5 حقائق مهمة حول مضادات الاكتئاب وتأثيرها في المخ

5 دقائق
تناول مضادات الاكتئاب

حين يتعلّق الأمر بالصحة العامة وسلامة الأشخاص، تصبح المسؤولية أكبر على عاتق مقدمّي الرعاية الصحية، فالسؤال: "هل يؤثر تناول مضادات الاكتئاب في المخ؟" الذي يمكن أن يتبادر إلى ذهن أي شخص مقدمٍ على علاج الاكتئاب عن طريق الأدوية هو سؤال منطقي ومشروع تماماً، وبخاصةً أن أي دواء له تحذيرات وحالات معينة يجب عدم المخاطرة بأخذه بسببها.

لكن الإصابة باضطراب اكتئابي أيضاً تضع صاحبها في "عجلة الهامستر" نتيجة الأعراض المتتالية التي يمكن أن تقوّض تماسك جميع جوانب حياته، لذلك تؤدي مضادات الاكتئاب دوراً لا يُستهان به في تحسين الحالة النفسية للمريض.

وبالرغم من أهميتها؛ يبقى الاطلاع على أي تأثيرات جانبية أو أضرار يمكن أن يسببها تناول مضادات الاكتئاب ضرورياً، وهو ما سيقدّمه هذا المقال في 5 حقائق مهمة حول الأدوية الأكثر استخداماً لعلاج الاضطرابات الاكتئابية.

كيف يؤثر الاكتئاب في المخ؟

انكماش العديد من المناطق في الدماغ

تحدث تغيّرات فيزيولوجية على مستوى العديد من المناطق في دماغ الشخص المصاب بالاكتئاب، وذلك حسب حدة وطول مدة الإصابة.

يتسبب الاكتئاب في رفع مستويات هرمون الكورتيزول في منطقة الحُصين (Hippocampus) في الدماغ؛ وهي المنطقة المسؤولة عن تكوين الروابط العصبية انطلاقاً من مجموع التفاعلات والخبرات والذكريات التي نعيشها. ويعيق الكورتيزول المرتفع نمو الخلايا العصبية في الدماغ؛ وبالتالي يسبّب انكماش الدوائر الدماغية التي تسهم في إضعاف وظيفة الجزء المصاب وتقلُّصها.

أما المِهاد (Amygdala)؛ وهو الجزء الدماغي الذي يشارك في إدراك العواطف والمدارك الحسية والاستجابات السلوكية المرتبطة بالخوف والقلق وتقييمها، فيتضخم حجمه بسبب ارتفاع مستوى هرمون الكورتيزول المصاحب للإصابة بالاكتئاب؛ ما يؤدي إلى مشكلات تخص اضطرابات النوم وتقلب المزاج وغيرها من المشكلات المتعلقة بالهرمونات.

التهاب الدماغ

يفترض الباحثون وجود رابط وثيق بين الاكتئاب والتهاب الدماغ بالرغم من عدم وجود أدلة علمية قوية على ذلك؛ إذ أظهر بعض الدراسات أنّ الإصابة بالتهاب دماغي لدى الأشخاص الذين عانوا من الاكتئاب لأكثر من عشر سنوات، أكثر بنسبة 30% مقارنة بالذين عانوا منه لفترة أقصر.

ويسبّب التهاب الدماغ موت الخلايا والناقلات العصبية وتقليل المرونة العصبية؛ ما يؤدي إلى ظهور مشكلات إدراكية لدى الشخص المصاب.

تقييد امتصاص الأكسجين

يؤدي النقص الطفيف في الأكسجة (أي انخفاض مستوى الأوكسجين في الدم عن المستوى الطبيعي) إلى إعاقة وظائف المخ؛ حيث يُظهر الأشخاص الذين يعانون من نقص الأكسجة البسيط سوء تقدير بعض الأمور، وانخفاض في المهارات الحركية، وفقدان الذاكرة. وقد ربط العلماء الاكتئاب بتغير أنماط التنفس وبالتالي انخفاض نسبة امتصاص الأكسجين لدى المصاب، لذا قد تؤدي الإصابة الطويلة باضطراب اكتئابي إلى التهاب وتلف خلايا الدماغ بسبب نقص مستوى الأكسجين.

