دليلك الشامل حول التأتأة أو التلعثم

5 دقيقة
التأتأة أو التلعثم

ربما تكون شاهدت فيلماً أحد أبطاله مصاب بالتأتأة لكن السؤال المهم هو: هل نجح في نقل صورة حقيقية صادقة عن المصابين بهذا الاضطراب؟ فللأسف ينتشر الكثير من الخرافات عن أسباب الإصابة بالتأتأة أو التلعثم وكيفية التعامل مع المصابين به ما يزيد معاناتهم في الحياة اليومية.

وقد أدى ذلك إلى تخصيص يوم 22 أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام لزيادة الوعي باضطراب التأتأة أو التلعثم في مختلَف دول العالم؛ إذ أنه رغم قِدم المرض إلا أن الجهل بعلاجه أدى لوقوع الكثير من الأخطاء بحق مرضاه.

على سبيل المثال؛ في العصر الروماني اعتُبر التلعثم دليلاً على انخفاض الذكاء ما تسبب في استبعاد الإمبراطور كلوديوس من منصبه، أما في القرن التاسع عشر في أوروبا فقد أوصى الجراحون بإزالة اللهاة وهي الجزء المتدلي في نهاية الحلق عند الأشخاص المتلعثمين لعلاجهم ما أدى لنزيف بعضهم حتى الموت.

ونظراً لأنه بحسب الرابطة الوطنية الأميركية للتلعثم هناك 1% من سكان العالم مصابون بالتلعثم، فمن الضروري توضيح جميع الجوانب المتعلقة بهذا الاضطراب مثل أسبابه وأعراضه وكيفية تشخيصه وعلاجه.

هل التأتأة اضطراب نفسي؟

تعرّف اختصاصية التلعثم كاثرين مونتغمري (Catherine Montgomery) التلعثم بأنه خلل مزمن في طلاقة اللسان ينتج منه حدوث انقطاع في سلاسة الحديث بتكرار الكلمة أو جزء منها، إلى جانب حدوث تمدد غير طبيعي للصوت أو المقاطع اللفظية، وقد يحدث ذلك مصحوباً بتوتر عضلي وتشنجات في الوجه.

ويُصنَّف التلعثم حالياً باعتباره اضطراباً نفسياً وذلك أمر يثير الاختلاف في الأوساط العلمية، فوفقاً لأستاذ الطب النفسي في جامعة كاليفورنيا الأميركية (University of California)، جيرالد مغواير (Gerald Maguire) فهناك عدة عوامل تسبب التلعثم مثل عامل الوراثة وكذلك العامل العصبي والعامل البيئي، لذلك يُعد اعتبار التلعثم اضطراباً نفسياً دماغياً جنباً إلى جنباً مع الفصام والاضطراب ثنائي القطب فكرة تثير الجدل.

وذلك بحسب وجهة نظر مغواير يؤدي لزيادة وصم المصابين بالتلعثم بالعار، وهو في كل الأحوال يؤكد أن التلعثم لا ينتج بشكل أساسي من مشكلات عاطفية أو نفسية وهو أيضاً ليس علامة على انخفاض الذكاء؛ حيث يزيد مستوى ذكاء المتلعثمين بـ 14 نقطة عن المتوسط. وفيما يتصل بالجانب النفسي المتعلق بالتلعثم، فيمكن أن يتفاقم التلعثم نتيجة القلق أو التوتر؛ كما يمكن أن يكون القلق والتوتر نتاجاً للتلعثم.

وحتى لا نبتعد عن إجابة التساؤل الأساسي حول اعتبار التأتأة اضطراباً نفسياً، فالأمر شديد التعقيد ولا يمكننا الإجابة عنه بـ "نعم" أو "لا"!

وحسب أستاذ أمراض النطق واللغة بجامعة تورنتو الكندية (University of Toronto) لوك دي نيل (Luc De Nil) فالتلعثم له مسببات بيولوجية ونفسية، وتقبع وراء الإصابة به عوامل متنوعة فالأطفال الذين يتلعثمون يكون لديهم استعداد لضعف الطلاقة في الحديث، إلى جانب عوامل محفزة أهمها التعرض للصدمات العاطفية والإصابة بالقلق التوقعي والعيش في بيئة ضاغطة.

