ما هي الكوميديا السوداء؟ وكيف استخدمها باسم يوسف في مداخلته الأخيرة؟

الكوميديا السوداء
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: أطلق الإعلامي الساخر باسم يوسف في أثناء مداخلته التلفزيونية الشهيرة مع المذيع البريطاني بيرس مورغان (Piers Morgan)، وابلاً من الانتقادات اللاذعة الساخرة حين تحدث عن الحرب في غزة، وقد استخدم باسم خلال تلك المداخلة الكوميديا السوداء، فما تعريف تلك الكوميديا؟ وكيف استخدمها ببراعة من أجل التحدث عن الأحداث الأخيرة في فلسطين؟ الإجابة في هذا المقال.

أحياناً نقف عاجزين أمام الفواجع والحروب وأحداث الحياة الدامية؛ لا تسعفنا الكلمات ولا نستطيع التعبير عن مشاعر الغضب والحزن التي تتصاعد في داخل كلٍ منا. في هذا الوقت، تتمكن الكوميديا السوداء من الاشتباك مع هذا الموقف المعقد؛ وهذا تحديداً ما فعله الإعلامي المصري الساخر باسم يوسف في أثناء مداخلته التلفزيونية مع المذيع البريطاني بيرس مورغان (Piers Morgan)، حول مأساة المدنيين في  قطاع غزة.

وقد أثارت هذه المداخلة تفاعلاً واسع الصدى على مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث تخطت حاجز الـ 12 مليون مشاهدة حتى لحظة كتابة هذا المقال، وذلك بسبب أسلوب الكوميديا السوداء الذي تحدث به باسم يوسف طوال المداخلة، ولم يتخلَّ عنه أبداً حتى حينما طلب منه مورغان التحدث بجدية، فما هي الكوميديا السوداء؟ وكيف استخدمها باسم يوسف في أثناء المداخلة من أجل التحدث عن الحرب في غزة؟ الإجابة في هذا المقال.

ما هي الكوميديا السوداء؟

هل سبق لك أن شاهدت فيلماً أو برنامجاً تلفزيونياً وتساءلت كيف يمكن للشخصيات أن تسخر وتمزح بشأن العنف أو المرض أو الحرب؟ هذا ما نسميه بـ "الكوميديا السوداء" (Black Comedy)؛ وهي أسلوب كوميدي يسخر من الموضوعات الصادمة وغير المتوقعة. 

وفي حين أن هذه الكوميديا تُستخدم عادةً لمجرد الصدمة؛ إلا أنها يمكن أن تُستخدم أيضاً لإثارة التفكير الجاد والمناقشة حول موضوعات قد لا يرغب الناس في التحدث عنها بطريقة أخرى، وهذا ما فعله الإعلامي باسم يوسف في أثناء المداخلة الأخيرة.

فطوال مدة المداخلة الهاتفية التي تجاوزت الـ 20 دقيقة، كان باسم يوسف يستخدم الكوميديا السوداء حتى يسخر من الوضع الراهن والحرب التي تدور في غزة. وحين سألته المذيع البريطاني مورغان عن رأيه في حرب 7 أكتوبر/تشرين الأول، رد قائلاً إن الفلسطينيين لا يموتون؛ حيث إنه متزوج من سيدة فلسطينية وحاول قتلها مراراً ولكنها لم تمت لأنها تستخدم أطفاله دروعاً بشرية!

وحين سأله مورغان ماذا كنت ستفعل لو كنت مكان إسرائيل، رد قائلاً: "كنت سأقتل الفلسطينيين أيضاً لأن العالم يسمح لي بذلك؛ ولأنني أستطيع ذلك". وتساءل باسم عن سعر صرف المواطن الفلسطيني أمام الإسرائيلي، فمن قبل كان هناك 27 فلسطينياً يموتون أمام إسرائيلي واحد، ولذلك؛ كان باسم يتساءل في البرنامج عن سعر الصرف الحالي للمواطن الفلسطيني، في إشارة واضحة إلى الرد الإسرائيلي المبالغ فيه على قطاع غزة.

اقرأ أيضاً: لماذا يضحك بعض الناس في المواقف الحزينة؟ وكيف تتعامل مع هذه الحالة؟

ما أبرز موضوعات الكوميديا السوداء؟

"شر البلية ما يُضحك"! هكذا نقول في بلادنا، تُرى لماذا نضحك على الأحداث الصادمة؟ ربما نفعل ذلك حتى نستطيع استيعاب عبثية الموقف، أو نضحك حتى لا نبكي، وأحياناً نضحك حتى نواجه القلق والألم والتوتر. وقد يكون الضحك في بعض الأوقات طريقنا الأوحد للحفاظ على تماسكنا الداخلي حتى لا ننهار أمام سيل الأخبار المفجعة وأحداث الحياة الدامية، والضحك هنا هو نوع من أنواع الكوميديا السوداء التي تطل عادة برأسها خلال الموضوعات التالية:

  1. القتل والعنف والموت.
  2. الفساد السياسي.
  3. الفقر والمرض والمجاعات. 
  4. الحرب.