اقرأ أيضاً: تعرف إلى إجابات أهم 5 أسئلة عن مضادات الاكتئاب

كيف تحسّن مضادات الاكتئاب من الحالة المزاجية لمريض الاكتئاب؟

يُعتبر السيروتونين إحدى أهم المواد الكيميائية التي تحمل الإشارات بين الخلايا العصبية في الدماغ؛ لكن نقص هذه المادة في الدماغ قد يسبّب الاكتئاب واضطرابات نفسية وعقلية أخرى حسب ما يعتقده العلماء.

لذا يصف الطبيب النفسي في أغلب الحالات التي يعاني فيها المريض من اضطراب اكتئابي، مضادات الاكتئاب المعروفة بمثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، لأنها تعالج أعراض الاكتئاب عن طريق زيادة مستويات السيروتونين في الدماغ من خلال تثبيط (أي منع إعادة امتصاص) السيروتونين.

ما يعني توفير المزيد من هذه المادة الكيميائية المهمة لتمرير الرسائل بين الخلايا العصبية القريبة. والمزيد من السيروتونين يعني المزيد من السعادة، فهو معروف بـ "هرمون السعادة" غير أنه بالنسبة لمريض الاكتئاب لا يعني القفز من السعادة بل تعديل حالته المزاجية فقط على الأقل لدرجة تجعل حياته تسير بشكل طبيعي، فلا تتوقّف تلك السيرورة الطبيعية جرّاء اكتئابه.

وتكون مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية عادة هي الخيار الأول لعلاج الاكتئاب بسبب قلة تأثيراتها الجانبية مقارنة مع معظم الأنواع الأخرى من مضادات الاكتئاب.

هل تضعف مضادات الاكتئاب التركيز؟

وبينما يمكن أن يؤدي الاكتئاب بحد ذاته إلى الإرهاق ومشكلات التركيز، يمكن بالفعل أن تُشعر مضادات الاكتئاب الشخص بقلة الانتباه أو القدرة على التركيز، وبخاصة عند أخذها لأول مرة ما قد يؤثر في القيادة ومهام أخرى تتطلب التركيز.

لا توجد دراسات تؤكّد تأثير أدوية اكتئاب بعينها في التركيز بَعد؛ لكن هناك بعض الاقتراحات المبنية على ملاحظات الأطباء والباحثين تطرح احتمالية وجود تأثيرات جانبية لمضاد الاكتئاب فلوكستين (Fluoxetine) و المتمثلة في إضعاف الوظائف الإدراكية كالتفكير والذاكرة والتركيز.

هل تُعتبر مضادات الاكتئاب مخدرات؟

يؤكد الخبراء من هيلث لاين (Healthline) إن مضادات الاكتئاب لا تسبب الإدمان ولكن تجدر استشارة الطبيب قبل التوقف عن أخذها تجنباً لآثارها الجانبية.

بينما يقول الخبراء من مركز الإدمان (Addiction Center) إن مضادات الاكتئاب يمكن أن تسبب اعتماداً جسدياً؛ وذلك ما يظهر في أعراض الانسحاب عند التوقف المفاجئ عن أخذها أو تقليل استخدامها. لكن نجد أن الأطباء بشكل عام لا يعتبرون مضادات الاكتئاب كنوعٍ من المخدرات يسبّب الإدمان بالمعنى التقليدي.

هل لمضادات الاكتئاب أضرار؟

وفقاً للخبراء من موقع هيلث هارفارد بابليشينغ (Harvard Health Publishing)؛ لا يوجد علاج طبي دون مخاطر. وبينما تُعتبر مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية من بين أكثر مضادات الاكتئاب أمناً للاستخدام، يوجد بالفعل بعض الآثار الجانبية التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار بالرغم من أنها عادة ما تكون مؤقتة أو خفيفة؛ وتتمثل في الأرق، والطفح الجلدي، والصداع، وآلام المفاصل والعضلات، واضطراب المعدة، والغثيان أو الإسهال.

