ما الذي جعل علم الأنساب النفسي يزدهر مؤخراً؟

علم الأنساب
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تحفل رفوف المكتبات بالعديد من الكتب التي تتناول علم الأنساب النفسي، وهو أسلوب علاجي يتمحور حول فهم المعاناة النفسية للفرد من خلال البحث في ماضي عائلته، وقد شهد هذا الأسلوب ازدهاراً كبيراً في السنوات الماضية ولا سيما منذ بداية جائحة كوفيد-19. من خلال السطور التالية نسلّط الضوء على أسباب انتشار طريقة علم الأنساب النفسي على نطاق واسع.

تقول مؤلفة ما يقرب من 15 كتاباً في علم الأنساب النفسي إليزابيث هوروفيت: “يُعنى علم الأنساب النفسي بدراسة تأثير حياة أسلافنا في حياتنا اليوم”. باستخدام مخطط الأنساب، وهو أحد نماذج الأشجار العائلية، يحاول المعالج تصور تاريخ عائلة المريض من خلال العودة إلى ما لا يقل عن جيلين أو ثلاثة إلى الوراء. ويرتكز علم الأنساب النفسي على مبدأ مفاده أن الصدمات والأحداث التي عايشها الأسلاف ولم يُفصح عنها تؤثر في عدة أجيال سواء كان هذا التأثير نفسياً أو جسدياً، ووفقاً للتحليل النفسي عبر الأجيال فإنه يمكن تفسير الصعوبات التي يعاني منها الفرد في حياته العاطفية أو المهنية من خلال التجارب التي مر بها عمه أو جده الأكبر مثلاً.

وتتابع إليزابيث هوروفيت التي نشرت أولى كتبها حول هذا الموضوع في عام 2000: “تنتشر كتب علم الأنساب النفسي في جميع المكتبات اليوم. في ذلك الوقت استغرقني نشر كتابي الأول 3 أو أربع سنوات إذ لم يرِد أحد التحدث حول هذا الموضوع”. أصبح كتابها “حرر نفسك من قَدَر العائلة” (Se libérer du destin familial) أحد أكثر الكتب مبيعاً في فرنسا لاحقاً.

واتسعت شعبية هذا الأسلوب العلاجي في فرنسا خلال السنوات الأخيرة بعد نشر كتاب “يا أسلافي” ( Aïe mes aïeux) الذي ألفته آن أنسلين في عام 1988، وتوضح آنا بيجون رئيسة قسم العلوم الإنسانية في مكتبة “لوفاييه” (Le Failler) أن هذا الكتاب ما زال الأكثر مبيعاً من بين كتب علم الأنساب النفسي، وتقول: “شهدت السنتان أو الثلاث سنوات الماضية صدور الكثير من المؤلفات حول هذا الموضوع سواء كانت تتناوله من الناحية الفنية أو العملية، إضافةً إلى ذلك، يبدي عملاؤنا اهتماماً كبيراً بنظرية “الانتقال عبر الأجيال”، إذ إن المؤلفات التي تتناول هذا الموضوع تشهد طلباً متزايداً منذ عام 2015”.

تزايُد عدد المختصين في علم الأنساب النفسي

ولم يقتصر هذا النجاح على المكتبات فقط، فقد ازدهر منذ فترة التدريب على اختصاص علم الأنساب النفسي بصورة تعكس الاهتمام المتزايد بهذه الطريقة. تقول المديرة المشاركة لمدرسة جينيابسي (Généapsy school)، التي تقدم تدريباً في علم الأنساب النفسي للمعالجين الذين يسعون إلى إثراء مهاراتهم أو للأشخاص الراغبين بدراسته، سيمون كوردييه: “ضاعفنا عدد دوراتنا التدريبية 4 مرات منذ بدء جائحة كوفيد-19، إذ كنا فيما سبق معهداً صغيراً متواضعاً يقدم 3 دورات تدريبية في السنة أما الآن فنحن نقدم من 10 إلى 15 دورة ونستقبل نحو 300 طالباً وطالبةً في السنة”.

تقول المدربة ومؤسسة مدرسة “آي إف تي دي فاميلي” (IFTD Family)، فيرونيك سيزارد: “بسبب كثرة الطلبات التي وردتنا للتسجيل في التدريب فقد أجرينا دورات عن بُعد، حتى أننا أنشأنا منصة تدريب أكثر مرحاً ومتعةً باستخدام وسائط الصوت والفيديو، ونحن ندرّب الكثير من الأشخاص منذ أكثر من عامين”.

التحليل النفسي عبر الأجيال: نظريات أُثبتت علمياً

كيف يمكننا تفسير انجذاب المعالجين لعلم الأنساب النفسي إلى هذا الحد؟ تقول فيرونيك سيزارد: “قبل 10 سنوات من الآن لم تكن أي من هذه الفرضيات مثبتة،

أما اليوم فقد أدى إثبات نظرية علم الأنساب النفسي علمياً إلى جذب الكثيرين”. وتتفق مع ذلك المختصة في علم الأنساب النفسي سيمون كوردييه بدورها فتقول: “رفعت هذه الاكتشافات العلمية وعي الناس حول فائدة الاطلاع على تاريخ العائلة والأجداد لاكتشاف ما عجزوا عن فعله واستيعاب تأثيره في حياتهم اليوم”.

التحفظات على علم الأنساب النفسي

يثير مدرب علم الأنساب النفسي جاذبية روحيةً في نفس المتدربين وذلك لأنه يتيح لهم إعادة الاتصال بتاريخ أسلافهم.

وأمام هذه الحاجة طورت مدرسة جينيابسي (Généapsy school)، التي أُسست قبل 20 عاماً من اليوم، دورات تدريبيةً جديدة حول الأبراج العائلية، تقدم من خلالها منهجية للتدريب على هذه الأنماط الجديدة من التحليل النفسي عبر الأجيال.

وإذا كانت فيرونيك سيزارد تعتقد أن أحد أسباب ازدهار علم الأنساب النفسي هو قبول الطب النفسي له، فإن سيمون كوردييه ترى، على العكس من ذلك، أن علم الأنساب النفسي قد جاء لتلافي نقاط الضعف في الطب النفسي وظهر بذلك كحل سحري بديل. ولكن المدربة تحذر على الرغم من ذلك من الجانب التسويقي لهذا النهج، الذي قد يقدمه بعض الأشخاص بصيغة “تحرر من ثقل الإرث العائلي بثلاث خطوات”.

ثمة بعض التحفظات على الجانب الأكاديمي أيضاً فعلم الأنساب النفسي ما زال حتى الآن لا يُدرَّس في كلية علم النفس، وتقول إليزابيث هوروفيت: “هذا مؤسف ففرنسا تحتل المرتبة الأولى في إصدار الكتب المتخصصة بعلم عبر الأجيال على مستوى العالم”. أخيراً تقدم سيمون كوردييه بعض النصائح فيما يتعلق بالبحث عن مدرب فتقول: “عليك أن ترى ما إذا كان المعالج منتسباً إلى رابطة المختصين بعلم الأنساب، وتستفسر عن ساعات التدريب وطبيعة الدورات التي أخذها”. وعلى الرغم من أهمية هذه العناصر فإنها ليست أهم من الجانب الإنساني للعلاقة بين المدرب والمتدرب.

error: المحتوى محمي !!