كيف أتعامل مع أختي التي تكرهني؟

الخلافات بين الأشقاء
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تشكِّل علاقاتنا في مرحلة الطفولة شخصياتنا، وتضفي بظلالها على حياتنا فيما بعد؛ ومن أهمها: علاقاتنا مع الأشقاء. في حين أن الأشقاء ذكوراً كانوا أو إناثاً يمكن أن يكونوا مصدراً للتعاون والصداقة والدعم، فإن الخلافات بينهم شائعة أيضاً؛ حيث أظهرت الدراسات أن الخلافات بين الأشقاء قد تحدث حتى 8 مرات في الساعة.

تتعدد الخلافات بين الأشقاء بين صغيرة وكبيرة، فقد تتراوح بين خلافات حول اللعب وامتلاكها، إلى التنافس على الهيمنة واهتمام ورعاية الوالدين، بالإضافة إلى الموارد المالية وغيرها. قد تترك تلك التصرفات والخلافات ندبات تستمر طويلاً مع صعوبة الإفصاح عنها، وتبقى صعبة التجاوز أو النسيان.

من هنا تبرز أسئلة مثل: لماذا يكرهني أخي أو تكرهني أختي؟ وكيف أتعامل معه أو معها؟

الخلافات بين الأشقاء وسيلة لفهم العواطف

إن التنافس بين الأشقاء يخدم غرضاً تنموياً من الناحية النفسية، فهو يساعد الأطفال على اكتشاف ما هو مميز في أنفسهم فيما يُطلق عليه التمايز، فالأطفال يريدون أن ينظر إليهم آباؤهم على أنهم الأكثر أهمية، لذلك تهدف تصرفاتهم إلى الحصول على معاملة تفضيلية من الآباء عن أشقائهم.

في بحثها حول تعلم فهم وتنظيم العاطفة من خلال تفاعل الأخوة مع بعضهم البعض، تقول لوري كرامر؛ عالمة النفس بجامعة إلينوي، أن وجود خلاف مع الأشقاء والقدرة على حل تلك المشكلات يمكن أن يكون إنجازاً إنمائياً مهماً، ذلك لأن علاقات الأطفال الصغار مع أخوتهم توفّر فرصاً فريدة لفهم العواطف.

كذلك، فإن الأشقاء الذين لم يتعلموا إدارة هذه النزاعات هم الأكثر عرضة لخطر القطيعة بين أفراد الأسرة البالغين؛ حيث لا يكون لديهم حافز للبقاء على اتصال معهم ويريدون البقاء بعيداً بمفردهم.

ما هي العوامل التي تؤدي إلى الخلافات بين الأشقاء؟

في دراسة حديثة أجراها باحثون من قسم علم النفس بجامعة ريدلاندز، كاليفورنيا، على 364 شاباً (منهم 262 امرأة و102 من الرجال) تتراوح أعمارهم بين 17 و30 عاماً، لتقييم الصراع بين الأشقاء، خلصت النتائج إلى أن الأخوة من نفس الجنس، خاصة الأخوات، تكون لديهن صراعات أكثر من الأخوة. تزداد تلك الخلافات أيضاً إذا كان الأشقاء متقاربين في العمر ويعيشون معاً لفترة طويلة.

يشير الباحثون إلى أن تلك النزاعات تحدث نتيجة التنافس على نفس الموارد المحدودة؛ مثل انتباه الوالدين، وكذلك الصراع للحفاظ على المساحة الشخصية للفرد دون تدخّل، وغيرها.

علاوةً على ذلك، فهناك أسباب أخرى قد تشعل الكراهية؛ وهي:

  • الشعور بتفضيل الوالدين لأحد الأطفال على الآخر.
  • الغيرة ومقارنة الأشقاء ببعضهم البعض، سواء من خلال الآخرين أو بأنفسهم.
  • تطور الشخصيات والأذواق والعادات بشكل مختلف مع مراحل النمو؛ ما يؤدي إلى عدم الموافقة على اختيارات الطرف الآخر ونشوب جدال.
  • الضغوط الخارجية وردود الأفعال الناتجة عنها يمكن أن تؤثر على علاقة الأخوة وتؤدي إلى الكراهية.
  • الإساءة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بين الأشقاء.

على الرغم من أن النتيجة النهائية هي ما يدفع الأبناء للسؤال حول سبب كره الشقيق لهم؛ فإن الأمر لا يتوقف على علاقة الأخوة وتفاعلهم مع بعضهم البعض، فهناك بذور تساعد على إنبات تلك المشاعر السلبية يجب الوعي بها أولاً كي يتم التعامل معها بطريقة إيجابية؛ وهي علاقة الوالدين بالأبناء.

يمكن أن تنتج علاقات الأشقاء السامة عندما لا يضع الآباء حدوداً أو عندما لا يديرون علاقة الأشقاء بشكل صحي. أيضاً؛ عندما يكون الوالدان غير متاحين أو مكتئبين أو عدوانيين أو نرجسيين، وكذلك إذا كانوا متحكمين أو يفضلون طفلاً على الآخرين.

