يمكن أن يكون القلق مفهوماً نوعاً ما عندما يرتبط بجانب محدد من جوانب حياتك كأن تقلق من فقدان وظيفتك أو انتهاء علاقتك بشريك حياتك؛ لكن عندما يحاوطك القلق من كل اتجاه رغم عدم وجود مسببات منطقية له يصبح حينها اضطراباً نفسياً يُعرف بالقلق العام.
ويتسم هذا النوع من القلق بأن المصابين به لا يستطيعون، مهما بذلوا من جهد، وقف سيطرة القلق على أذهانهم المرهَقة تجاه كل شيء. وتتحول الأحداث العادية إلى أحداث مرعبة، فعدم الرد على صديق يعني أن علاقة الصداقة أصبحت على شفا الانهيار، وتعليق مدير على مهمة قام الشخص بأدائها يمكن أن يجعله يفكر في احتمالية فصله من العمل، لذلك سنكتشف في هذا المقال إمكانية التعافي من القلق العام وكيفيته.
هل اضطراب القلق العام مرض خطِر؟
تعرّف الطبيبة النفسانية جينيفر كاساريلا (Jennifer Casarella)، القلق العام بأنه القلق المبالغ فيه تجاه الأحداث اليومية بغير سبب واضح؛ إذ يميل الأشخاص الذين يعانون من القلق العام إلى توقع حدوث كارثة طوال الوقت إلى درجة تجعلهم يواجهون صعوبات في أداء المهام اليومية مثل الذهاب إلى العمل أو المدرسة أو الانخراط في العلاقات الاجتماعية.
أعراض القلق العام
وتنقسم أعراض القلق العام إلى نفسية وسلوكية وجسدية:
1. الأعراض النفسية
تتمثل أهم الأعراض النفسية وفقاً للمعالجة النفسانية جين ليونارد (Jayne Leonard) في:
- الخوف المستمر الذي لا يمكنك السيطرة عليه تجاه الأحداث العادية.
- التخطيط المفرط والعمل المستمر لاستكشاف الأخطاء وإصلاحها.
- مواجهة الصعوبات في اتخاذ القرارات والخوف الدائم من اتخاذ أي قرار خاطئ.
- وجود مشكلات في التركيز.
- عدم القدرة على الوصول إلى حالة من الاسترخاء والهدوء.
2. الأعراض السلوكية
- التشتت الدائم بين المهام وعدم القدرة على إنهاء مهمة بتركيز؛ ما يضيع الكثير من الوقت في المهام البسيطة.
- إعادة تأدية المهام لأن النتائج لم تكن مثالية.
- تجنُّب المواقف التي تثير القلق مثل التواصل مع الآخرين والتحدث في الأماكن العامة.
- التغيُّب المتكرر عن العمل أو المدرسة نتيجة التعب أو الخوف أو أي أعراض أخرى مرتبطة بالقلق.
- طلب الطمأنينة من الآخرين تجاه مصادر القلق.
3. الأعراض الجسدية
- توتر العضلات.
- المعاناة من الأوجاع والآلام.
- مواجهة صعوبة في النوم.
- الإعياء المستمر.
- خفقان القلب.
- مشكلات الجهاز الهضمي مثل الغثيان أو الإسهال.
- فرط التعرق.
- الحاجة إلى التبول بمعدل زائد عن المعتاد.
كما تصاحب القلق العام أحياناً اضطرابات نفسية أخرى مثل الرهاب أو الوسواس القهري أو القلق الاجتماعي أو الاكتئاب، وكذلك تعاطي المخدرات أو الكحول.
من الجوانب المثيرة للاهتمام أن السبب الدقيق لاضطراب القلق العام يُعد مجهولاً حتى اليوم؛ لكن توجد عوامل محتملة تقف وراءه أهمها وجود تاريخ عائلي للإصابة به، وكذلك اختلافات بنية الدماغ والكيمياء الخاصة به، فاختلال توازن السيروتونين والمواد الكيميائية الأخرى قد يتسبب في الإصابة بالقلق العام واضطرابات القلق الأخرى.
كما يوجد أشخاص تجعلهم سماتهم الشخصية أكثر عرضةً للإصابة بالقلق العام؛ مثل الخجولين أو المتشائمين. وتسهم أيضاً الخبرات الحياتية والعوامل البيئية في ذلك، فوجود تاريخ للصدمات أو الإصابة بمرض مزمن يزيد فرصة الإصابة بالقلق العام لاحقاً.
