً مهماً في الحياة الاجتماعية، وغالباً ما يستنتج المستهلكون سمات وخصائص الآخرين بناءً على اختياراتهم الغذائية. يُظهر بحثنا أنه يمكننا استخدام هذا الدور المهم للغذاء من أجل رفاهية المستهلك إذا سلطنا الضوء على أن الطعام الصحي ليس مفيداً للمستهلكين فحسب؛ بل يساعدهم أيضاً في إقناع الآخرين".

5 نصائح للتغلب على الخوف الشديد من انتقاد الآخرين

في مقالها حول الخوف من التقييم السلبي من الآخرين، تقول الطبيبة "هانا إنغلاند" (Hannah England) إن ذلك الخوف من الأحكام والانتقاد -من الناحية التطورية- أمر منطقي فيما يتعلق بالحاجة إلى البقاء في المجتمع، فتقييمنا بشكل إيجابي بدلاً عن الحكم علينا بالقصور، يعني فرصة أكبر للبقاء.

كما تقدِّم عدة نصائح للتغلب على الخوف الشديد من انتقاد الآخرين كما يلي:

1. اكتشف نفسك

الخطوة الأولى للتغلب على الخوف من حكم الآخرين هي معرفة المزيد عن النفس. الخوف هو عاطفة إنسانية مصمَّمَة لحمايتنا من الأذى؛ ولكن بمجرد أن يبدأ في إحداث تأثير ضار في أدائنا نكون بحاجة إلى السيطرة عليه لكي لا يعيقنا.

2. كتابة المذكرات

تساعد كتابة اليوميات في التنمية الإيجابية للذات؛ حيث يمكن أن تساعد في استعادة الثقة بالنفس والشعور بتقدير الذات. فمن خلال التعرف إلى إمكانياتنا الخاصة؛ قد نكون في وضع أفضل لتخفيف القلق بشأن الأشياء الأخرى. وإذا كنا واثقين من أنفسنا وقدراتنا، فإن ما يعتقده الآخرون من غير المرجح أن يكون مهماً لدرجة كبير بالنسبة لنا.

3. مقاومة الخوف

بمجرد أن ندعم ثقتنا بأنفسنا، يجب التخلي عن ذكريات الحكم الاجتماعي السابق التي قد تزعزعها، ومحاولة البدء من جديد حتى لا يؤثر الماضي في مستقبلك.

4. خوض تجارب جديدة

إذا كان القلق عائقاً، فلن يتحسن الأمر بمواصلة تجنُّب المواقف المثيرة للقلق. لذلك، فمن الأفضل خوض تجارب جديدة، ومع نمو هذه التجارب ستزداد ثقتنا بأنفسنا.

5. الاستثمار الشخصي

الاستثمار في النفس هو المفتاح لتقليل الخوف من أحكام الآخرين. لذلك يجب التفكير فيما يمكّننا من الشعور بتحسن تجاه أنفسنا لغرس الثقة في مواهبنا والإيمان بها.

وأخيراً، فالخوف من حكم وانتقاد الآخرين هو أمر شائع؛ لكن لا يجب أن نتركه يلتهم حياتنا. فبناء الثقة بالنفس والعمل على تعزيزها هو أمر ضروري، فالشعور بشيء من القلق حينها سيكون أمراً عابراً، لا مدمِّراً.