تختلف الخصائص الجسدية للاعبي كرة القدم وفقاً لمراكزهم في الملعب غالباً. على سبيل المثال؛ يشترك حراس المرمى في طول القامة والقوة البدنية، ويتميز المهاجمون بالسرعة والرشاقة أكثر من لاعبي خط الوسط المسؤولين بشكل كبير عن إيقاع المباراة وأن يكونوا حلقة الوصل بين الدفاع والهجوم. إلا أن البنية الجسدية وحدها لا تقوم بتقسيم الأدوار أو تنم عن مدى نجاح اللاعبين أو فشلهم في مراكز دون غيرها؛ بل هناك عوامل نفسية وشخصية تسهم في تحديد ذلك أيضاً. وعوامل الشخصية تلك قادرة على تحديد لماذا ينطلق بعض اللاعبين في استخدام وتطوير مهاراته وتكون لهم بصمته الخاصة بينما يظل آخرون غير قادرين على ذلك ويخفت أداؤهم شيئاً فشيئاً.
شخصية لاعب كرة القدم
يمكن أن تساعد معرفة شخصية لاعب كرة القدم على تحديد المركز الذي يمكن أن يبلي فيه بلاءً حَسَناً؛ وبالتالي تحسين أدائه بشكل خاص وأداء الفريق بشكل عام. ما يعني أن تحديد مركز اللاعب لا يعتمد حصراً على قدراته البدنية ولكن أيضاً سماته الشخصية التي تسمح له باللعب بشكل أفضل في مركز بعينه دون آخر.
والشخصية عموماً هي بناء افتراضي يُستدل عليه من ملاحظة السلوك. وهي تتضمن سلسلة من السمات المستقرة إلى حد ما بمرور الوقت؛ والتي تجعل سلوك الشخص متسقاً في مناسبات مختلفة ومختلفاً عن السلوك الذي قد يظهره الآخرون في المواقف المماثلة؛ هذه الخصائص الشخصية ذات الطبيعة المستقرة والمنسقة تسمح بالتنبؤ بسلوك الأفراد.
تتضمن الشخصية أيضاً عناصر أخرى كالإدراك والدوافع والحالات العاطفية التي تؤثر في تحديد السلوك، ويمكن أن تفسر عدم اتساق نفس السلوك في ظروف معينة وفقاً لعالم النفس الأميركي ثيودور ميلون (Theodore Millon).
السمات الشخصية للاعبي كرة القدم
من السمات الأساسية لكرة القدم أن لكل لاعب دور تكتيكي محدد داخل الملعب، وتتميز كل فئة بأنماط شخصية خاصة بها مبنية على سلسلة من الاستجابات المحددة المطلوبة منها في المواقف المختلفة. وباتساق هذه الاستجابات المطلوبة مع شخصية اللاعب يصبح متميزاً في مركزه وقادراً على اتخاذ ردود الأفعال المناسبة التي تصب في مصلحة الفريق ككل.
و من أكثر سمات الشخصية ارتباطاً بكرة القدم: الانفتاح في التعامل مع الآخرين، والاستقرار العاطفي، بالإضافة إلى المسؤولية.
ويُقصد بالشخص المنفتح في التعامل مع الآخرين ذلك الشخص النشط المتفائل والقادر على إقامة اتصالات اجتماعية بسهولة. ويشير الاستقرار العاطفي إلى الهدوء والابتهاج، بينما تشير المسؤولية إلى الميل نحو التنظيم والإنجاز. كما تظهر سمات أخرى مهمة في شخصية لاعب كرة القدم مثل الجرأة والسيطرة والانفتاح على التغيير.
كذلك، يمتلك اللاعبون استراتيجيات دفاعية وتكيفية من الناحية السلوكية تميزهم في إدراك المواقف وإدارتها بطريقة جيدة، مع قَدر عالٍ من الانتباه سعياً منهم ليتم الاعتراف بهم على أنهم الأفضل في مراكزهم وكذلك الفوز مع فريقهم بالبطولات وتحقيق المكانة الاجتماعية.
ما يعني أن لاعبي كرة القدم يميلون إلى تلبية احتياجاتهم الخاصة أولاً، مع مراعاة الآخرين لاتخاذ قرارات بشأن أهداف المجموعة.
