يصف الناس عادةً الشخص الذي يفضل ملازمة المنزل دائماً بأنه خَمول وجامد وغارق في الروتين؛ لكن هل الأمر بهذه البساطة؟ ولمَ يحب بعض الأشخاص المكوث في المنزل دائماً؟ سنتعرف أكثر إلى هذا الموضوع من خلال السطور التالية.
تقول سوسن: "لستُ الوحيدة التي تشعر بالراحة عند ملازمة المنزل، خذ مثلاً أغنية "كوخ في كندا" (La Cabane au Canada) للين ريناود، وأغنية "البيت الأزرق في سان فرانسيسكو" (la maison bleue du San Francisco) لماكسيم لو فوريستير، ولا تنسَ أن ديكارت الذي كان يعيش متخفياً عن الأنظار قد نام في إحدى المرات داخل الموقد وخرج بعدها بأعظم أفكاره وفق ما جاء في كتابه "مقال عن المنهج" (Discours de la méthode)، فجميع هؤلاء كانوا يستمتعون بالمكوث في المنزل. في الحقيقة أنا لا أشعر بالحاجة إلى الخروج، وعلى الرغم من أنه يصعب عليّ جداً زيارة الآخرين أو الذهاب لتناول العشاء في أحد المطاعم مثلاً، فإنني لا أعتبر نفسي إنسانةً غير اجتماعية".
لمَ يفضل بعض الأشخاص ملازمة المنزل؟
ثقافة عائلية
وبالفعل تُعد سوسن إنسانة اجتماعية، وإذا كانت تستصعب الخروج من المنزل فإنها تستقبل الكثير من الزوار في الوقت ذاته فهي تدعو أصدقاءها إلى العشاء دائماً في عطلات نهاية الأسبوع؛ كما أنها ترحب بأصدقاء أطفالها بكل سرور. ويرى الطبيب ومختص التحليل النفسي ألبرتو إيغير أن هذا الموضوع ليس غريباً، ويقول: "ليس بالضرورة أن تكون الرغبة في ملازمة المنزل نتيجة الخوف من الانفتاح على الآخرين، ففي معظم الأحيان ينعم الأشخاص الذين ينحدرون من عائلات كبيرة أو عاشوا في بيئة منزلية وفرت لهم الترفيه، بحياة اجتماعية غنية ولكن في منازلهم".
البقاء في المنزل والحاجة إلى الأمان
تشبه الطبيبة النفسية لوري هوكس الرغبة في ملازمة المنزل بلعبة جوكاري، وهي عبارة عن كرة مربوطة بمضرب بواسطة خيط مطاطي وتقول: "لما كانت الكرة مربوطة بالمضرب بإحكام بواسطة الخيط، فإنه بإمكاننا ضربها بأقصى قوتنا ونحن نعلم أنها سترتد عائدةً إلينا". ولكن ألا يمكن أن ترجع الرغبة في ملازمة المنزل إلى افتقار الفرد لقاعدة آمنة في منزله تشجعه على الابتعاد عنه؟ تجيب المختصة: "لا، لأنه حتى لو كان ارتباط الشخص بوالديه في مرحلة الطفولة المبكرة غير آمن، فإن المنزل في حد ذاته سيوفر له الطمأنينة بعد عدة سنوات، فهو مكان مغلق ونظيف والوصول إلى الطعام في الثلاجة سهل جداً؛ ما يمنحه الشعور بأنه في مأمن من المخاطر فالمنزل يشبه رحم أمه". لقد فرقت اللغة الإنجليزية بين كلمتيّ (house) أي المنزل الذي يقيم الفرد فيه، و(home) أي المسكن الذي يشعر بالانتماء إليه، وتتحدث لوري هوكس في هذا السياق عن الأشخاص الذين يمكنهم التآلف مع أي مكان يكونون فيه؛ حيث يمكنهم "اقتلاع جذورهم" دون الشعور بالضيق الذي يشعر به آخرون عند مغادرة المكان الذي يشعرون بالانتماء إليه.
