ماذا يعني التعذيب باللون الأبيض؟ وكيف يمكن علاج آثاره؟

4 دقيقة
التعذيب باللون الأبيض
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

الملخص

المشكلة: التعذيب باللون الأبيض أسلوب تعذيب نفسي لا يترك أي ندوب جسدية؛ لكنه يسبب ضائقة عاطفية ونفسية شديدة؛ حيث يعاني الضحايا الهلوسة وفقدان الإحساس بالذات بالإضافة إلى القلق والاكتئاب، وحتى الأفكار الانتحارية وفقدان الذاكرة.

السبب: يتضمن التعذيب الأبيض حرماناً حسياً وعزلة شديدة؛ إذ يُحبس السجناء في زنازين بيضاء بالكامل، من جدران وأرضية وثياب وأدوات وكل شيء. فيؤدي التعرض المستمر إلى اللون الأبيض وما ينطوي عليه من نقص المدخلات الحسية بالإضافة إلى قلة التفاعل مع البشر، إلى دفع الدماغ إلى خلق حقائق زائفة؛ ما يؤدي إلى اضطرابات نفسية شديدة مثل الهلوسة وفقدان الذاكرة.

الحل: تتطلب عملية التعافي من التعذيب الأبيض اتباع نهج شامل لإعادة التأهيل يشمل إجراء تقييمات نفسية وجسدية أولية، وعلاج اضطراب ما بعد الصدمة وغيره من مشكلات الصحة النفسية، وإعادة الإدماج الاجتماعي. وتعد تقنيات مثل العلاج السلوكي المعرفي، واليقظة الذهنية، ومهارات تنظيم الذات ضرورية لمساعدة الناجين على إدارة أعراض مثل القلق ونوبات الهلع والأرق.

تعذيب دون ضرب ولا صراخ ولا علامات جسدية ولا إراقة دماء، ومع ذلك، يسبب ضائقة نفسية وعاطفية شديدة للضحية؛ هو التعذيب باللون الأبيض الذي يمكن أن نصفه ربما بـ "التعذيب النظيف"، إن صح التعبير! وهو طريقة تُستخدم لكسر الروح البشرية، وتحطيم الاستقرار النفسي، وإحداث صدمة طويلة الأمد. فما الذي نعرفه عن هذا التعذيب؟ وما آثاره النفسية في الضحايا؟ وهل من الممكن معالجة هذه الآثار؟ إليك التفاصيل.

اقرأ أيضاً: لماذا يكتم الرجال معاناتهم النفسية؟ وكيف يشاركونها؟

ما هو التعذيب الأبيض؟

يقول الطبيب النفسي، سلطان السبيعي، إن التعذيب الأبيض، المعروف أيضاً بـ "التعذيب في الغرفة البيضاء"، هو إحدى أخطر طرائق التعذيب في العالم، حيث تلجأ إليه الدول عندما تتفادى تعذيب السياسيين جسدياً.

وهو نوع شديد من أنواع التعذيب النفسي الذي يهدف إلى حرمان السجين تماماً من المدخلات الحسية وعزله. ويتضمن حبس السجين في بيئة بيضاء بالكامل، فالزنزانة بيضاء تماماً بما فيها من جدران وأرضية وسقف وأثاث وملاءات؛ وكذلك يكون لون ملابس السجين وأدواته جميعها، ولا يُقدَّم له سوى الطعام الأبيض (الأرز الأبيض) على طبق أبيض، ولا يُعطى سوى المشروبات البيضاء (مثل الحليب). فضلاً عن ذلك، غالباً ما تكون الزنزانة هادئة جداً أو عازلة للصوت؛ بحيث لا يتواصل السجين مع أي إنسان ولا يتحدث إلى الحراس.

اقرأ أيضاً: احذر مشاهدة مقاطع إساءة معاملة الحيوانات وإليك السبب العلمي

كيف يؤثّر التعذيب باللون الأبيض في الصحة النفسية؟

وفقاً لسبيعي؛ فإن الأمر قد يكون مريحاً نفسيا نوعاً ما في البداية؛ لكن مع مرور بعض الوقت، سيبدأ الشعور بالتوتر وستزداد الاضطرابات الانفعالية؛ ومن ثم سيصاب المسجون بفقد الإحساس والهلوسة. ووفقاً لدراسة منشورة في المجلة الدولية للتمريض النفسي (International Journal of Psychiatric Nursing) عام 2023؛ فإن للتعذيب باللون الأبيض عواقبَ نفسية شديدة ومتعددة تشمل:

  • الهلوسة: دماغ الإنسان معتاد على التعامل مع كمية كبيرة من المعلومات؛ مثل الإشارات البصرية والسمعية وغيرها من الإشارات البيئية؛ لذلك حتى مع حدوث ندرة في هذه المعلومات، فإن الأنظمة العصبية المختلفة التي تغذي الدماغ تبقى تعمل ولكن بطريقة لا معنى لها. يبدأ الدماغ بعد فترة من الوقت في فهمها وتحويلها إلى أنماط؛ أي أنه يخلق صوراً كاملة من صور جزئية محاولاً بناء واقع من الإشارات الضئيلة المتاحة له، فينتهي به الأمر ببناء عالم خيالي. بكلمات أخرى: يحاول الدماغ إيجاد معنىً لعدم وجود مدخلات حسية من خلال توليد أنماط ومحفزات خاصة به؛ ما يؤدي إلى الهلوسة البصرية أو السمعية أو اللمسية، وقد يصل العزل الشديد والحرمان الحسي الطويل الأمد إلى تأثيرات نفسية شديدة مثل الذهان.

