هل شاهدت يوماً مقطع فيديو أو منشوراً أزعجك كثيراً، لدرجة أنك تساءلت؛ كيف يمكن لأي شخص أن يقول شيئاً كهذا أو يمكن لأحد الأفراد أن يتبنى مثل هذا الرأي؟! وانتهى بك الأمر بالتعليق غاضباً على الرغم من أنك نادراً ما تترك تعليقات؟ في الحقيقة، هذا يعني أنك تعرضت لما يُسمى اصطياد الغضب (Rage Baiting). فما هي قصة هذا المفهوم الذي يرتبط باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي؟ وكيف ينجح المؤثرون في استفزازك؟ الإجابة عبر هذا المقال.
محتويات المقال
ما الذي يعنيه مفهوم اصطياد الغضب؟
برز مصطلح اصطياد الغضب وانتشر بشدة في عالم الوسائط الرقمية، وهو يشير إلى نوع من محتوى وسائل التواصل الاجتماعي الذي يُصنع عمداً من أجل إثارة ردود فعل عاطفية قوية، وخاصة المشاعر السلبية مثل الغضب، والهدف من هذا المحتوى ليس التعبير عن فكرة معينة أو إبداء الآراء، بل إثارة مشاعر مكثفة تؤدي إلى صراعات في الفضاء الإلكتروني من أجل دفعك إلى التعليق والمشاركة.
إليك كيف يحدث الأمر: ينشر أحد المؤثرين محتوى استفزازياً، ربما يكون منشوراً أو مقطع فيديو، يراه الناس ويشعرون بالغضب ويعلّقون على المحتوى بغضب، ومن ثم يراه آخرون ويشاركونه ويعلّقون وهكذا، وفي نهاية الأمر يخلق المحتوى المزيد من الاهتمام ويحقق المال لذلك المؤثر أو ربما يزيد عدد متابعيه على منصات التواصل الاجتماعي.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: ثورات الغضب القصيرة تؤذي قلبك، فكيف تتقيها؟
تعرف إلى أهم الأساليب الشائعة التي تستخدم من أجل اصطياد الغضب
يمكن القول إن المحتوى المثير للغضب يمتد من وصفات الطعام وصولاً إلى القضايا السياسية، حيث أكد تحقيق صحفي نشرته هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) أن بعض مستخدمي منصة التواصل الاجتماعي إكس تقاضوا آلاف الدولارات من أجل مشاركة محتوى يرتكز على المعلومات المضللة والصور التي يولّدها الذكاء الاصطناعي ويرسخ لنظريات المؤامرة التي لا أساس لها من الصحة، وكان الهدف من ذلك المحتوى هو اصطياد الغضب في أثناء الانتخابات الأميركية الأخيرة، ومن أهم الأساليب الشائعة الأخرى التي تستخدم من أجل اصطياد الغضب:
- العناوين المثيرة: وذلك مثل صياغة عناوين مبالغ فيها أو مشوهة للمحتوى لإثارة الفضول والغضب.
- التقارير الانتقائية: تسليط الضوء على أجزاء محددة فقط من حدث أو بيان لإنشاء سرد منحرف.
- اللغة المبالغ فيها: استخدام لغة متطرفة ومثيرة لتضخيم الأهمية أو التهديد المتصور لقضية ما.
- غرفة الصدى: ويقصد بها الوجود في بيئة حيث يتم تضخيم الأفكار والمعتقدات وتعزيزها، ويتجسد اصطياد الغضب بهذه الحالة في استهداف مجموعات محددة معروفة بآرائها القوية حول مواضيع معينة لضمان استجابة سريعة وعاطفية.
- اقتباسات خارج السياق: تقديم اقتباسات من دون سياقها الكامل للتضليل وإثارة الغضب.
ما هي أهم الأسباب التي تؤدي إلى انتشار محتوى اصطياد الغضب عبر الإنترنت؟
أحد أهم التحديات التي تواجه تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي وخدماتها هو معرفة كيفية إبقائك على التطبيق أطول فترة ممكنة. على سبيل المثال، الإشعارات والتنبيهات جميعها هي جزء صغير من الجهد الذي تبذله حتى تبقى منخرطاً بالداخل، ولهذا فإن ما تريده شركات وسائل التواصل الاجتماعي حقاً هو أن تفتح تطبيقها ثم تبقى هناك، وكلما زاد عدد التعليقات والمشاركة، وزاد عدد الإعلانات التي تشاهدها، زادت الأموال التي يربحها التطبيق، ومن أهم الطرائق التي يمكن أن تبقيك على وسائل التواصل الاجتماعي أطول فترة هو اصطياد الغضب.
وعلى الجانب الآخر، فإن الخوارزمية على منصات وسائل التواصل الاجتماعي تكافئ المحتوى الذي يحظى بمزيد من المشاركة، وعندما يغضب مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي، فسوف يتفاعلون مع المحتوى، وقد أدرك مؤثرو مواقع التواصل الاجتماعي هذا الأمر جيداً، لهذا فإنهم يستغلونه من خلال نشر محتوى مثير للجدل أو مثير للاستقطاب أو تحريضي يضمن وصول منشوراتهم إلى جمهور أكبر ومن ثم الحصول على الكثير من الأموال من عائدات الإعلانات وزيادة عدد المتابعين.