يلخص لنا المحلل النفسي بيتر وولسون (Peter Wolson) ما سبق في إشارته إلى أن التركيز على الأسباب البيولوجية للتلعثم يستبعد الدور المؤثر للصدمات العاطفية أو الصراعات الداخلية التي يعيشها الشخص، وأن اعتباره اضطراباً بيولوجياً بالكامل هو وصف غير موضوعي وقد يكون مضللاً أحياناً، لذا يمكن اعتبار التلعثم مزيجاً بين المرض البيولوجي والنفسي بصورة يصعب فصلها.

أسباب التأتأة

مثلما أوضحنا مسبقاً لا توجد أسباب دقيقة متَّفق عليها للتلعثم لكنها مجموعة من الأسباب المحتملة في مقدمتها الجانب الوراثي؛ وهو ما يؤكد عليه أستاذ الطب النفسي في جامعة كاليفورنيا الأميركية جيرالد مغواير بقوله أن وجود تاريخ عائلي للإصابة بالتلعثم يجعل معدل الإصابة أعلى بكل تأكيد، لكن حتى اليوم لم يتم تحديد الجين المسبب في التلعثم.

يستكمل مغواير شرحه بإشارته إلى أن نشاط الدوبامين الزائد في الدماغ قد يؤدي للإصابة بالتأتأة؛ كما يمكن أن تكون التأتأة نتيجة وجود مناطق غير نشطة في الجزء المسؤول عن الكلام في نصف الكرة المخية الأيسر.

هناك جانب معقد أيضاً يتسبب في الإصابة بالتلعثم يتمثل في أن الأشخاص الذين يكون لديهم تقلص في عضلات الكلام يصابون بالتأتأة بشكل لا إرادي؛ لكن في ظل التنمر الذي قد يمارَس عليهم تسوء صحتهم النفسية بارتفاع احتمالية إصابتهم باضطرابات الشخصية إلى جانب زيادة معدلات القلق والتوتر بينهم؛ ما قد يزيد احتمالية تحول التلعثم إلى اضطراب مزمن لديهم.

وتؤدي العوامل النفسية بحسب طبيب الأمراض العصبية تيم نيومان (Tim Newman) إلى زيادة معدل التلعثم؛ إذ يجعل التوتر والقلق التلعثم أكثر وضوحاً لكن عادةً لا يكونان السبب الرئيسي للإصابة إنما هما عوامل محفزة تُظهر المرض أكثر.

ويشير نيومان بصفته طبيب أمراض عصبية إلى أن التلعثم يمكن أن ينتج من اضطراب الإشارات بين الدماغ والأعصاب والعضلات المسؤولة عن الكلام، وهذا ما يبرر إصابة الأطفال والبالغين بالتلعثم بعد إصابتهم بالسكتة الدماغية أو الأورام الدماغية أو التهاب الأغشية السحائية أو الأمراض التنكسية مثل داء باركنسون.

أخيراً يوجد سبب مؤثر لكنه غالباً لا يناقَش كثيراً ألا وهو جهل الوالدين بهذا الاضطراب ما يجعلهم ينساقون أحياناً عند تلعثم أحد أطفالهم وفقاً لأستاذ أمراض النطق واللغة بجامعة تورنتو الكندية لوك دي نيل (Luc F. De Nil) وراء النصائح الشعبية الرائجة؛ مثل أن الطفل سيتغلب تلقائياً على صعوبات النطق التي يواجهها دون مساعدة، وأن ذلك أمر طبيعي لا يستدعي القلق.

أعراض التأتأة

يوجد العديد من الأعراض الشائعة للتأتأة أهمها:

  1. المعاناة من مشكلات في بدء الكلمة أو الجملة.
  2. التردد قبل النطق بأصوات معينة.
  3. إطالة بعض أصوات الكلام.
  4. خروج الكلام على دفعات.
  5. الصمت القصير بين بعض الأصوات أو الكلمات.
  6. إضافة كلمات أو أصوات قصيرة بين الجمل للانتقال بينها.
  7. القلق من الحديث.
  8. عدم القدرة على التواصل بفعالية.