الارتباط بين شخصية لاعب كرة القدم ومركزه في الملعب
إذاً، فبالإضافة إلى الأسلوب الشخصي المتميز الذي ينفرد به كل لاعب يتم أيضاً تحديد الاختلافات وفقاً للمركز والدور الذي يؤديه في الملعب، وتظهر اختلافات شخصية لاعبي كرة القدم حسب مراكزهم داخل الملعب كما يلي:
1. حرّاس المرمى
يتميز حرّاس المرمى بحدسهم ومعرفتهم المستمَدّة من المواقف الملموسة والخبرة المباشرة. إنهم لاعبون يثقون في أنفسهم ويعتقدون أنهم موهوبون وأكُفّاء؛ كما أنهم مبدعون للغاية وقادرون على التواصل مع الآخرين ومهيمنون ويبحثون دائماً عن التحفيز وجذب الانتباه. وعلى الرغم من أنهم لطفاء بشكل عام؛ إلا أنهم يفضلون تلبية احتياجاتهم الشخصية أولاً قبل احتياجات الآخرين.
2. لاعبو خط الوسط
يتميزون بالتفكير الجيد ويميلون إلى معالجة المواقف إلى حد كبير عن طريق المنطق والتحليل؛ وبالتالي يكونون قادرين على اتخاذ القرارات بناءً على حكمهم على الموقف وخبرتهم المباشرة والملاحظة بحسب دراسة من الكلية الرسمية لعلماء النفس بإسبانيا (Official College of Psychologists of Madrid).
يُعد لاعبو خط الوسط الأكثر تعاطفاً في الفريق، وهم قادرون على إقامة علاقات قوية مع اللاعبين الآخرين ويميلون إلى إخفاء مشاعرهم السلبية.
3. المدافعون
يتميزون بأنهم أكثر اللاعبين بديهية، فهم واثقون في أنفسهم وأكُفّاء وموهوبون للغاية. كما أنهم يسعون إلى تحفيز اللاعبين الآخرين ولديهم الدافع لتلبية احتياجات الآخرين أولاً قبل احتياجاتهم الخاصة، ويحاولون الالتزام بالقواعد قدر الإمكان.
4. المهاجمون
يتميزون بأنهم أكثر اللاعبين منهجية؛ أي أنهم منظمون ويسعون إلى المثالية والفعالية والإنجاز. كما أنهم مسيطرون وطموحون وعنيدون وقادرون على تكييف الخبرات الجديدة مع الخبرات الحالية، ويبحثون عن طرق جديدة تمكّنهم من التفوق في الأداء والنتيجة.
هؤلاء اللاعبون يتصرفون بشكل أكثر استقلالية و أقل توافقاً مع ما يمكن التنبؤ به، بالإضافة إلى عدم الامتثال للمعايير العامة أو التقليدية، وبإمكانهم تحمل المخاطر.
على الرغم من أنهم ودودون اجتماعياً ويقيمون روابط جيدة مع اللاعبين الآخرين؛ إلا أنهم أقل دافعاً لتلبية مطالب الآخرين أولاً.
أهمية الثقة بالنفس بين لاعبي كرة القدم
بالإضافة إلى السمات الشخصية المذكورة؛ تظهر الثقة بالنفس كإحدى السمات المهمة في شخصية اللاعبين. وفي هذا السياق أظهرت نتائج دراسة من جامعة لاكشميباي الوطنية للتربية البدنية الهندية (Lakshmibai National University Of Physical Education) والتي حللت عينة من 45 لاعباً في الهند تراوح متوسط أعمارهم بين 18-25 عاماً، وجود اختلاف طفيف في مستويات الثقة بالنفس والعدوان ودافع الإنجاز بين المدافعين ولاعبي خط الوسط؛ إلا أن لاعبي خط الدفاع كانوا أفضل في حالة الثقة بالنفس مقارنةً بلاعبي خط الوسط والمهاجمين.
ويمكن تفسير ذلك بأن المدافعين يتعاملون مع درجة شديدة من الضغط ويقاتلون بشدة. كما أشار الباحثون إلى أن الرياضيين الذين يتمتعون بمستويات أعلى من الثقة بالنفس يبذلون المزيد من الجهد ويقاومون الفشل ويحددون أهدافاً أكثر صعوبة.
من ناحية أخرى؛ أثبت المهاجمون أنهم أفضل في حالة العدوانية، وحافزُ الإنجاز لديهم أعلى مقارنة باللاعبين في المراكز الأخرى كما كانوا أكثر صرامة وانفتاحاً من زملائهم في الفريق الدفاعي.
وأخيراً؛ لا يكتفي اللاعبون بالاعتماد كلياً على قواعد اللعبة وتنفيذ أوامر المدربين بل لكل منهم سماته الشخصية الخاصة التي تجعله فريداً في تأدية هذه الأوامر والالتزام بقواعد اللعبة، ليترك بصمته الخاصة التي لا ينافسه فيها أحد مهما تقاربت أوجه التشابه بين الخطط وطرق اللعب.