طرق علاج اضطراب القلق العام
تتعدد أساليب علاج القلق العام، وتنقسم وفقاً للاختصاصية النفسانية ديبورا غلاسوفر (Deborah Glasofer) إلى:
1. العلاج المعرفي السلوكي
يُعد أكثر طرق علاج القلق العام شيوعاً، ويتم من خلال اتباع أساليب مختلفة تركز على تغيير الأفكار والمشاعر والسلوكيات السلبية المتصلة بالقلق لأخرى إيجابية.
2. العلاج الدوائي
تعمل أدوية علاج القلق العام عن طريق التفاعل مع الناقلات العصبية في الدماغ بمنع امتصاص بعض المواد الكيمائية أو تعزيز امتصاص مواد أخرى. ومن أهم أنواع الأدوية التي توصف لمريض القلق العام مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRI) ويتمثل عملها في زيادة مستويات السيروتونين في الدماغ ومنع عملية استرداده من جانب الخلايا العصبية، وأيضاً هناك مثبطات امتصاص السيروتونين والنورإبينفرين (SNRIs) التي تخفف الاكتئاب بتأثيرها في الناقلات العصبية المسؤولة عن تواصل خلايا المخ مع بعضها بعضاً؛ ما يُحدث في النهاية تغييرات في كيمياء الدماغ تحسن المزاج.
ذلك بالإضافة إلى مضادات القلق، ومضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات التي تعمل على منع إعادة امتصاص السيروتونين والنورإبينفرين ما يمنع انخفاض مستوياتهما في الدماغ؛ وبالتالي يسهم في تحسين مزاج الشخص.
3. العلاج الذاتي
يتم عن طريق إدماج بعض التغييرات في حياة المريض مثل ممارسة الرياضة واليوغا وتمارين التأمل، والالتزام بنظام غذائي صحي، والحصول على قسطٍ كافٍ من النوم، وتقليل الكافيين والنيكوتين أو تجنبهما تماماً.
كم يستغرق علاج اضطراب القلق العام؟
يُعد هذا السؤال مهماً بالنسبة إلى المصاب بالقلق العام لكن لا توجد إجابة محددة عنه؛ إنما يخضع الأمر لأسلوب العلاج المتَّبع. فبحسب هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية؛ يُعد العلاج المعرفي السلوكي (CBT) أحد أكثر الأساليب فعاليةً لعلاج القلق العام وقد تستغرق الجلسات في حال المواظبة على حضورها أسبوعياً بين 3-4 أشهر.
ومن الأساليب المتفرّعة عن العلاج المعرفي السلوكي أسلوب الاسترخاء التطبيقي، ويستخدم فيه المعالج بعض تقنيات الاسترخاء. وفي حال حضور جلسة لمدة ساعة واحدة أسبوعياً يمكن أن تصل مدة العلاج إلى 4 أشهر.
أما الاختيار الأخير في حال لم تُجدِ أساليب العلاج المعرفي السلوكي نفعاً، فيكون العلاج الدوائي بوصف الطبيب النفساني مجموعة أدوية تتراوح فترة تناولها بين 3-6 أشهر.
هل يوجد علاج نهائي لاضطراب القلق العام؟
يمكن أن يؤتي علاج القلق العام نفعاً مع المصابين به بشكل كبير؛ لكن قد تشتد أعراضه أو تخف وفقاً لمدى تعرض المريض لأحداث عصيبة. لكن في الأحوال كلها يظل الالتزام بالخطة العلاجية الشاملة حتى خلال اشتداد الأحداث الحياتية المرهقة بمثابة حائط صد أمام تمكن القلق من المريض، لأنه في حال تركه دون علاج سيتفاقم ويتحول إلى مرض مزمن على المدى البعيد يعطل حياته.
وأخيراً؛ يُعد القلق العام أحد الاضطرابات النفسية التي تجهد المصاب به بشكل كبير نتيجة عدم مقدرته على تحديد مصدر رئيسي للقلق حتى يعمل على مواجهته. لكن المثير للتفاؤل أن الأساليب العلاجية أثبتت نجاحها في مساعدة المريض على الخروج من تلك الحالة التي تسلبه حياته، لذا إن كنت تعاني من أحد أعراض القلق العام فخذ خطوتك الأولى للعلاج حتى توقف استنزافه لك نفسياً وجسدياً.