الاكتئاب المفاجئ: ما الذي قد يصيبنا به؟ وكيف نتغلب عليه؟

5 دقيقة
الاكتئاب المفاجئ
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

الملخص

المشكلة: بينما يرتبط الاكتئاب عادة بمسبب خارجي يؤدي إلى شعور عام بفقدان الشغف وهبوط حاد في المزاج والطاقة؛ مثل فقدان أحد الأحبة أو وظيفة العمل، أو الفشل الدراسي أو الصدمة العاطفية، فإن بعض الناس قد يُصابون بالاكتئاب من دون مسبب حقيقي يستدعي تلك الحالة.

السبب: للاكتئاب غير المبرر أسباب عديدة؛ بعضها جسدي مثل الاضطرابات الهرمونية أو والخلل في توازن النواقل العصبية في الدماغ، أو عوامل وراثية، بالإضافة إلى أسباب نفسية؛ مثل اكتئاب السعادة والاضطراب العاطفي الموسمي والإجهاد المزمن.

الحل: يمكن علاج الاكتئاب المفاجئ وغير المبرر باتباع طرائق العلاج التقليدي للاكتئاب؛ مثل العلاج النفسي السلوكي والعلاج النفسي الديناميكي إلى جانب بعض الأدوية. ومع ذلك، يمكن لبعض التغييرات في نمط الحياة أن تساعد على إدارة أعراض الاكتئاب غير المبرر؛ مثل ممارسة التمارين الرياضية أو الهوايات الشخصية أو ممارسة تمارين التأمل واليقظة الذهنية، أو تطوير شبكة الدعم من الأصدقاء.

قد تعيش أحياناً حالة من رمادية المزاج تجعلك تعتقد أن كلّ ما تفعله مرهق وبلا معنى، حتى الأشياء التي كانت تجلب لك السعادة. فتشعر بالفراغ الداخلي وتشك في نفسك، وتصبح المهام اليومية مثل النهوض من السرير أو الاستحمام أو التسوق عقبات لا يمكن التغلب عليها. إن ما تعيشه يبدو مثل أعراض الاكتئاب؛ لكن لماذا؟ فلا مصاب جلل أو تجربة مريرة حلت بك، ولا تغير يُذكر في حياتك قد أصابك. أنت تشعر بعدم وجود سبب للاكتئاب، خاصة أن حياتك أفضل أو أسهل مقارنة مع حياة الآخرين. فهل تتوهم إصابتك بالاكتئاب؟

في الواقع، قد لا تكون هذه الأعراض وهماً وإن لم يكن لها سبب واضح؛ لكن ما الذي يدفع البعض للإصابة بالاكتئاب بلا سبب واضح؟ وكيف يمكنهم التعامل معه؟

اقرأ أيضاً: ما هي أسباب اكتئاب ما بعد الزواج؟ وكيف يمكن التغلب عليه؟

لماذا قد يكتئب البعض بلا سبب واضح؟

ثمة جذور مختلفة للاكتئاب مجهول السبب؛ بعضها عضوي والآخر نفسي. وإليك الأسباب المحتملة:

اضطرابات هرمونية

الهرمونات عبارة عن رسائل كيميائية تنتجها الغدد الصماء، وتُطلقها عبر مجرى الدم حيث تنتقل إلى أنحاء الجسم جميعها حتى تصل إلى العضو المستهدف، وتؤدي وظيفة محددة. لكن ثمة هرمونات محددة يمكنها التحكم بالمزاج العام، فإذا اختل توزانها، تسبب الإصابة بأعراض الاكتئاب؛ مثل هرمونات الإستروجين والتستوستيرون، والبروجسترون وهرمونات الغدة الدرقية والكوتيزول والإنسولين.

تشمل أسباب اختلال توازن الهرمونات التي قد تسبب الإصابة بالاكتئاب ما يلي:

  • اضطراب ما قبل الحيض المزعج (PMDD): هو نمط أكثر حدة من متلازمة ما قبل الحيض (PMS)، ويمكن أن يسبب تقلبات مزاجية كبيرة، والاكتئاب والقلق من دون سبب.
  • وسائل منع الحمل الهرمونية: يمكن لبعض أنواع وسائل منع الحمل الهرمونية أن تؤثر في مستويات هرمون البروجستيرون الذي يؤثر في وظائف المخ والجهاز العصبي والناقلات العصبية مثل السيروتونين والدوبامين؛ ما قد يؤدي إلى الاكتئاب.
  • سن اليأس: يمكن أن تؤدي التغيرات الهرمونية في أثناء سن اليأس وانقطاع الطمث إلى ظهور أعراض الاكتئاب.
  • الاضطرابات الهرمونية بعد الولادة: يتشكل خلال الحمل هرمون الألوبيرغانولون الذي تتزايد مستوياته على نحو مطرد، وبعد الولادة، تنخفض مستوياته بسرعة. وفقاً لدراسة نشرتها دورية نيتشر (Nature)؛ يؤدي التغيير السريع في الألوبرغنالولون إلى الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة.
  • انخفاض هرمون التستوستيرون: قد يسبب انخفاض مستويات هرمون التستوستيرون لدى الذكور تغيرات في المزاج والقلق والاكتئاب. غالباً ما يرتبط انخفاض هرمون التستوستيرون لدى الذكور بقصور الغدد التناسلية (Hypogonadism)؛ الذي قد يكون ناجماً عن علاجات السرطان أو النكاف أو ارتفاع مستويات الحديد في الدم عن المعدل الطبيعي.
  • اضطرابات الغدة الدرقية: يمكن أن يسبب كل من فرط نشاط الغدة الدرقية وقصور الغدة الدرقية إلى الخلل الهرموني والإصابة بأعراض الاكتئاب. على سبيل المثال؛ أفادت المراجعة العلمية المنشورة في دورية كيوريس (Cureus)، أن مرضى قصور الغدة الدرقية يعانون عادةً من الاكتئاب المقاوم للعلاج.

اقرأ أيضاً: كل ما تودون معرفته عن اكتئاب ما بعد الولادة

كيمياء الدماغ 

لم يفهم الباحثون الطريقة الدقيقة التي تسهم بها كيمياء الدماغ في الإصابة بالاكتئاب، ومع ذلك، أشارت دراسة منشورة في دورية الطب النفسي المتعدي (Translational Psychiatry) إلى أن اختلال التوازن في بعض المواد الكيميائية في الدماغ، والمعروفة باسم "الناقلات العصبية"، يمكن أن يحدث لأي شخص، دون سبب واضح أو محفز له.

الناقلات العصبية هي مواد كيميائية تساعد على نقل الإشارات في الدماغ؛ مثل السيروتونين والدوبامين. قد يسبب بعض الحالات الصحية؛ مثل اضطرابات الغدة الدرقية وسوء التغذية والإجهاد المزمن والإصابات، خللاً في توازنها. يؤثر هذا الخلل بدوره في الحالة المزاجية والسلوك؛ ما قد يؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب، حتى لو لم تكن ثمة عوامل خارجية واضحة تسببه.

الاضطراب العاطفي الموسمي

يُصاب البعض خلال الفترات الانتقالية بين المواسم، مع تغير طول الأيام ودرجات الحرارة، بما يُعرف بـ "الاضطراب العاطفي الموسمي" (SAD)؛ وهو نوع من الاكتئاب المؤقت الذي يبدأ مع تغير الفصول، وينتهي بنهايتها؛ أي يبدأ وينتهي كل عام في الفترة ذاتها. يمكن أن يبدأ في الخريف وبداية الشتاء، ويختفي مع ارتفاع درجات الحرارة في الربيع والصيف، وزيادة الإضاءة.

كما قد يُصاب البعض بالنمط العكسي للاضطراب العاطفي الموسمي، وفيه تبدأ أعراض الاكتئاب في الربيع والصيف، وتنتهي مع بداية الخريف والشتاء. عموماً، يتميز هذا الاضطراب بشعور غريب بالحزن والخمول وسرعة الغضب والاكتئاب غير المبرر.

اقرأ ايضاً: 3 خطوات عملية تساعدك على مواجهة كآبة الشتاء

العوامل الوراثية

في بعض الحالات، قد يكون لدى البعض ميل وراثي إلى الاكتئاب؛ حيث تشير الأبحاث إلى أن 40-50% من خطر الاكتئاب الشديد يمكن أن يُعزى إلى العوامل الوراثية؛ وهذا يعني أنه إذا كان لدى شخص ما تاريخ عائلي من الاكتئاب، فإنه يكون أكثر عرضة إلى الإصابة به، حتى من دون دافع خارجي.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يكون الاكتئاب وراثياً؟ دراسة حديثة تجيب

العوامل النفسية

يمكن لبعض العوامل النفسية أن تؤدي إلى تطور الاكتئاب المفاجئ غير المبرر؛ مثل:

  • الإجهاد المزمن: قد ينتج عن التعرّض إلى مستويات عالية من الإجهاد فترات طويلة، سواء في العمل أو العلاقات أو تحديات الحياة الأخرى، تطور أعراض الاكتئاب من دون سبب واضح.
  • أنماط التفكير السلبية: قد يجد الأشخاص الذين يمارسون أنماط تفكير سلبية؛ مثل النقد الذاتي أو التفكير المفرط أنفسهم يعانون تطوراً غير مبرر للاكتئاب.
  • الاضطرابات النفسية: أحياناً يسبب بعض المشكلات النفسية مثل الاضطراب الاكتئابي الحاد والاضطراب الثنائي القطب واضطراب القلق العام، ظهور مشاعر الحزن والاكتئاب. 