الشعور بالاكتفاء الذاتي
يُنظر إلى الشخص الذي يحب ملازمة المنزل غالباً على أنه شخص يتسم بالخمول والكسل؛ ولكن لوري هوكس لا توافق على هذه الفكرة وتستشهد بما ذهب إليه الفيلسوف والعالم الفرنسي بليز باسكال عندما قال: "تنجم كل مشكلات الإنسان عن عدم معرفته كيف يكون مرتاحاً في عزلته"، الأمر الذي يتقنه الشخص المحب للمكوث في المنزل. وتتابع: "إن رغبة الشخص في ملازمة المنزل تعني أنه متآلف مع نفسه وأنه لا يولي اهتماماً لنظرة الآخرين إليه أو رأيهم فيه". لكن هل يمكن أن يشير ذلك إلى "تضخم الأنا" لديه؟ تجيب المختصة مبتسمةً: "لا، لأن أكثر ما يكرهه الإنسان الأناني هو البقاء وحيداً مع نفسه".
كيف تشجع نفسك على الخروج من المنزل؟
انفتح على الآخرين بصورة تدريجية
يقترح الطبيب ومختص التحليل النفسي ألبرتو إيغير الانفتاح على العالم الخارجي بصورة تدريجية من خلال إنشاء علاقات مع الآخرين تشعرنا بدفء قريب من ذلك الذي نشعر به في منزلنا، ويقترح عليك أن تبدأ بزيارة الأشخاص القريبين منك جغرافياً، ثم توسيع هذه الدائرة بصورة تدريجية من خلال المشاركة في أنشطة إحدى الجمعيات مثلاً.
استمع إلى من حولك واستمتع بوقتك
تقول المعالجة النفسية لوري هوكس: "ليكن دافعك إلى الخروج من المنزل هو الاستمتاع بوقتك والاستفادة منه وليس شعورك بأن الرغبة في ملازمته غير صحية". مثلاً عندما تخرج مع أصدقائك لزيارة المتحف أو تناول القهوة فإن ذلك سيكون فرصة للتفاعل والاستمتاع مع بعضكم بعضاً، وعندما تدرك الجوانب الإيجابية لهذه المشاريع ستتشجع على الخروج.
حفّز نفسك بنفسك
في معظم الأحيان يخرج الشخص الذي يحب ملازمة المنزل مدفوعاً من الأهل أو الزوج أو الأصدقاء، وهي طريقة غير فعالة، لذا فإنه من الأفضل أن يجد الفرد دافعاً ذاتياً وبذلك سيكون أكثر إقبالاً على الخروج. وتقترح المختصة تمريناً بسيطاً لذلك وهو أن تتخيل أنك تحاور نفسك فتقول لها مثلاً: "هيا بنا سآخذك في نزهة!".
"الخروج رفقة زوجي خلق بيننا ذكريات جديدة ملكنا وحدنا"
تقول منى ذات الـ 42 عاماً وهي محامية:
"لم أكن شغوفة بالخروج من المنزل حتى عندما كنت في سن المراهقة، وكنت أفضّل دائماً دعوة بضع صديقات على العشاء في منزلي وعلى الرغم من أن زوجي ليس من هواة الاجتماعات الكبيرة أيضاً فإنه يحب أن يخرج لتناول الطعام في المطعم رفقة أصدقائه والاستمتاع بعيداً عن ضغوط الحياة اليومية. وفي إحدى المرات اقترح عليّ تخصيص يوم من كل أسبوع لنخرج فيه معاً ولأنني شعرت بمدى أهمية الأمر بالنسبة إليه فقد وافقت في النهاية. ومع الوقت اعتدت الخروج وصرت أستمتع باكتشاف أماكن جديدة رفقة زوجي، فهذا الأمر يخلق بيننا ذكريات كزوجين، ملكنا وحدنا".