ما هو أسلوب التثليث للتلاعب في العلاقات وكيف تنجو منه؟

6 دقائق
التثليث
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يبرز التثليث من بين مجموعة السلوكيات المضرّة في العلاقات، وبوصفه واحداً من أكثر السلوكيات التي يمارسها الأشخاص ذوو الميول النرجسية لفرض سيطرتهم وتحقيق رغباتهم الشخصية. يشرح هذا المقال كيف تُستخدم هذه الاستراتيجية للتلاعب في العلاقات على نطاق واسع، يشمل حتّى العلاقات العاطفية والأسرية.

تعلّم الإنسان في رحلة تطوّره النفسي والعاطفي، الالتفاف حول غاياته حين تبدو صعبة أو غير مُتاحةً له. وفي المشهد المعقّد للعلاقات الشخصية، نجد تقنية التثليث التي يستخدمها بعض المصابين باضطرابات نفسية أو مَن لديهم ميول نرجسية، بهدف فرض السيطرة والتحكّم أو خلق النزاعات أو تحقيق الرغبات الشخصية. وقد تتعدّد تلك الدوافع لكن تأثيراتها مدمّرة للعلاقات وتجعلها غير واضحة؛ تعزل أطرافاً وتُضعفهم لحساب آخرين.

ويوضّح المختص النفسي أحمد فؤاد، إن التثليث أسلوبٌ يستخدمه الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية النرجسية، بوعي أو دون وعي، لأهداف محدّدة؛ إذ يتمحور حول إدخال طرف ثالث يُختار باحترافية عالية لخدمة مصالحهم الخاصة مثل الدفع بالشريك العاطفي إلى تقديم التنازلات في العلاقة على سبيل المثال.

ماذا يُقصد بالتثليث في علم النفس؟

يشير مصطلح "التثليث" (Triangulation) في علم النفس إلى تقنية نفسية وعاطفية يستخدمها الأفراد لإقصاء أشخاص آخرين في محيطهم أو التلاعب بهم؛ بهدف خلق التقسيم وإرساء السيطرة. حيث تتضمّن تقنية التلاعب هذه استخدام التواصل غير المباشر الذي يُجرى في الخفاء ودون معرفة الطرف الأساسي في العلاقة.

يمكن أن يتأثر التواصل داخل العلاقات الشخصية أو العائلات أو المجموعات، بديناميات عاطفية محدّدة، ويُعدّ التثليث من أكثرها تعقيداً وضرراً؛ إذ يعتمد على تجنيد طرفٍ ثالث في تواصل متضارب بين شخصين.

يمكن أن يتجلّى أسلوب التلاعب هذا في أمثلة عديدة من الحياة الواقعية؛ ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر عندما يستخدم الوالدان المنفصلان طفلهما كمرسال بينهما تجنّباً للتواصل المباشر، أو الأصدقاء الذين يسعون إلى إدخال صديق آخر للتوسّط في النزاع.

علاوة على ذلك، يمكن أن يحدث التثليث حتى من دون وجود طرف ثالث. على سبيل المثال؛ عندما يستخدم أحد الوالدين سلطة الوالد الآخر للتعبير عن الرفض بدلاً من مخاطبة طفلهما مباشرة. وتوضّح هذه الديناميكية كيف يمكن أن تؤدّي الاتصالات المعقّدة أو غير الواضحة النوايا بين الأشخاص، إلى ظهور أنماط تواصل مضطربة.

اقرأ أيضاً: 7 سلوكات يستخدمها الشخص الأناني للتلاعب بالآخرين 

أمثلة لمظاهر استخدام التثليث وتأثيرها في العلاقات

يستخدم الأفراد أسلوب التثليث لعدم شعورهم بالأمان؛ حيث يوفّر لهم التلاعب بالآخرين تحقيق الرغبات الشخصية أو الشعور بالأمان داخل العلاقات. تضع هذه الاستراتيجية المتنافسين بعضُهم في مواجهة بعض على نحو فعّال؛ ما يمنح ميزة لمن يستخدمها إذ إنه يستفيد من تقليل التواصل المباشر بين الأطراف المُتلاعَب بها، ويكون ذلك غالباً بهدف التفريق أو إضعاف أحدهم أو تعزيز الصراع.

