متى تؤذي الصراحة علاقتك الزوجية؟ وهل يجب أن تكذب لتتفادى ضررها؟

4 دقائق
الصراحة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: الصدق في العلاقة الزوجية أمر مهم جداً؛ لكن هذا لا يبرر التخلص من اللباقة تخلُّصاً تاماً، ففي بعض الأحيان، قد يكون قول الصدق أمراً يؤذي أكثر مما يفيد، فما حدود الصراحة بين الأزواج؟ وهل يجوز الكذب فيما بينهما؟

هل ينبغي الكذب أحياناً في العلاقة الزوجية؟ نعلم طبعاً أن الصدق مهم جداً بين الأزواج؛ بل إنه يرتبط ارتباطاً إيجابياً بضبط النفس والرضا عن الحياة. لكن ماذا لو سألَتك زوجتك إن أعجبتك قَصة شعرها الجديدة التي لم تعجبك؟ أو إن كنت تراها سمينة في هذا الفستان الثمين؟ هل تكذب أم تقول الصدق؟ وماذا تتوقع أن تجيبك لو سألتها عن سعر الفستان؟ دعونا نتعرف في هذا المقال إلى حدود الصراحة بين الأزواج، وإن كان يجوز الكذب بينهم أحياناً أو لا.

اقرأ أيضاً: 3 طرق للتعامل مع الشريك الذي يقاوم التغيير

نظرة إلى الواقع: هل يكذب الأزواج على بعضهم بعضاً؟

يقول المختص النفسي السعودي أسامة الجامع، إن الصدق أحد العناصر التي تجعل العلاقة الزوجية مستقرة ومستمرة، فينبغي إذا تحدث أحد الشريكين أن يَصدُق، وإذا وعَد أن يفي، سواء كان مازحاً أو جاداً أو غاضباً؛ لأن الحياة مع شخصية متلاعبة لا تستمر.

لكن على الرغم من الآثار الإيجابية للصدق بين الأزواج، فالأكاذيب البيضاء شائعة جداً في العلاقات الزوجية الصحية وفقاً لعالمة النفس وخبيرة العلاقات الزوجية، سوزان أورنشتاين (Susan Orenstein).

والأزواج غالباً ما يكذبون لأسباب عديدة؛ إذ وجدت دراسة منشورة في مجلة العلاقات الاجتماعية والشخصية (Journal of Social and Personal Relationships) ونفّذها أستاذ التواصل في جامعة ديبول (DePaul University)، تيم كولي (Tim Cole)، أن الأزواج قد يميلون إلى الكذب للأسباب التالية:

  • تبادُل المعلومات: على سبيل المثال؛ عندما يفصح الشخص عن فكرة تراوده أو تجربة شخصية عميقة حدثت معه، قد يشعر شريكه بضرورة الإفصاح عن حكاية مماثلة، بغض النظر إن كانت صحيحة أو واقعية بالكامل.
  • تجنُب اللوم: على سبيل المثال؛ إذا لم يقم الشخص بمهمة روتينية مطلوبة منه، سواء كانت إنجاز مهمة منزلية أو التسوّق أو تدريس الأطفال، فقد يكذب ويختلق الأعذار تجنُّباً للشجار والتعرض للّوم.
  • قضايا تتعلق بأنماط التعلق: التعلُّق هو الرابط العاطفي الذي يتشكل بين الطفل ومقدِّم الرعاية، وهو الوسيلة التي يحصل بها الطفل على احتياجاته الأساسية، ويصبح هذا الرابط محركاً للنمو الاجتماعي والعاطفي والمعرفي عند الشخص لاحقاً، فإذا كان أحد الشريكين يمتلك نمطاً من التعلق يسمَّى "التعلق التجنُّبيّ"، فقد يشعر بعدم الارتياح في حالات ضعفه؛ ما يجعله يحتفظ بالكثير من الأسرار.

اقرأ أيضاً: كيف تصمد علاقة الشريكَين في وجه الأيام؟

ما حدود الصراحة في العلاقة الزوجية؟

إن افترضنا أن الأزواج معظمهم يكذبون على بعضهم بعضاً بين حين وآخر، فهل يعني هذا أن كذبة بيضاء هنا أو هناك هي أمر فظيع؟ وهل ثمة حدود للصراحة والصدق بين الأزواج؟ في الواقع، وجدت دراسة منشورة في مجلة العلاقات الاجتماعية والشخصية (Journal of Social and Personal Relationships)، أن هناك نوعين من الصدق بين الشركاء، ولكل منهما أسبابه وعواقبه.

النوع الأول هو "الصدق الحتميّ"؛ ويعني امتلاك الشريكين قواعدَ تتطلب منهما الإفصاح عن معلومات معينة تجنُّباً للغش والخداع؛ مثل مشاركة التاريخ المرضي أو الوضع المالي أو العلاقات السابقة.