إلى جانب بعض الأعراض الجسدية الظاهرة؛ ومنها:

  1. توتر الوجه أو تشنجه عند الحديث، وحدوث حركات لا إرادية فيه.
  2. رعشة الشفتين أو الفك.

تشخيص التأتأة

يشير المعهد الوطني الأميركي للصَّمم وأمراض التخاطب إلى أن الشخص المسؤول عن تشخيص التأتأة هو اختصاصي النطق والتخاطب الذي سينظر إلى العديد من الجوانب مثل تاريخ النشأة في الطفولة، وتحليل سلوكيات التأتأة وتقييم قدرات الكلام واللغة.

ويمكن لاختصاصي النطق والتخاطب أن يستعين بالعديد من التقييمات التي تقيس معدل الكلام والمهارات اللغوية ويتم اختيارها وفقاً لعمر الشخص وتاريخه المرضي؛ ومنها يستطيع تحديد إذا كان الاضطراب طويل المدى أو يمكن علاجه.

طرق علاج التأتأة

تختلف طريقة العلاج المتَّبعة مع المصاب باضطراب التأتأة بحسب مرحلته العمرية، فمثلاً عند علاج الأطفال قد يمنع العلاج المبكر تحول التأتأة إلى مشكلة مزمنة، وذلك باتباع الاستراتيجيات المختلفة التي تطور طلاقتهم الكلامية؛ ومنها توفير بيئة منزلية مريحة والاستماع إلى الطفل باهتمام والتركيز على ما يقوله بدلاً من تصحيح حديثه أو مقاطعته، إلى جانب التحدث معه ببطء فينعكس ذلك في تقليل الضغط الذي يتعرض له أثناء حديثه.

أما عند المراهقين فهناك أساليب أخرى يمكن اتباعها مثل العلاج الدوائي الذي يعد شائعاً برغم أن إدارة الغذاء والدواء الأميركية لم توافق حتى اليوم على أي دواء لعلاج التلعثم؛ لكن تُستخدم أدوية الصرع أو القلق أو الاكتئاب التي غالباً ما تكون لها آثار جانبية تجعل من الصعب استخدامها لفترة زمنية طويلة.

وقد يستخدم بعض الأشخاص الذين يعانون من التلعثم أجهزة إلكترونية تساعدهم على الحديث بطلاقة؛ مثل المعينات السمعية التي يتم تركيبها داخل الأذن أو حولها وتعمل على تحسين طلاقة اللسان عن طريق تقنيات متعددة؛ كما توجد تطبيقات على الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر تقوم بدور مشابه لكن قد يكون من الصعب استخدامها في الحياة اليومية.

وهناك أساليب متعددة يمكن أن يستخدمها اختصاصي النطق والتخاطب مع المصابين بالتأتأة بحسب الطبيبة النفسية جين ليونارد (Jayne Leonard) مثل تمرينهم على التحدث ببطء وإعطائهم إرشادات لإدارة المواقف التي يزداد تلعثمهم فيها، إلى جانب أن العلاج المعرفي السلوكي قد يجدي نفعاً من خلال العمل على تحسين مهارات التواصل والتدرب على تقنيات الاسترخاء.

ربما يكون من الصعب على الأشخاص الذين لم يسبق لهم القراءة عن التأتأة معرفة الطريقة الأمثل للتعامل مع من يتلعثمون لذلك إليك بعض الإرشادات النافعة:

  1. تجنّب إكمال الجمل لهم وقدّر أنهم يبذلون جهداً مضاعفاً للحديث.
  2. امنحهم وقتاً كافياً للحديث دون مقاطعتهم.
  3. لا تطالبهم بالحديث بشكل أسرع أو أبطأ.
  4. أظهِر اهتمامك بما يقولون وعزز التواصل البصري معهم.

وتذكّر دوماً أن الشخص الذي يتلعثم له الحق في التواصل مثلك تماماً لذلك لا تركز على الكيفية التي يتحدث بها إنما ركز على ما يود قوله.

المحتوى محمي