على سبيل المثال؛ نذكر حالة الأب الذي يرفض الاعتراف باستقلالية أبنائه أو تفرّدهم، ويميّز بينهم في التعامل، ولا يحبّذ تواصل بعضهم مع بعض مباشرة سوى بوساطته؛ وحالة الشريك أو الصديق الذي يستعين بشخص ثالث لخلق الدراما أو الضغط أو تأجيج النزاع لدفع شريكه أو صديقه إلى الانصياع لرغبته. بالإضافة إلى ذلك، قد يستخدم الأفراد التثليث لإشراك الآخرين في العلاقات أو الصداقات تنصّلاً من ضرورة معالجة بعض المشكلات العالقة بأسلوب مباشر.

ومن الجدير بالذكر إن الأشخاص الذين يعانون اضطرابات الشخصية مثل اضطراب الشخصية النرجسية أو اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع أو اضطراب الشخصية الحدّية، قد يتّخذون أحياناً مواقفَ تنافسية، ويرون أنفسهم بناءً على تفاعلهم مع الآخرين؛ ما يدفعهم إلى محاولة تدمير التهديد المحتمل الذي يتصوّرون وجوده أو التلاعب بالأطراف التي يعتقدونها مصدراً للتهديد.

التأثيرات المباشرة في ضحية التلاعب

عند التعرّض للتثليث، قد يشعر الأفراد بالقلق بشأن آراء الآخرين، ويتحمّلون مشاعر الإذلال فيحتاجون إلى حماية أنفسهم.

إذا كنت تتعرّض لهذا النوع من التلاعب، فقد تجد نفسك مضطرّاً لتصحيح المفاهيم الخاطئة أو حتى مواجهة الأطراف المعنية مباشرة؛ إلاّ أن الانخراط في مثل هذه السلوكيات قد يمنح المُتلاعب، دون قصد منك، شعوراً بالانتصار.

وفي بعض الأحيان، قد يتوقّع منك هذا النوع من الاستجابة، على أمل استفزازك لفقدان السيطرة والتعامل باندفاعية بدافع الخوف. قد يمنحك الانفعال إحساساً سريعاً بالراحة وسط الاضطرابات والفوضى؛ لكنه سيعزّز هذا النمط المختلّ داخل العلاقة؛ ومن ثَمّ تفاقم مشاعر الجرح وإساءة الفهم.

ما أشهر أنواع التثليث التي يجب أن تحذر منها؟

يمكن أن يظهر التثليث بأشكال مختلفة ومتنوّعة؛ إذ يُستخدم في بيئات العمل وعلاقات الصداقة. لكن قد يصعب التعرّف إليه في نطاق العلاقات العائلية والعاطفية، وهذا ما تجب معرفته في هذين السياقين:

التثليث في العلاقات العاطفية

في إطار العلاقات العاطفية، يستخدم المُتلاعب طرفاً ثالثاً لافتعال الخلاف والارتباك والغيرة عن قصد؛ لأنه يستمدّ الرضا من الاهتمام الذي يناله جرّاء ذلك سواءٌ أكان سلبياً أم إيجابياً. وقد يذهب إلى أبعد من ذلك حين يكشف عن وجود طرفٍ ثالث أو أحياناً أطراف عِدّة للشريك العاطفي لإثارة المنافسة وتركيزها عليه.

في بعض الأحيان، لا يدرك أولئك الذين يخضعون للتثليث أدوارهم في هذه الديناميكية كـ "بيادق" في التلاعب؛ في حين قد يدركون الموقف بسرعة عند وجود طرف واحد فقط. وفي السيناريوهات الأكثر إثارة للقلق، قد يستغّل الشخص ذو الميول النرجسية شخصاً لم يعد على اتصال به لممارسة السيطرة على علاقاته الحالية.

