هل يمكن لترتيبك بين أشقائك أن يؤثر في مسيرتك الحياتية؟

الأشقاء
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ما هو ترتيب ميلادك بين أشقائك؟ هل أنت الأول أم الثاني أم الأخير؟ على ما يبدو أن لهذا الأمر أهميةً لا يُستهان بها؛ إذ يمكن لترتيبنا بين أشقائنا أن يؤثر في قدرتنا على المضي قدماً في الحياة؛ لكن إلى أي درجة؟ هل إلى درجة التساؤل عن “من يحتل الترتيب الأفضل بين الأشقاء“؟ كانت الإجابة عن هذا السؤال تُعتبر بسيطة في أيام “حق البكورية” أو الامتيازات التي تُمنح إلى الابن البكر؛ والتي تتمثل في سيطرته على تركة العائلة. بينما كان يمكن لأشقائه الأصغر الاختيار بين الانتساب إلى الجيش أو الكنيسة أو استكشاف العالم الواسع. في أيامنا هذه لم يعد الحال كذلك؛ إذ يرى الوالدان في كل ولد من أولادهما كائناً استثنائياً لا يعوَّض وذلك بصرف النظر عن ترتيبه بين أشقائه.

إلى جانب ذلك توضح فرانسواز بيل عالمة النفس المتخصصة في الطفولة أنه مع اختفاء العائلات الكبيرة فقد أصبح ترتيب الأشقاء أقل أهميةً مقارنةً بالعلاقات الواعية واللاواعية التي تنشأ بين الآباء والأطفال. مَثّل الأشقاء الأكبر سناً في العائلات المكونة من 6 أولاد أو أكثر فيما سبق بديلاً حقيقياً للوالدين، في حين أن المنافسة هي عنوان العلاقة الأخوية اليوم في العائلات التي تضم 2 أو 3 من الإخوة والأخوات”.

غالباً ما يَعتبر الولد الأصغر شقيقه الأكبر محظوظاً بسبب الامتيازات التي يتمتع بها مثل الحق في الذهاب إلى الفراش في وقت متأخر والخروج من المنزل بمفرده. ومن ناحية أخرى يعاني الولد الأكبر من القيود التي ترتبط بترتيبه هذا بين أشقائه مثل واجبه في دعم أشقائه الأصغر سناً؛ هؤلاء (المتسللون) الذين قلبوا حياته رأساً على عقب. لذا تجدر الإشارة هنا إلى أن ترتيب الأشقاء لا يعطي أفضلية لأحد على حساب الآخر فيما يتعلق ببناء الذات فكل منهم يواجه صعوباتٍ محددة. تقول فرانسواز بيلي: “عندما يطرح أحد المشاركين في اجتماع عمل نفسه كمدير للنقاش فإنه غالباً يتصرف كما اعتاد أن يفعل في الطفولة بوصفه الشقيق الأكبر تجاه أشقائه الأصغر سناً”.

إذاً نتساءل هنا هل المكان الذي نحتله في الحياة كبالغين يتحدد وفق ترتيب ميلادنا بين أشقائنا؟ أي هل ينطبق ترتيب الأكبر والأوسط والأصغر على حياتنا ككل أيضاً؟

الولد الأكبر

يدافع عن هذه الفرضية فرانك سولوي؛ أستاذ تاريخ العلوم في قسم العلوم المعرفية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. ووفقاً لعالم البيولوجيا الاجتماعية الأميركي، وانطلاقاً من قناعته بأن جيناتنا تملي علينا سلوكنا، فإنه عند ولادة الابن الأصغر يحاول الابن الأكبر الحفاظ على مكانته وإنجازاته في العائلة وهو أمر يُمثل بالنسبة إليه الكفاح من أجل البقاء. لذلك فإن الشخص الذي كان ترتيبه الأكبر بين أشقائه سيصبح فيما بعد مدافعاً عن النظام القائم وعدواً لدوداً للتغيير. ومن ناحية أخرى فإن الأشقاء الأصغر الذين “ناضلوا” لاحتلال مكانهم في العائلة سيتسمون لاحقاً بصورة طبيعية بالانفتاح على الأفكار الجديدة والحماس لتبنيها خاصةً إذا كانت هذه الأفكار تعِد بالتغيير، فهم وُلدوا متمردين.

حتى يومنا هذا يأخذ الأشقاء الأكبر سناً دور البديل للوالدين، وتقودنا هذه الحقيقة إلى ضرورة فهم الصعوبات التي قد يعاني منها الشقيق الأكبر فيما يتعلق بهذا الدور.

يقول المعالج النفسي جيرار لوفان: “عندما يُسند للولد الأكبر دور الوصي على أشقائه الأصغر سناً فإن ذلك يؤدي إلى انفصاله عن مرحلة الطفولة قبل الأوان وتحمله للمسؤولية أكثر مما يجب، ومن ثم فإن ذلك سيمنعه من النضوج بوتيرته الخاصة وتحديد رغباته الشخصية. علاوةً على ذلك، فإنه في العائلة المكونة من ولدين –وهو المتوسط اليوم– نلاحظ أن المنافسة بينهما تكون شديدةً وبصورة خاصة إذا كانا من الجنس ذاته، ونادراً ما يخرج الشقيق الأكبر “سالماً” من هذه المنافسة.