اقرأ أيضاً: نفور الوالدين: الحاجة إلى الاحتماء من المضلّلين

3 أنماط رئيسية من العلاقات تؤجج الصراعات بين الأخوة

هناك أنماط رئيسية تُشعل فتيل الصراع بين الأخوة؛ هذا الأمر لا يحدث من فراغ. من تلك الأنماط التي يتبعها الآباء في تربية الأبناء وتؤدي إلى صراعات لاحقاً:

1. الطفل الذهبي والطفل المنبوذ

على الرغم من أن الكثيرين ينكرون؛ فإن الآباء غالباً ما يفضّلون طفلاً على آخر، وعندما يفعلون ذلك بشكل صريح، يؤدي ذلك إلى حدوث صراعات بين الأخوة.

في تلك الحالة؛ يتم تصوير الطفل الذي يعتبرونه كبش فداء على أنه دائماً شخص سيئ ولا يمكنه إنجاز أي شيء بمفرده. كذلك، تسقط الأسرة جميع المشاكل على ذلك الطفل، فيتم تهميشه في معظم الأحيان وإلقاء اللوم عليه عندما تسوء الأمور.

في المقابل؛ نظراً لأن الآباء يعتقدون أن الطفل الذهبي امتداد لأنفسهم وسيحقق أهدافهم المرجوّة، فإنهم لا يسمحون للأبناء الآخرين بعرقلة هذا الأمر. لذلك عندما يفعل الطفل -كبش الفداء- شيئاً جيداً يتم تجاهله أو رفضه، ذلك لأن الطفل الذهبي يجب أن يكون دائماً الأفضل في كل شيء، ولا يمكن إبراز دور أو إنجاز الأطفال الآخرين إلا إلى الحد الذي يظل فيه تألق الطفل الذهبي بارزاً.

يؤدي ذلك إلى معاناة الطفل -كبش الفداء- من تدني احترام الذات والشعور بالخزي وعدم استحقاق السعادة والنجاح. يخلق ذلك أيضاً لدى هذا الطفل شعوراً بعدم الانتماء؛ ما يتسبب في الإحساس العميق بالوحدة لبقية حياته.

على الجانب الآخر؛ قد يعاني الطفل الذهبي من الشعور بالذنب اللاواعي، لأنه يرى أن شقيقه يُعامَل بشكل غير عادل؛ ولكنه لا يستطيع فعل شيء حيال ذلك.

2- الطفل الناضج والطفل الخالد

في هذه الحالة؛ يكون الطفل الناضج هو الذي يتجاوز تفكيره عمره الصغير، ويكون دائماً مسؤولاً ومنضبطاً. على النقيض من ذلك، فإن الطفل الخالد هو من يتَّبع رغباته الخاصة مدفوعاً بالعاطفة ولا يمكنه ضبط نفسه.

نظراً لكونه شخصاً مسالماً طوال حياته، فإن اهتمامات الشخص الناضج لا تكون ذات أهمية أبداً، فالأمر يتعلّق دائماً بما يجب عليه فعله وليس ما يريده، فيتعلم إهمال احتياجاته ورغباته، ومن المحتمَل أيضاً أن يفرط في عمل؛ ما يثقل كاهله بالمسؤوليات ويؤدي إلى الإصابة بالإرهاق.

وفقاً لكارل يونغ؛ الطبيب النفسي السويسري، فإن الطفل الخالد يكره القيود والالتزام، ولديه الكثير من الأفكار حول ما يمكنه إنجازه في المستقبل؛ ولكن نادراً ما يبذل جهداً شاقاً لتحقيق أحلامه. كذلك؛ يكون لديه القليل من التسامح مع المصاعب، لذلك كلما زادت الأمور صعوبة فإنه يهرب إلى أوهامه.

يؤدي وجود هذا النوع من الأطفال في الأسرة إلى خلق التناقض مع الطفل الناضج؛ والذي يشعر أنه يجب عليه اتّباع المسار الذي وضِع له، وأن يصبح عضواً ناجحاً في المجتمع نظراً لأن شقيقه يمثل خيبة أمل. ويزداد الأمر سوءاً إذا كان أداء هذا الدور مطلوباً منه مع وجود والد عنيف، يغضب بشدة إذا لم تكن الأمور مثالية.

أحد العوامل التي تجعل هذه العلاقة بين الأخوة معقدة، خاصة عندما تتحول إلى تنافس بين أشقاء بالغين، هي الغيرة، فطوال حياته؛ يكون الشخص الناضج، بوعي أو دون وعي، حسوداً لمدى شعور أخيه بالراحة، ويشعر بالمرارة والاستياء من حقيقة أنه لم يسبق له أن عاش طفولة حقيقية.