ويشير المختص النفسي أحمد فؤاد، إلى التثليث الوهمي الذي يستخدمه الشخص دون وجود طرف ثالث حقيقي؛ مثل أن يزعم زوج بأنه على علاقة مع امرأة أخرى غير زوجته لكي يثير غيرتها وشكّها، ويجعلها تحسّ بقيمته العالية في العلاقة الزوجية، ويمكن أن يحقّق غايته من خلال افتعال المكالمات والرسائل الوهمية، وتقليل الاهتمام والتواصل مع زوجته، ويبقى النرجسي وفقاً للمختص المستفيدَ الأول والوحيد من استخدام هذه التقنية للتلاعب.

الطفل الذهبي وكبش الفداء في العلاقات الأسرية

يقسّم الآباء النرجسيون عادةً أبناءَهم إلى نوعين رئيسَين؛ طفل ذهبي وكبش فداء. الابن الذهبي مثالي ولا يخطئ في عينيّ الوالد؛ أمّا كبش الفداء فلا قيمة له وغالباً ما يُنسب فشل الآخرين إليه، ولا تُغتفر أخطائه أو هفواته مهما كانت بسيطة، وقد تختلف هذه التوقّعات بمرور الوقت وتتغير اعتماداً على شعور الأب أو الأم تجاه الأبناء في ذلك الوقت.

من خلال الإسناد غير المُعلَن لهذه الأدوار للأبناء، ينجح النرجسي في تنشئة ابن يدافع عنه؛ ما يُديم سيطرته وتلاعبه سواء على نحو غير مباشر أو مباشر. وفي المقابل، يتمكّن من إلقاء اللوم على الابن الآخر بشأن تعاسته ومشكلاته، وأحياناً تعاسة كامل الأسرة ومشكلاتها.

يستخدم الشخص المصاب باضطراب الشخصية النرجسية، حين يكون أباً أو أماً، مجموعة من الأكاذيب والسلوكيات غير الواضحة وأبرزها التثليث؛ لأنه يسمح له بتعزيز التفرقة بين الأبناء ومن ثَمّ يمنحه إحساساً بالقوة والسيطرة، ناهيك بأنه يخلق نوعاً من الدراما في الوسط الأسري يتغذّى عليها النرجسي نفسياً، ويُعرف ذلك بـ "الإمداد النرجسي" (Narcissistic Supply). يُسهم هذا التلاعب الذي يعززه تقسيم الأبناء في إضعاف بعضهم وعزله، وتفويض القوة للآخرين وتعزيز مكانتهم.

كيف تتعامل مع الأشخاص الذين يتلاعبون بك باستخدام التثليث؟

يتطلّب التعامل الفعّال مع التثليث إدراكاً أوليّاً لحدوثه، فأشخاص كُثُر لا يدركون أنهم يتعرّضون للتلاعب بهذه الطريقة. لذلك؛ يمكنك أن تبدأ بملاحظة طبيعة التواصل في علاقاتك. كُن منتبهاً إذا طُلب منك باستمرار القيام بمهمات يستطيع الآخرون القيام بها، أو إذا وجدت نفسك مرتبطاً بالتفاعلات بين شخصين على نحو متكرر. يمكن أن تتضمن الأمثلة نقل الرسائل غير السارّة إلى أحدهم، أو الاطلاع على محادثات خاصة لا علاقة لها بك، أو تشجيعك على إصدار الأحكام بشأن النزاعات بين الآخرين.

ولتجنّب الوقوع ضحيّةً للتثليث، ثمّة نهج عملي لتقليل المشاركة في الاتصالات التي تتبّع هذا النمط، فالانسحاب الكامل من العلاقة يكون صعباً، وبخاصة إذا كان المُتلاعِب من أفراد العائلة؛ في حين أنه يكون أكثر فائدة عندما يتعلّق الأمر بالعلاقات من نوعٍ آخر لأن المواجهة مع المتلاعبين النرجسيين لا تأتي بالنتائج المرجوة في الغالب.