اقرأ أيضاً: ما الفرق بين الشخصية السيكوباتية والشخصية المضادة للمجتمع؟

  • فقدان الإحساس بالذات: يمكن أن يؤدي العزل المطول والحرمان من المدخلات الحسية إلى فقدان السجناء أحاسيسهم بذواتهم وواقعهم؛ ما يجعلهم أكثر عرضة إلى التلاعب.
  • ضعف الإدراك: البشر كائنات اجتماعية أولاً وآخراً؛ لذا فإن الافتقار إلى التفاعل الاجتماعي فترات طويلة من الزمن يجعل أدمغتهم تكافح من أجل التكيف مع أسلوب حياة منعزل؛ ما يسبب صعوبات عديدة في الوظائف الإدراكية وتمييز ما هو حقيقي عما هو مُتخيَّل، بالإضافة إلى انهيارات في القدرات العقلية. في الواقع، يقول المختص في العلوم الجنائية، عبد الله العمري، إن 120 يوماً في الغرفة البيضاء تصيب بالجنون.
  • الأرق الشديد: الضوء الأبيض المستمر ونقص المحفزات الخارجية يعطلان أنماط النوم؛ ما يؤدي إلى الأرق المزمن.
  • اضطرابات القلق: قد تصاب الضحايا باضطراب القلق العام واضطراب الهلع والقلق الاجتماعي.
  • اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): غالباً ما يُظهِر الناجون من التعذيب الأبيض أعراض اضطراب ما بعد الصدمة؛ ويشمل ذلك ذكريات الماضي والقلق الشديد والأفكار التي لا تُمكن السيطرة عليها المتعلقة بالتجربة المؤلمة.
  • الاكتئاب: قد يسبب التعرض المطول إلى التعذيب النفسي الإصابة بالاكتئاب الشديد.
  • الأفكار الانتحارية: يمكن أن يؤدي الضغط النفسي الشديد واليأس الناجم عن التعذيب الأبيض إلى أفكار وسلوكيات انتحارية، وهذا شائع على نحو خاص بين أولئك الذين تعرضوا إلى العزلة والحرمان الحسي فترةً طويلة.
  • فقدان الذاكرة: قد يؤدي الافتقار الطويل الأمد إلى المدخلات الحسية والتفاعل الاجتماعي إلى فقدان الذاكرة.

اقرأ أيضاً: ما الطريقة الأمثل لدعم من تحب عاطفياً؟

ما هي الأعراض الجسدية التي يعانيها الشخص نتيجة التعذيب الأبيض؟

بالإضافة إلى المشكلات النفسية العديدة، فإن التعذيب الأبيض قد يؤدي إلى ظهور أعراض جسدية مختلفة لدى السجناء؛ مثل:

  • الألم الجسدي: يمكن أن تشمل الهلوسة أحاسيس الألم الجسدي أو اللمس، على الرغم من عدم وجود مصدر خارجي يسبب ذلك.
  • الصداع والدوار: يمكن أن يؤدي كل من البيئة غير الطبيعية والتعرض المستمر إلى الضوء إلى صداع ودوار مستمرَين.
  • مشكلات الجهاز التنفسي: قد يعاني بعض السجناء صعوبة في التنفس بسبب المساحة الضيقة ونقص الهواء النقي.

اقرأ أيضاً: كيف يقتل النرجسيون ضحاياهم نفسياً؟ وما سبيل النجاة منهم؟

كيف تُمكن معالجة آثار التعذيب باللون الأبيض؟

يهدف التعذيب الأبيض؛ مثل غيره من أنواع التعذيب، إلى كسر سلامة الضحية النفسية؛ ما يؤدي إلى مشاعر شديدة من العزلة والصدمة وغيرها من القضايا النفسية والاجتماعية. لذلك؛ غالباً ما تكون عملية التعافي معقدة وتحتاج إلى إعادة تأهيل شاملة، وقد تتضمن العديد من الاستراتيجيات مثل:

  • التقييم الأولي: إجراء تقييم شامل وحساس لفهم تاريخ الناجي وأعراضه الحالية واحتياجاته.
  • إعادة التأهيل البدني: فقد يعاني الناجون بعض الآثار الجسدية مثل مشكلات عصبية أو آلام عضلية.
  • العلاج النفسي: تقديم العلاج النفسي لمعالجة أعراض اضطراب ما بعد الصدمة والقلق والاكتئاب وغيرها من المشكلات النفسية. يمكن أن يكون بعض التقنيات مثل العلاج السلوكي المعرفي والعلاج المرتكز على الصدمات فعالاً.
  • إعادة الإدماج الاجتماعي: مساعدة الناجي على إعادة بناء الروابط الاجتماعية والمشاركة في الأنشطة المجتمعية، ومساعدته على معالجة بعض القضايا الأخرى مثل المشكلات الأسرية (إن وُجدت).
  • تعليم مهارات التنظيم الذاتي: تعليم الناجي تقنيات التنظيم الذاتي؛ مثل اليقظة الذهنية وتمارين التنفس واستراتيجيات الاسترخاء، من أجل إدارة بعض الأعراض؛ مثل القلق ونوبات الهلع والأرق.