كيف يمكن أن تؤثر الكوميديا السوداء في الجماهير؟

تؤكد أستاذة الإعلام في كلية الاتصالات والمعلومات بجامعة روتجرز (Rutgers University) ومؤلفة كتاب "ممثل كوميدي وناشط يدخلان حانة: الدور الخطِر للكوميديا في العدالة الاجتماعية" (A Comedian and an Activist Walk into a Bar: The Serious Role of Comedy in Social Justice)، لورين فيلدمان (Lauren Feldman)، إن الكوميديا السوداء يمكن أن تسهم في التغيير الاجتماعي إذا استُخدمت بطريقة صحيحة؛ حيث إنها تلعب دوراً استراتيجياً في الجهود المبذولة للفت الانتباه إلى الفقر العالمي وتغير المناخ والهجرة والعدالة العرقية والاعتداء الجنسي.

وتضيف فيلدمان إن بعض الأشخاص يفترضون أن الكوميديا غير مناسبة للتواصل حول القضايا الجادة، أو أنها يمكن أن تكون إلهاءً عن المشكلات المهمة؛ لكن الحقيقة غير ذلك؛ حيث إنها قادرة على إشراك الناس في القضايا الصعبة وتحفيزهم على محاولة حل تلك القضايا. وعلاوة على ذلك، تجذب الكوميديا الأشخاص، وتخلق بينهم رابطاً عاطفياً إيجابياً يمكن أن يلهم بدوره المشاركة والعمل.

ويمكن للكوميديا السوداء التأثير في الجماهير من خلال كسر الحواجز الاجتماعية، وجذب الانتباه تجاه القضايا الإنسانية المهمة، وتحفيز عملية المشاركة والمناقشة، وتوفير الرؤية للأفكار البديلة. وفي بعض الأحيان، يمكن أن تكون للكوميديا السوداء تأثيرات ثقافية أوسع من خلال تشكيل خطاب وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي سياق متصل، تهدف الكوميديا السوداء من المنظور النفسي إلى إطلاق المشاعر غير المسموح بها اجتماعياً بشأن القضايا ذات الطبيعة المظلمة أو المروعة؛ مثلما توضح المختصة النفسية نامراثا دينيش (Namratha Dinesh) التي تشير إلى أن الكوميديا السوداء تساعد أيضاً على تخفيف التوتر وإدارة الضغط الاجتماعي، ناهيك بأن الضحك من المواقف الصعبة يحرر الطاقة السلبية والعصبية ويفتح المجال لتقدير الظروف الضاغطة. وفي بعض الأوقات، يُنظر إلى الكوميديا السوداء على أنها استراتيجية تكيف فعالة للتعامل مع القلق وحماية النفس من الوقوع في شرك المشاعر السلبية.

اقرأ أيضاً: لماذا نسخر من مآسينا؟ العلم يجيب

هل تستطيع الكوميديا السوداء تغيير مسار الأحداث؟

وفقاً لما ذكره الكاتب الصحافي حماد القشانين؛ فإن الكوميديا السوداء تعمل على إظهار مشكلات المجتمع الحقيقية، وتجعلنا نقف أمام أنفسنا بوصفنا مسؤولين لأننا نرى الأمور بطريقة واضحة. وفي سياق متصل، يمزح الزوجان ومقدما بودكاست "الرجل الأسود الناصح" (The Black Guy Who Tips)، رود وكارين مورو (Rod and Karen Morrow)، حول كل شيء تقريباً بداية من فيروس كورونا وحتى وحشية الشرطة؛ حيث تشرح كارين مورو: "إذا كنت بالقرب من عدد كافٍ من السود، فستعرف أنهم يمزحون عندما يموت الناس، ويمزحون عندما يولد الأطفال، ويمزحون في الجنازات؛ إنها طريقة لتحمُّل آلامهم وجعلها مضحكة".

والحقيقة أن هذه السخرية من أوضاعهم ليست وليدة اليوم؛ ولكنها بدأت منذ عام 1619 عندما جُلب أول الأفارقة المستعبَدين إلى شواطئ الولايات المتحدة. وتاريخياً، استخدم الأميركيون من أصل إفريقي الكوميديا السوداء ليس فقط من أجل التكيف والتأقلم؛ ولكن من أجل التحدث عن حقيقتهم، واستعادة مكانتهم في المجتمع، والحفاظ على هويتهم، وإلغاء الفصل العنصري. 

ففي الستينيات، شاركوا في عدد كبير من العروض الكوميدية أملاً في النضال من أجل المساواة والعدالة الاجتماعية. ومع مرور الوقت، نجح الكثيرون منهم مثل ديك غريغوري (Dick Gregory)  وبيل كوسبي (Bill Cosby)، في الحصول على الاعتراف الوطني. وفيما بعد، حققوا نجاحاً في كسر الحواجز العنصرية والاندماج في المجتمع.

في النهاية، ربما لن تغير الكوميديا السوداء العالم وتجعله أفضل وقابلاً للعيش، ناهيك بأنها لن تحل مشكلات الحروب وتوقف القتل والدمار؛ لكنها على الأقل ستخفف من وطأة الإحساس بالظلم والقهر، وتجعل الأشخاص يجتمعون حول القضايا المهمة ويفكرون فيها من منظور آخر؛ تماماً كما حدث في مداخلة باسم يوسف؛ حيث إن طريقته الساخرة من الأمور وغير الانفعالية جعلت الجمهور غير العربي ينظر إلى القضية على نحو مختلف.