وهذه أمثلة لبعض العبارات البسيطة التي يمكنك استخدامها لبدء عملية الانسحاب من هذه الديناميكية، مع العلم أن تطبيقها يتطلّب جهداً ثابتاً وترسيخاً تدريجياً للحدود الشخصية؛ وهي كالتالي:

  • "لا أريد أن أشارك في ذلك".
  • "أشعر بعدم الارتياح لوجودي في هذه المحادثة، وسأغادر الآن".
  • "أفضّل أن تناقش هذا معها مباشرة".
  • "سأسعد لمناقشة هذا الأمر معه لاحقاً؛ ولكن ما هو شعورك حيال ذلك؟".

حين تتعامل مع مواقف يطغى عليها التلاعب، من الضروري أن تتذكّر أنك قادر على التحكّم في ردود أفعالك واستجاباتك فقط، وليس بالشخص الذي يقوم باستفزازك أو استغلالك، وهذا ما يمكنك القيام به عملياً حين تكون مدركاً لطبيعة التلاعب في بعض الأشخاص في حياتك:

  • لا تتجاوب بسرعة مع الأخبار المفاجئة.
  • خذ خطوة إلى الوراء وفكّر في الحقائق التي تُعرض عليك.
  • ابذل قصارى جهدك لكيلا تفقد أعصابك أو تفقد السيطرة على مشاعرك؛ تحكّم في عباراتك وردودك.
  • لا تقدّم وعوداً أو التزامات يمكن أن تؤذي أشخاصاً تثق بهم وتحبّهم على نحو مباشر أو غير مباشر.

ماذا لو كنت أنت مَن يستخدم أسلوب التثليث في العلاقات؟

قد يستخدم الأفراد أسلوب التثليث في علاقاتهم دون وعي منهم بخطورته وتأثيراته السلبية، فإذا لاحظت أنك واحد من أولئك الأشخاص الذي يعتمدون هذه الطريقة، سيُفيدك للغاية أن تتعرّف إلى الأسباب الكامنة لتطويرك هذا النمط من التواصل مع الآخرين. ينخرط الناس في سلوكيات التثليث لمجموعة من الأسباب؛ ونذكر منها الآتي:

  • طلب التقوية والدعم لآرائك؛ ربما بسبب نقص الثقة في المشاعر ووجهات النظر الفردية.
  • تجنُّب النزاع والاستفادة من شخص آخر بطريقة متحايلة.
  • كسب الدعم بوصفه طريقة لإثبات صحة وجهات نظرك لأطراف أخرى.
  • محاولة حشد المشاعر ضد شخص آخر ينتمي إلى مجموعة اجتماعية مختلفة، بوصفها وسيلة للاحتفاظ بالسيطرة أو الموارد الاجتماعية في أثناء النزاع.

سيساعدك تحديد السبب وراء لجوئك إلى التلاعب على تحمّل مسؤولية مشاعرك وأفكارك الخاصة مباشرةً، ومن دون الاعتماد على موافقة طرف ثالث أو دعمه.

اقرأ أيضاً: الصخرة الرمادية: تكتيك فعّال للحماية من تلاعب النرجسيين

وأخيراً، يُعد التثليث نمطاً معقّداً ينطوي في جوهره على التلاعب والسيطرة، وهو نمط شائع في العلاقات؛ لكن ضحاياه أو حتّى أولئك الذن يستخدمونه لا يُدركون تأثيره المدمّر للعلاقات الجيّدة والداعمة. يسهم الوعي بهذا الديناميكية في العلاقات في تجنّب الوقوع في فخّ المُتلاعبين ونزعتهم النرجسية للسيطرة وبثّ التفرقة.

المحتوى محمي