يتسم الأشخاص ذوو الشخصية المتصلبة بميلهم الشديد إلى التمسك بآرائهم وفرضها على من حولهم في الحياة الشخصية والمهنية وعدم قبول أي معارضة لها، فما تفسير هذا السلوك؟
ما تفسير سلوك الشخصية المتصلبة؟
سواء كان يريد الخروج مع الآخرين إلى المطعم أو السينما فهو يريد أن يفرض عليهم الطعام الذي سيتناولونه والفيلم الذي سيشاهدونه. ينظر الإنسان ذو الشخصية المتصلبة نظرة ثنائية اللون إلى العالم من حوله ويرفض أن يرى الفروق الدقيقة بين الأمور. وعلى الرغم من أن مصطلح الشخصية المتصلبة يُستعمل للإشارة إلى التسلط والعناد والسعي نحو الكمال فإن هذه السلوكيات تخفي في الحقيقة ضعفاً وهشاشةً كبيرَين لدى صاحبهما.
عدم الثقة بالآخرين
تتميز الشخصية المتصلبة سواء في الحياة الشخصية (مع الزوج أو الأصدقاء) أو المهنية بعدم المرونة وعدم تقبل آراء الآخرين ورفض التغيير ولا يرجع ذلك بالضرورة إلى شدة غرور الشخص المتصلب بل حاجته إلى الشعور بالأمان من خلال فرض سيطرته وآرائه. تقول لبنى ذات الـ 33 عاماً: "أشعر بالقلق حيال تنفيذ أصغر مشروع وأحرص على الاهتمام بكل التفاصيل، فعندما نريد الخروج لتناول العشاء مثلاً أخطط للأمر كما لو كنت وحدي المعنية به ولا أترك مجالاً لزوجي أو ابني لإبداء أي رأي". ينظر الإنسان ذو الشخصية المتصلبة إلى الآخرين دائماً على أنهم خصوم يهددون بإفساد خططه وخرق استقلاليته.
محاولة للهروب من المشاعر
يُعد التصلب النفسي آلية دفاعية يستخدمها المرء للهروب من مشاعره في عالم "معادٍ" بالنسبة إليه. يقول مازن ذو الـ 37 عاماً: "لا أستطيع التعبير عن مشاعري بأريحية ولا سيما تجاه زوجتي، ويبدو أنني أحاول دائماً كبح هذه المشاعر خوفاً من أن تسيطر عليّ". ومن هنا تأتي رغبة الشخص المتصلب نفسياً في التمسك بقواعد صارمة تجنباً لكل ما هو غير متوقع، ويقول مختص علم النفس جاك فان ريلار (Jacques Van Rillaer): "في أغلب الأحيان يتخذ هؤلاء الأشخاص من آبائهم قدوةً ومن ثم فهم يتابعون التقيد بالقواعد التي كانت تُملى عليهم في الطفولة لأن ذلك يُشعرهم برضا كبير".
الخوف من الهجر
يشعر الأشخاص المتصلبون نفسياً بالضيق والخوف عند أدنى خروج عن عاداتهم ويتولد لديهم انطباع بأن "نظامهم" الذاتي سينهار، ولذلك فإنهم يهربون من مخاوفهم من خلال محاولة توقع ما سيحدث بصورة مستمرة. تقول سوسن ذات الـ 44 عاماً: "أنا لا أستطيع تحمل وجود أي غرض في غير مكانه، وأقضي وقتي مساءً في التخطيط لليوم التالي". يقول مختص علم النفس ومؤلف كتاب "كيف تخلصت من نفسي" (suis débarrassé de moi-même )، باتريك إستريد (Patrick Estrade): "يخاف هؤلاء الأشخاص التعرض للهجر، ويمثل التغيير فقدان الهوية بالنسبة إليهم ولذلك فهم يُلزمون أنفسهم بعادات صارمة ومن الملاحَظ أن الكثير منهم يعاني القلق المرضيّ نتيجة رغبته في السيطرة على جسده أيضاً".
نصيحة للمحيطين بصاحب الشخصية المتصلبة
يعاني الإنسان ذو الشخصية المتصلبة من الخوف والقلق وتؤدي مواجهته بصورة مباشرة إلى إضعافه أكثر لذلك فإن الحوار هو أفضل طريقة للتعامل معه، مع تقبل بعض سلوكيات تأكيد الذات من جانبه وتشجيعه على تجربة طرق ووسائل أخرى لمعالجة الأمور.
هكذا أصبحتُ شخصاً أكثر مرونةً
يقول هشام ذو الـ 39 عاماً: "لطالما رغبت في السيطرة على كل شيء وتجنب المفاجآت. على سبيل المثال أنا لا أحب الحيوانات لأنه لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها، وعلى الرغم من أنني أعشق طفلي فإن تصرفاته العفوية والمفاجئة تُشعرني بعدم الراحة أيضاً. ولأنني وجدتُ نفسي مجبراً على التغير والتكيف عند قدومه فقد عانيت الاكتئاب وخضعتُ للعلاج فأدركتُ أن السبب الرئيسي لمعاناتي كان افتقاري إلى المرونة النفسية، ومنذ ذلك الحين أصبحتُ أكثر تسامحاً مع زوجتي وأكثر تقبلاً لجانبها الفوضوي. ومن جهة أخرى فقد صرتُ أهتم بصحتي الجسدية أكثر فآخذ قيلولةً كلما شعرتُ بالتعب مثلاً وهو أمر لم يكن بإمكاني تصوره في السابق. وعلى الرغم من أن الطريق أمامي ما زال طويلاً، فإن التدرب على عيش اللحظة الحالية ساعدني كثيراً على تخفيف قلقي".