اكتئاب السعادة

وفقاً للمختص النفسي عبد الله آل دربا؛ ثمة حالة تدعى "اكتئاب السعادة" (Happiness Depression) غير مصنفة ضمن الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية في طبعته الخامسة (DSM-5)، وهي عبارة عن حالة من الضيق المفاجئ والتغير المزاجي الحاد يصيب الأفراد الذين يتمتعون بالوفرة والاكتفاء المادي؛ حيث يتحول شعورهم بالفرح إلى حزن مفاجئ وخوف وقلق وإحباط وتساؤلهم دائماً: "ماذا بعد ذلك؟".

اقرأ أيضاً: الشيروفوبيا: ما الذي يجعل السعادة مخيفة؟ وما علامات ذلك؟

كيف يمكن علاج الاكتئاب غير المبرر؟

يمكن للعلاج النفسي أن يساعد على معالجة الجوانب النفسية والسلوكية للاكتئاب غير المبرر؛ وقد يشمل:

  • العلاج المعرفي السلوكي (CBT): يمكن للمعالج النفسي من خلاله تحديد الأفكار والسلوكيات السلبية، والعمل على تغييرها وتطوير عادات صحية.
  • علاج العلاقات بين الأشخاص (IPT): يركز هذا النوع من العلاج على مساعدة الفرد على تحسين مهاراته الاجتماعية، والتعامل مع عواطفه وعلاقاته على نحو صحيح.
  • العلاج النفسي الديناميكي: يساعد على فهم الأنماط والصراعات الخفية في أذهان المصابين، لمعرفة السبب الحقيقي للاكتئاب وتطوير آليات التعامل معه.
  • العلاج الدوائي: إلى جانب العلاج النفسي، قد يصف الطبيب النفسي للمريض بعض مضادات الاكتئاب مثل بروزاك (فلوكستين) وزولوفت (سيرترالين) لعلاج الاكتئاب غير المبرر.

اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن الاكتئاب

8 استراتيجيات فعالة للتعامل مع الاكتئاب المفاجئ من دون سبب

يوجد العديد من ممارسات الرعاية الذاتية والاستراتيجيات التي يمكن دمجها في روتين الحياة اليومي لإدارة أعراض الاكتئاب غير المبرر؛ مثل:

  • احرص على ممارسة تمارين اليقظة والتأمل: يؤكد المختص النفسي عبد الله الجطيلي، دور التأمل في تقليل الحالات النفسية السلبية؛ مثل الاكتئاب والقلق والضغط النفسي.
  • دوّن أفكارك واكتب مذكراتك: يساعد تفريغ الأفكار والمشاعر على مذكرات يومية على توضيحها ومن ثم سهولة معالجتها.
  • خصص وقتاً لممارسة هواياتك: عادة ما تجلب الهوايات الممتعة مثل العزف والرسم أو القراءة السعادة والراحة لممارسها.
  • خصص فترات للراحة والاسترخاء: يمكنك استغلال هذه الأوقات في الاستحمام أو قراءة كتاب أو الاستماع إلى موسيقا هادئة، لمساعدتك على التمتع بالهدوء والصفاء الذهني.
  • لا تنس النوم الجيد وامنحه الأولوية: ينبغي الحصول على قسط كافٍ من النوم الجيد كل ليلة، مع الحفاظ على جدول نوم ثابت، وروتين صحي لما قبل النوم؛ حيث أفاد الطبيب النفسي، عاصم العقيل، أنّ قلّة النوم يمكن أن تسبب بعضاً من أعراض الاكتئاب؛ مثل التعب الشديد وفقدان الطاقة وصعوبة التركيز أو اتخاذ القرارات.

اقرأ أيضاً: ما العادات التي قد تساعدك على الوقاية من الاكتئاب؟

  • مارس التمارين الرياضية بانتظام: أنصحك بالمشي أو الجري، نحو 150 دقيقة أسبوعياً.
  • حافظ على تناول نظام غذائي متوازن: حاول اتباع نظام غذائي غني بالعناصر الغذائية المتنوعة، مع تجنب الإفراط في تناول الطعام، أو تناول الأغذية غير الصحية؛ مثل الأطعمة المصنعة والوجبات السكرية؛ لأنها قد تؤثر سلباً في المزاج.
  • ابن شبكة للدعم: حافظ على تواصلك مع الأشخاص المقربين من العائلة والأصدقاء؛ لأنهم يستطيعون توفير لك الدعم العاطفي والتفهم خلال أوقات الاكتئاب المفاجئ غير المبرر.