اقرأ أيضاً: لماذا نغار من ماضي الشريك؟ وكيف نتعامل مع ذلك؟

أما النوع الثاني فهو "الصدق الاختياري"، وتُمكن تسميته بـ "الصدق حسب مقتضى الحال" أو "الصدق الاجتهادي"؛ وهو امتلاك الشريكين قواعدَ تسمح لهما ببعض المرونة في كيفية إدارة المعلومات اعتماداً على الموقف والعواقب المحتملة. على سبيل المثال؛ قد يميل الشخص إلى تجنُّب إخبار شريكه عن المشكلات التي تحدث في عائلته أو الكذب بخصوص وجودها، وهو أمر لا يؤثر في علاقته مع الشريك.

الصدق الاختياري هو المكان الذي يبدأ فيه الخط الفاصل بين الصدق والأكاذيب البيضاء بالتلاشي، وقد وجدت الدراسة أنه على الرغم من أن الأزواج معظمهم يتفقون على المعلومات التي تتطلب صدقاً إلزامياً، فإن الصدق الاختياري يتطلب المزيد من التقدير الشخصي والذَوق من الشريك.

ووفقاً لعالم النفس مارك ترافرز (Mark Travers)؛ قد يؤدي الإفراط في قول الصدق إلى إلحاق الضرر بالشريك أو العلاقة الزوجية، خصوصاً إذا كانت المعلومات مؤذية أو غير ذات صلة أو غير ضرورية.

اقرأ أيضاً: الشفافية الزائدة تقتل الحب بين الزوجين

هل يجوز أن يكذب الأزواج على بعضهم بعضاً؟

نعم إلى حد ما، فالصدق الشديد قد يكون في بعض الأحيان ذريعة لإيذاء الشريك أو انتقاده؛ حيث تقول المختصة النفسية، سابرينا رومانوف (Sabrina Romanoff)، إن ثمة أزواجاً قد يستخدمون عدم كذبهم كذريعة من أجل اتهام الشريك أو أذيته، وتنصح الأزواج أن يفكروا جيداً في غاياتهم من قول الصدق؛ أي التفكير فيما إذا كان الهدف من الصدق هو إيذاء الشخص الآخر والتلاعب به أو الاقتراب منه وتعزيز الثقة وتقوية العلاقة الحميمية معه.

فالأكاذيب البيضاء وفقاً لأورنشتاين هي: "إغفال قول الحقيقة الكاملة من أجل الحفاظ على مشاعر الشريك، وهي أكاذيب حميدة تدور حول التغاضي عن حقائق معينة باسم الحب والتفاهم"، ويمكن القول إن هذا النوع من الكذب هو تواطؤ أو اتفاق ضمني متبادَل نقوم به مع شركاء حياتنا لدعم بعضنا بعضاً.

على سبيل المثال؛ قد يحضّر الزوج وجبة غداء غير مطبوخة جيداً، ومع ذلك، قد تكذب الزوجة قائلة إنها ممتازة فقط لألّا تؤذي مشاعره. ومن جهة أخرى، قد يتجنب الزوج الإفصاح عن حقيقة ظهور التجاعيد على وجه زوجته لألّا يزعجها.

اقرأ أيضاً: مكملات "هرمون الحب" لا تُصلح العلاقات المحطمة؛ لكن هذه الخطوات تفعل!

ومع ذلك، قد لا تكون الأكاذيب البيضاء جيدة دائماً، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالإفصاح عن تصرفات تزعجك وتريد من شريكك تغييرها (في حال كان قادراً على التغيير). على سبيل المثال؛ إن كان شريكك يختار مكاناً واحداً دائماً لقضاء العطلة وأنت لا تحب هذا المكان، فمن الأفضل ألا تكذب بشأن حبّك له؛ وإنما الأفضل أن تجد طريقة لطيفة لتخبره بالحقيقة ثم تعملا معاً على إيجاد حل وسط يرضيكما أنتما الاثنان.

بالإضافة إلى ذلك، لا تَصلح الأكاذيب البيضاء أيضاً عندما يتعلق الأمر بالموضوعات المهمة؛ إذ من حق الشريك أن يعلم كل ما يخص القضايا المهمة في حياتكما الزوجية؛ مثل الظروف الصحية والمالية والمشاعر تجاه الآخرين ومشكلات الأطفال وعدم الاستقرار الوظيفي. وينبغي للزوجين عند وجود مثل هذه الموضوعات أن يجريا محادثات مفتوحة وصادقة تتضمن الوصول إلى قرارات مشتركة واتفاقيات صريحة.

تذكّر أن الأكاذيب البيضاء تتحول إلى خداع أو غشّ أو كذب مضرّ عندما يكون الغرض منها حماية نفسك بدلاً من حماية مشاعر شريكك، أو إخفاء الأسرار، أو التستر على شيء ما؛ لأن إخفاء الأسرار وحجب المشاعر غالباً ما يؤديان إلى إلحاق الضرر بالعلاقة الزوجية. أفضل حل هنا هو الإفصاح عما يخالج نفسك ومشاركة مشاعرك، والعمل مع الشريك على معالجة المشكلة على نحو مباشر بدلاً من تجنُّبها.

خلاصة الحديث: الصدق فضيلة؛ لكن ينبغي ألا تتعارض مع القيم الأخلاقية الأخرى التي لا تقل أهمية عنها مثل تجنب الأذى بين شركاء الحياة.