يعاني المحقق إيدي فيلانت في فيلم الواقع والكرتون "من ورّط الأرنب روجر؟" (?Who Framed Roger Rabbit)، حالة تنافر معرفي، وسنحاول من خلال اتخاذ شخصيته كمثال أن نوضح لكم هذا المفهوم.
التنافر المعرفي هو مفهوم قدمه ليون فستنغر في عام 1957 في كتابه "نظرية التنافر المعرفي" (A theory of cognitive dissonance) وبرز المفهوم كثيراً منذ ذلك الحين في العديد من دراسات علم النفس وعلم النفس الاجتماعي. وكتعريف بسيط للتنافر المعرفي: يدل التنافر على عنصرين غير متوافقين، أما المعرفة فتشير إلى الآراء والسلوكيات والأفكار التي يكتسبها الفرد. ومن ثم فإن التنافر المعرفي هو حالة من التوتر الواعي أو اللاواعي التي تصيب الفرد عندما يواجه فعلين أو فكرتين متناقضتين لا يتمكن من التوفيق بينهما.
ولكي نفهم هذه الحالة فهماً أفضل؛ سنأخذ شخصيةً من أحد الأفلام تعاني حالة تنافر معرفي، لنرى إلى أي درجة يمكن أن تؤثر هذه الحالة في الإنسان وما الطرق التي يستخدمها عادةً للحد منها. في فيلم "من ورّط الأرنب روجر؟" يلتقي المحقق الخاص إيدي فيلانت صاحب استوديوهات مارون للرسوم المتحركة الذي يدعى آر. ك. مارون، ويطلب منه الأخير التحقيق مع زوجة الأرنب روجر، فيرفض إيدي فيلانت في البداية لأنه لا يريد العمل لدى شخصية كرتونية، ثم نعلم أن شقيقه الذي كان محققاً أيضاً قد قُتل على يد شخصية كرتونية، وهو سبب عدم رغبته في الاقتراب من أي من هذه الشخصيات أو العمل لصالحها.
ويظهر لدينا هنا الموقف التالي: لا يريد المحقق التعامل مع الشخصيات الكرتونية لأنهم قتلوا أخاه، وهو في الوقت ذاته يبحث عن الأرنب روجر لإنقاذه لأنه يعتقد أنه وقع في فخ ما. يرى فستنغر في كتابه أن شدة التنافر المعرفي تعتمد على عاملين أساسيين وهما: أهمية المعارف بالنسبة للفرد ومدى ارتباطها بقيمه الأساسية،وعدد المعارف المتنافرة التي كلما ازدادت ازدادت معها شدة التنافر أيضاً. وفي مثالنا، لا يريد إيدي فيلانت العمل مع الشخصيات الكرتونية لأن إحداها قتلت شقيقه، وهو ما ينطبق على العامل الأول أي ارتباط المعرفة بشدة بالقيمة الأساسية لدى الفرد، ومن ثم فإن التنافر المعرفي الناتج سيكونشديداً بدوره في هذه الحالة.
ويمكن ملاحظة علامات التنافر المعرفي من خلال عدة سلوكيات كالتهيج والهروب من الواقع والعدائية وغيرها من المظاهر التي تمثل إشكاليةً حقيقيةً لأفراد المجتمع في حياتهم اليومية.
أما الآن فسنرى كيف سيسمح لنا فيلانت بتوضيح نظريات فستنغر لتقليل التنافر المعرفي. خلص فرويد منذ عام 1915 إلى أن البشر يسعون دائماً لتحقيق حالة نفسية متوازنة أي خالية من التوترات النفسية أو الجسدية، وشاركه فستنغر الملاحظة ذاتها؛ إذ رأى أن الإنسان يسعى دائماً إلى الوصول لحالة من التوافق المعرفي أي التوفيق بين أفكارهوقيمه للحد من حالة التنافر بينها.
ويمكن الحد من حالة التنافر المعرفي من خلال 3 طرق وهي:
- تغيير السلوك المعرفي احتراماً للموقف.
- تبرير السلوك من خلال تعديل المعارف المتناقضة.
- تبرير السلوك من خلال إضافة معارف أو معلومات جديدة تتجاوز الأفكار المتنافرة.
وبالعودة إلى ما أثار التنافر المعرفي لدى المحقق فيلانت فقد كان:
1. موقفه من الشخصيات الكرتونية من ناحية، فهو لا يريد التعامل معها لأنها قتلت أخاه.
2. السلوك المعاكس لموقفه من ناحية أخرى وهو العمل لمصلحتها. لذا يتخذ إيدي فيلانت السلوكيات التي تتنافر مع قيمه ولكنه يحاول تبريرها بعدة طرق؛ منها التذرع بالصعوبات المالية أو قول حقائق زائفة أو حتى الاستناد إلى قيم أخرى أعلى من القيمة التي تتنافر مع سلوكه.
لخصنا في هذا المقال مفهوم التنافر المعرفي، وفيما يلي كتابان يُنصح بقراءتهما للاطلاع على الموضوع بصورة أوسع: "أخطاء الآخرين وتبرير الذات وفضائله وآثامه" (Les erreurs des autres - L'autojustification, ses ressorts et ses méfaits) من تأليف كارول تريفيس وإليوت أرونسون، و"نظرية التنافر المعرفي" (A Theory of Cognitive Dissonance) لليون فستنغر؛ كما أنصح بمشاهدة فيلم "الحراس" (Watchmen) الذي يقدم أمثلةً فعليةً على حالة التنافر المعرفي، وتختلف نتائج كل موقف باختلاف شخصياته.