كيف يمكن أن يؤثر اصطياد الغضب في صحتك النفسية؟
يفيد اصطياد الغضب المؤثرين والقائمين على تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنه على الجانب الآخر يمكن أن يؤثر تأثيراً سلبياً في صحتك النفسية، ومن أهم تلك التأثيرات:
1. التأثير النفسي والعاطفي
إن التعرض المستمر للمحتوى المثير للغضب قد يزيد شعورك بالتوتر والقلق علاوة على الإحساس بالعجز، وقد تتفاقم تلك المشاعر إذا كنت تتعرض لهذا النوع من المحتوى بكثرة، ومع مرور الوقت، تؤثر هذه الحلقة المفرغة من القلق والتوتر والعجز في صحتك النفسية، ما يجعلك في النهاية منهكاً عاطفياً، وفي الكثير من الأوقات قد يخرج الشعور بالغضب من إطار الشاشة الصغيرة إلى الحياة الواقعية.
2. الاستقطاب وتفشي العداوة
حين يزدهر المحتوى المثير للغضب تنتشر العداوة، وغالباً ما يخلق هذا الأمر انقسامات مجتمعية، ومع مرور الوقت يقلل الحوار البناء ويغذي العداء بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.
3. إزالة الحساسية
قد يؤدي التعرض المتكرر للمحتوى الاستفزازي والمثير للغضب إلى إزالة حساسية الناس تجاه القضايا الاجتماعية الخطيرة. على سبيل المثال، بسبب المحتوى الانتقامي والتحريضي قد يقلل المستخدمون أهمية المناقشات الجادة مثل قضايا العنف ضد المرأة أو التعامل معها باعتبارها مجرد مسألة خلافية ونقاش عابر، وقد تحدث مشكلة كبرى حين تُغرق هذه القضية بالمحتوى التحريضي.
4. تآكل الثقة في المحتوى الجيد
على الرغم من فعالية اصطياد الغضب في دفع المشاركة فإن له عواقب بعيدة المدى وغالباً ما تكون ضارة، حيث يؤدي إلى تآكل الثقة، وذلك لأن التعرض المتكرر للمحتوى يسبب التشكك في صحة مصادر المعلومات الإعلامية الجيدة.
اقرأ أيضاً: خبيرة نفسية تؤكد: في عصر منصات التواصل الاجتماعي، جميعنا ضحايا للتلاعب
كيف تحمي نفسك من المنشورات التي تتعمد اصطياد الغضب؟
يمكن القول إن المنشورات التي تتعمد إثارة غضبك تتلاعب بعواطفك، وخاصة أن الغضب يعد أحد أقوى المشاعر الإنسانية. وفي هذا السياق، يشرح مختص العلوم السلوكية والاجتماعية، محمد الحاجي، أن المشاعر لو كانت درجات فإن الغضب سيكون الهاوية أو القاع، ولا سيما أنه قد يحولك إلى كائن بدائي وفظيع، وحتى تحمي نفسك من اصطياد الغضب حاول اتباع النصائح التالية:
1. لا تغذي المتصيدين
يرتكز محتوى اصطياد الغضب ومنشورات مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي على عدد المشاركات والتعليقات والتفاعلات، ولذلك فإن الخطوة الأولى من أجل حماية نفسك هي عدم تغذية المتصيدين أو المؤثرين وذلك من خلال عدم التفاعل مع المحتوى الذي ينشرونه، وفي حال كان المؤثر ينشر محتوى انتقامياً أو محرضاً على العنف فلا تنس الإبلاغ عنه.
2. نظّم المحتوى الخاص بك
استخدم الأدوات التي توفرها منصات الوسائط الاجتماعية لإخفاء المحتوى أو حظره وإلغاء متابعة الحسابات التي تنشر بانتظام مواد تحريضية أو ضارة، ومع مرور الوقت سوف تُدرب الخوارزمية على إعطاء الأولوية لمحتوى أكثر إيجابية في صفحتك الخاصة.
3. تفاعل مع المحتوى الجيد والبنّاء
اقضِ بعض الوقت في التفاعل مع المنشورات والصفحات التي تروج للمقالات العلمية أو المحتوى الإيجابي أو الرسائل الداعمة، وحين تتفاعل بكثرة مع المحتوى الجيد سوف يظهر لك المزيد من المحتوى الإيجابي، وإذا كنت من محبي الفنون أو الأدب حاول متابعة الصفحات التي تركز على هذا النوع من المحتوى.
اقرأ أيضاً: نصائح لتقليص الوقت الذي تقضيه في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي
4. استخدم غضبك على نحو إيجابي
إذا كنت غاضباً بشأن شيء رأيته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيمكنك التفكير في كيفية استخدام هذا الغضب على أرض الواقع. على سبيل المثال، تابعت خلال الأيام الماضية إحدى قضايا العنف ضد المرأة وكنت أحس بالغضب الشديد، وأفكر حالياً في التطوع من أجل المشاركة في حركة اجتماعية ناشطة أو مجموعة دعم تزيد الوعي بشأن قضايا المرأة.
5. فتش عن الحقائق
قبل أن تنجرف في موجة من الغضب وتشتبك في التعليقات مع الآخرين وتزيد حدة شعورك بالغضب، تأكد أولاً من المحتوى الذي تتفاعل معه، على سبيل المثال، إذا كان المحتوى عنواناً مثيراً من أحد المواقع الإخبارية اقرأ المقال كاملاً واعرف المعلومات بالتفصيل قبل أن تغضب.
6. قلّل الوقت الذي تمضيه في تصفح منصات التواصل الاجتماعي
ضع حدوداً للوقت الذي تقضيه في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، وحاول استخدام بعض التطبيقات التي تراقب وقت الشاشة، ومع مرور الأيام، سوف يؤدي تقليل التعرض لوسائل التواصل الاجتماعي نفسها إلى تقليل التعامل مع محتوى اصطياد الغضب.