3- الطفل المتنمر والطفل الصامت

في سيناريو صحي، يؤدّب أحد الوالدين الطفل عندما يسيء التصرّف، ومع ذلك؛ قد يفشل بعض الآباء في فعل ذلك بسبب احتياجاتهم الخاصة للتعلق بالآخرين، فيخشون بشدة النزاعات وهجر أبنائهم، لذلك يفعلون كل ما في وسعهم لإرضائهم.

اتباع ذلك النهج يعني ترك الأطفال ليرسموا حدودهم بأنفسهم وبناء حاجز بين الأشقاء بسبب اختلاف المعاملة. في تلك الحالة؛ قد تنشأ تلك العلاقة المستقطِبة بين الطفل المتنمر وضحيته الصامتة.

بالنسبة إلى المتنمر، فإنه يختبر في البداية بطريقته ما إذا كانت هناك حدود أو لا، حتى يحدد طريقته في التعامل مع أخوته. في كثير من الأحيان؛ يكون المتنمر مُهمَلاً أو يتعرض لسوء المعاملة، فيشعر بداخله بالعجز والخجل وأنه ليس لديه طريقة أفضل لتوجيه الأذى خارجياً من إلحاق الضرر بأخوته.

على الجانب الآخر؛ يتعلم الطفل الصامت أنه لا يمكنه الحديث أو الشكوى لأنه سيتعرض للتهديد من عنف أشقائه، أو أنه لن يصدقه أحد، فيكون خياره الوحيد هو دفن الصدمة في أعماقه، ويتجسّد ذلك في وقت لاحق من الحياة في  أعراض مؤلمة؛ مثل التعب المزمن أو الألم الجسدي أو الاكتئاب أو القلق.

اقرأ أيضاً: ما هي الأسباب والدوافع وراء ضرب أو شتم طفلك لك؟

ماذا أفعل لتجنُّب كراهية الأشقاء؟

الكراهية هي شعور قوي يمكن أن يكون مستنزفاً عاطفياً، وقد تلازمه مشاعر سلبية مثل الإحساس بالذنب لمجرد الشعور بالكره تجاه الأخوة بدلاً من الحب. في الوقت نفسه، فكراهية الأشقاء لها أسباب عدة وهي ليست بالشيء النادر حدوثه، لذلك يمدّنا علماء النفس ببعض الاستراتيجيات لمواجهة تلك المشاعر السلبية والتأقلم معها؛ وتشمل:

فهم سلوك الوالدين

إذا كنت تعتقد أن والديك يفضلان أختك أو أخيك، فقد تشعر بالإهانة منهم كثيراً. ومع ذلك؛ يمكن أن يساعد فهم سلوكهم والأسباب وراء ذاك السلوك في تقليل تلك المشاعر السلبية. قد لا يحابي والداك أختك عن قصد وقد لا يدركان أن أفعالهما تؤذي مشاعرك حقاً. حاول أن تفهم السبب وعبّر عن انزعاجك لهما.

تجنّب المنافسة

قد يكون لديك ميل للتنافس مع أخوتك؛ وقد يظهر ذلك في سن مبكرة وقد يتم تشجيعه من قبل أفراد آخرين من عائلتك، لذلك عليك تجنب التنافس، وحاول أن تتقبل نفسك كما أنت، وابدأ في رؤية نفسك ككيان فردي له حياته المستقلّة.

وضع الحدود

قد يكون من المفيد وضع حدود في علاقتكم لحماية نفسك؛ والتي يمكن أن تتخذ أشكالاً مختلفة تعتمد على ما يناسبك: وضع حدود في قضاء الوقت مع أخوتك أو وضع حدود للموضوعات التي تتناولها في أحاديثك معهم أو وضع حدودل لأسلوب الحديث عن أمور بعينها.

البحث عن الدعم والقبول الذي تحتاجه

حتى إذا لم تكن قريباً من أخوتك؛ يمكنك الحصول على الدعم بإحاطة نفسك بالأشخاص الذين يهتمون بك ويدعمونك مثل شريكك أو أطفالك أو أصدقائك، وكذلك أفراد العائلة الآخرين أو الزملاء. أيضاً؛ قد تجد القبول والشعور بالانتماء في هواياتك وعاداتك المفضلة كالفن والموسيقى والكتب والأفلام.

البحث عن العلاج

قد يكون لديك بعض الغضب تجاه الأشخاص المقربين لتتغلب عليه، وقد تكون تلك الكراهية غير عقلانية، وتؤدي إلى قرارات تجعل الأمور أسوأ. يمكن أن يكون العلاج النفسي وسيلة مفيدة لفهم سبب تلك الكراهية وكيفية التعامل مع مشاعرك.

إن المشاعر السلبية التي تنتج عن أذى الأشخاص المقربين لنا قد تترك ندوباً، وتجعلنا عالقين في حزن عميق أو في انتظار اعتذار قد لا يأتي. قد يكمن الحل أحياناً في بذل جهد للتصالح مع الأخ أو الأخت، وفي أوقات أخرى؛ قد نضطر إلى قبول حقيقة أنه ليس لدينا حب الأشقاء الذي نريده.

المحتوى محمي !!