هل إخفاء الأسرار يؤذي صحتك النفسية والجسدية؟

3 دقائق
الأسرار
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: ثقل كتمان السر لا يكمن في إخفائه، بل في عزلة كتمانه بمفردك. تعرّف إلى النتائج المترتبة على كتم الأسرار وكيف يمكن لتخفيف العبء النفسي والعاطفي الناتج عنها.

يوضّح الأستاذ الجامعي والباحث السعودي، عبدالله الوهيبي، إن السبب الذي يجعل الإنسان يشارك أسراره مع الغرباء هو دافع الأمان الاجتماعي والحماية الذي يوفرّه ذلك له.

تؤكّد نظرية "الغرباء في الحافلة" التي أشار لها الوهيبي إلى ما نميل للقيام به بهدف تخفيف العبء الذي يثقل كاهلنا بسبب الأسرار التي نخفيها، وإن تطلّب ذلك إفشاء أسرارنا لغرباء في الأماكن العامة.

يمكن أن ترهقنا الأسرار بالفعل إلى درجة تسبب لنا الأمراض الجسدية نتيجة العزلة والقلق الذي يصاحب كتماننا لها. إليك ما الذي اكتشفه عالم نفس أميركي بعد أكثر من 10 سنوات من الأبحاث المعمقة في سيكولوجية الأسرار وتأثيراتها في حياتنا.

كيف تؤثّر عدم مشاركة الأسرار في حياة الأشخاص؟

درس عالم النفس الاجتماعي الأميركي مايكل سليبيان (Michael Slepian) تأثير الأسرار في الصحة والرفاهية والأداء الاجتماعي للأفراد، وكيف يمكن أن يؤدّي إخفاء الأسرار إلى زيادة التوتّر والقلق وتدهور الصحة البدنية.

ووفقاً لأبحاث سليبيان التي شملت 50 ألف مشارك من جميع أنحاء العالم، يمكن للأسرار أن تؤثر في الإنسان بسبب الجهد الذهني الذي يتطلّبه التفكير فيها باستمرار، إذ يمثّل هذا العبء المعرفي أو الانشغال بالسر مصدراً رئيسياً للتوتّر والقلق. وليس هذا فقط، بل تلك العزلة والوحدة التي يفرضها كتمان الأسرار، حيث يتجنّب الناس التفاعل الاجتماعي خوفاً من أن يُكشف سرّهم.

اقرأ أيضاً: لم يعجز بعض الأشخاص عن كتمان الأسرار؟

الآثار الجسدية والنفسية التي تترتّب على كتمان الأسرار

كتب سليبيان في إحدى مقالاته: "المشكلة الحقيقية حين تكون لدينا أسرار ليست ضرورة أن نخفيها، بل ضرورة أن نتعايش معها". فالآثار النفسية المترتّبة على كتمان الأسرار يمكن أن تؤدّي بدورها إلى مشاكل صحية بدنية. حيث يسبّب التوتّر والقلق المزمنان مجموعة واسعة من مشاكل الصحة البدنية، بما فيها أمراض القلب والأوعية الدموية، ومشاكل الجهاز الهضمي، وضعف جهاز المناعة، بالإضافة إلى تأثير العزلة الاجتماعية الذي يشمل الاكتئاب والتدهور المعرفي وحتى زيادة معدّل الوفيات.

يمكن أن تتفاقم هذه الآثار إذا تعلق السر بوصمة عار أو أمرٍ مخز؛ فكلما اعتقد الشخص أن السرّ سيقيّم سلباً، زادت هذه الآثار سوءاً. لذلك، يمكن أن يختلف التأثير بدرجة كبيرة اعتماداً على طبيعة السرّ وظروف الإنسان وكيفية تعامله مع الموقف.

ما الفرق بين السرّ والخصوصية؟ ومتى يكون السرّ مفيداً؟

ويشير سليبيان إلى أن الجزء الأكبر من ألم التفكير في سرّ يأتي من التركيز على الماضي الذي لا يمكن تغييره. لكن عندما لا يركّز الناس على الماضي، يقل ضرّر التفكير في السر، بل ويصبح مفيداً ومعزّزاً لرفاهية الفرد.

أما بخصوص الحفاظ على السرّ وعلى الخصوصية؛ فالفرق يمكن أن يكون غير واضح تماماً، ولكن ثمّة طريقة لوضع حدّ بين الاثنين؛ وهي معرفة أنه حين نحافظ على الخصوصية نميل إلى التركيز على عدم بث المعلومات الشخصية على نطاق واسع جدّاً، وإذا كانت هناك أمور لا يعرفها الناس عنّا فلأنها من أنواع الخصوصيات التي لا نميل إلى الحديث عنها ومشاركتها، فكثير من الناس لا يتحدثون عن موضوعات المال أو علاقاتهم الحميمية على سبيل المثال. ولكن عندما يصبح الأمر سراً، فالأمر لا يقتصر على أن شخصاً ما لا يعرف معلومة معينة عنا، بل يتعلق بعدم نيتنا أن نشاركها معه.

كيف يمكن أن نخفّف العبء النفسي للأسرار؟

بغض النظر عما إذا كنا نحافظ على سمعتنا أو علاقتنا، أو نحمي مشاعر شخص ما أو طموحاً شخصياً أو مهنياً، فمن الواضح أن إخفاء جزء من واقعنا الداخلي يمكن أن يؤدّي إلى الشعور بالوحدة والعزلة ويرهقنا نفسياً وجسدياً. لذلك؛ يخبر مايكل سلبيان الأشخاص الذين يعيشون مع أسرار تثقل كاهلهم أنهم ليسوا بحاجة إلى تحمّل ثقل السر بمفردهم؛ على الرغم من ضرورة إخفاء السر عن الشخص المعني مباشرة، فبالإمكان مشاركته مع طرف ثالث جدير بالثقة، وحتى استشارته بخصوص ذلك الموقف.

استشارة شخص آخر مفيدة للغاية لأنه سيقدم وجهة نظر من زاوية مختلفة. فعندما نواجه قرارات أو معضلات صعبة، يصبح الخروج من منظورنا ورؤية الموقف بموضوعية صعباً.

يمكن أن يكون هذا الشخص صديقاً مقرباً أو فرداً من العائلة أو حتى متخصصاً، مثل المعالج أو المستشار النفسي، ويمكن لوجهة نظره الموضوعية أن تساعدك على رؤية موقفك من زوايا ربما لم تفكر فيها من قبل، وبالتالي توجيهك نحو حلّ أمثل أقل إرهاقاً.

ومن المهم تذكر أن الهدف هنا ليس بالضرورة الكشف عن السر، بل البحث عن النصيحة وتخفيف العبء العاطفي والنفسي الذي يصاحب كتمان سرّ ما.

اقرأ أيضاً: ما الذي يمكنك تعلمه من 23,000 قصة ندم من حول العالم؟

في الختام، تحمل الأسرار، وهي جزء متأصل في الطبيعة البشرية، طبيعة مزدوجة؛ إذ يمكنها حمايتنا، ولكن يمكن أيضاً أن تؤذينا بطرقٍ غير متوقّعة. فالعبء النفسي لكتمان الأسرار يحاصرنا في فقاعة من العزلة والوحدة، ما يسهم في زيادة توتّرنا وقلقنا، فيؤثّر ذلك في صحتنا الجسدية. وضّح هذا المقال ضرورة مشاركة أسرارنا مع الأشخاص الجديرين بالثقة لتخفيف تأثيرها السلبي في حياتنا.