يقول المعالج جيرار لوفان: “أنا أرفض التعميم لكنني ألاحظ أن الكثيرين ممن أقابلهم حالياً ويكون ترتيبهم الأكبر بين أشقائهم يواجهون صعوبةً في العثور على مكانهم في الحياة حالما يصبحون راشدين، فهم دائماً ما يتخيلون أن هنالك من يسعى لطردهم من العمل، أو يحاول أن يسرق منهم العلاقات التي أنشؤوها؛ إنها عقدة قابيل وخوفه من التراجع إلى المرتبة الثانية بينما يسعى إلى أن يكون الأول في كل النواحي، وتتمثل مشكلة الشقيق الأكبر بأنه ليس لديه شقيق أكبر منه يتخذه قدوةً له”.

الولد الأوسط

تقول فرانسواز بيل: “يعاني الطفل الأوسط من الضياع بين أشقائه الكبار والصغار ما يجعله يشتكي من صعوبة العثور على مكانه. ومع ذلك فإن هذا الوضع غير المريح بالنسبة إليه يهيئه في الحقيقة ليكون شخصاً منفتحاً على التسويات والمواقف التصالحية في سن الرشد”.

للوهلة الأولى لا يبدو الأخ الأوسط في مكان يُحسد عليه. تقول هلا ذات الـ 53 عاماً التي كانت الفتاة الوحيدة في أسرة مكونة من ثلاثة أطفال: “لم أكن أشعر أبداً بأنني أحتل مكاناً صحيحاً بين أشقائي. كانت والدتي تسند إليّ مهمات الكبار المتمثلة بترتيب الطاولة ومسح الأطباق بينما كان يُسمح لأخي الأصغر باللعب؛ ولكن عندما يحين وقت النوم كنت أُعامل فجأةً كفتاة صغيرة. غادرتُ المنزل في وقت مبكر من حياتي لأعيل نفسي، ومع ذلك وكما كان ترتيبي الثانية بين أشقائي، فإنه لم يكن بإمكاني تخيل نفسي “الأولى” مهنياً أو اجتماعياً. على سبيل المثال لم تكن لدي الجرأة الكافية لبدء عمل تجاري خاص بي لكنني في الوقت ذاته أشعر أنني بحالة جيدة جداً في المرتبة الثانية هذه”.

الولد الأصغر

قد يكون الولد الأصغر هو الثاني أو ربما الخامس للعائلة. بينما كان على الابن الأكبر أن “يناضل” للحصول على مصروفه والخروج في النزهات المسائية فإن الطريق بالنسبة لأصغر الأشقاء سيكون أكثر وضوحاً، وما يجعل أشقاءه الأكبر سناً يحسدونه هو شعورهم بأنه سيتمكن من تأكيد شخصيته بسهولة أكبر مما فعلوا. ومع ذلك فقد لا يكون هذا هو الحال بالضرورة، ويعلق جيرار لوفان قائلاً: “رغم أن الابن الأصغر يحتل مكاناً قد يبدو مميزاً لأنه لن يكون هنالك أحد ينازعه فيه فإنه سيجد نفسه مرتبطاً بمكانة الطفل الأصغر دائماً حيث تُنتظر منه تلبية توقعات الوالدين بصورة مستمرة، ومن ثم فهو يميل بسبب ذلك إلى “دفن” رغباته الشخصية. من جهة أخرى فإن الولد الأصغر سيواجه حالةً من العزلة والكراهية إذا كانت المنافسة شديدة بين الأشقاء، وهو الأمر الذي يعرض قدرته على الاندماج إلى الخطر. كما أن الحماية الزائدة التي قد يفرضها الوالدان عليه يمكن أن تجعله يعاني من القلق والرهاب وعدم الراحة عند التعامل مع المجتمع.

وعلى الرغم من ذلك فإننا يجب أن نشير أن لكل إنسان موارده غير المتوقعة التي تجعله ينجح في العثور على مكانه في الحياة.

وتوضح لنا سلمى ذات الـ 33 عاماً والابنة الأصغر في عائلة مكونة من خمس فتيات أن والداها كانا يحلمان بصبي لكن ولادتها خيبت آمالهما. وتقول: “رفض والداي رؤيتي لمدة أسبوعين بعد ولادتي، وكان يمكن لمعرفة هذا الأمر لاحقاً أن يجعلني أشعر بأنني لا شيء وأن ليس لي الحق في العيش لكنني اخترت الحياة. في وقت مبكر جداً من حياتي أنشأتُ شركة الاتصالات الخاصة بي بمفردي، وأنا الآن أساعد اثنتين من أخواتي العاطلات عن العمل، فيا لها من مصادفة!”.

المحتوى محمي !!