لكن أكبر المخاطر حسب المعلومات الصادرة عن هارفارد هيلث ببليشينغ يكمن في انخفاض مستويات عوامل التخثر في الدم، وبخاصة بالنسبة إلى الأشخاص الذين يتناولون الأسبرين أو غيره من مضادات الالتهاب (NSAIDs) مثل الإيبوبروفين والنابروكسين.

الأضرار المحتمَلة لمضادات الاكتئاب

وتشمل بقية الأضرار المحتمَلة لمضادات الاكتئاب الآتي:

  • التأثيرات الجانبية نتيجة التوقّف غير التدريجي: يسبّب التوقّف الفجائي أو الذي يقوم به المريض دون استشارة طبيبه، بعض الأعراض المشابهة لأعراض الأنفلونزا والتهيج والقلق ونوبات البكاء، إضافة إلى أعراض أخرى محتمَلة مثل الدوخة، وفقدان التنسيق، والتعب، وعدم وضوح الرؤية، والأرق. ويمكن أن تكون الأعراض خفيفة أو شديدة، لذلك يُنصح دائماً بالتوقّف التدريجي عن تناول مضادات الاكتئاب تحت استشارة الطبيب.
  • تقليل الرغبة الجنسية: تقلل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية من الاهتمام أو الرغبة الجنسية لدى العديد من المرضى، وأغلبهم من الرجال، بينما تؤخر أو تمنع النشوة الجنسية لدى النساء. ويمكن للطبيب المعالج خفض الجرعة أو تعديل الوصفة الدوائية بطريقة تجنِّب المريض الآثار الجانبية الجنسية.
  • التفاعل مع أدوية أخرى: يمكن أن يُحدث الجمع بين عقارين يعززان نشاط السيروتونين حالة نادرة تسمى متلازمة السيروتونين (Serotonin Syndrome)؛ حيث يشعر الشخص بتسارع ضربات القلب، والتعرق، وارتفاع درجة الحرارة، وارتفاع ضغط الدم، والهذيان في بعض الحالات. كما يمكن أن يسبب التداوي الذاتي بالأعشاب نفس الحالة، لذلك ينبغي دائماً إعلام الطبيب المختص في حالة تعاطي أدوية أو علاجات أخرى؛ إذ يمكنه تغيير الجرعة أو وقف أحد الدوائين درءاً لحدوث أي تفاعل غير مستحب بينهما.
  • احتمال تحفيز أفكار انتحارية: يقدَّر معدل الانتحار لدى الأشخاص المصابين بالاكتئاب الحاد بنسبة 15%؛ لكن هناك جدلاً حول إمكانية تحفيز المخاطر الانتحارية لدى الشخص عند تناوله لمثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs) إذ أطلقت إدارة الغذاء والدواء في عام 2004 ما يُعرف بـ "تحذير الصندوق الأسود" على هذا النوع من مضادات الاكتئاب، جرّاء خطر تحفيز الأفكار الانتحارية والعداء والانفعالات لدى الأطفال والمراهقين والشباب، وما يزال هذا التحذير قائماً.

اقرأ أيضاً: كيف تؤثر مضادات الاكتئاب على جودة الحياة المرتبطة بالصحة؟

بالتأكيد لا ينبغي للوعي بمخاطر وتأثيرات تناول مضادات الاكتئاب الجانبية بثّ الخوف في نفس المريض من استخدامها طلباً للعلاج، فالإصابة بالاكتئاب تشكّل خطورة أكبر على جودة الحياة، وقد تؤدي أحياناً إلى إنهائها. ولكن التقدّم الطبي وطرق الرعاية في الصحة النفسية يوفران علاجات أخرى أيضاً إلى جانب العلاج الدوائي، فالعلاج الكلامي يساعد كثيراً، ويمكن دائماً الحصول على دعم الطبيب المعالج وتوجيهه في أثناء العلاج بمضادات الاكتئاب أو حتى حين يتم الاستغناء عنها لعلاج الاكتئاب دون أدوية.

المحتوى محمي