تعد لحظات الصباح بالنسبة إلى الكثيرين عاملاً مؤثراً في سير يومهم، فإذا كانت سعيدة فيومهم سيكون على ما يرام والعكس صحيح؛ لكن أحياناً تخرج الأمور عن السيطرة عندما نستيقظ ونحن نشعر بالرغبة في البقاء في السرير وعدم قدرتنا على مفارقته، أو نجد عقلنا يتساءل عن جدوى ذلك.
ترتبط هذه التجربة المؤلمة بالمعاناة من أفكار سلبية تملأ عقلنا، أو آلام صحية توجع جسدنا، لذا في هذه الحالة يجب مراقبة الوضع جيداً لمعرفة هل ما نعاني منه هو مجرد وضع عابر يزورنا على فترات متباعدة أم أنه أصبح واقعاً يومياً لا مفر منه؟ ففي الحالة الأخيرة يمكن أن نعاني مما يعرف بـ "الاكتئاب الصباحي".
ما هو الاكتئاب الصباحي؟
يُقصد بـ "الاكتئاب الصباحي" أن يعاني الشخص من أعراض الاكتئاب في ساعات الصباح ويلاحظ تحسن حالته النفسية بمرور الوقت خلال يومه، ولا يعد هذا النوع من الاكتئاب مستقلاً بذاته وفقاً للدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات النفسية (DSM-5)؛ إنما يصنف باعتباره أحد أعراض الاكتئاب الشديد.
وبحسب الطبيبة النفسية دافينا تيواري؛ يرتبط الاكتئاب الصباحي بصورة ملحوظة بالاضطراب ثنائي القطب، وذلك ناتج من اعتياد مرضاه الاستيقاظ في وقت متأخر من اليوم ما ينعكس عليهم بانخفاض حالتهم المزاجية؛ لكن في الوقت نفسه لا يمنع ذلك ظهوره عند من يعانون من نوبات اكتئاب فردية.
حتى تكون الصورة أكثر دقةً؛ تصف لنا المعالجة النفسية جينيفر ليتنر ما يشعر به مريض الاكتئاب الصباحي بقولها أنه بمجرد فتح عينيه صباحاً ومحاولة النهوض من السرير يشعر أنه يرفع وزناً ضخماً يقبع على صدره، مع معاناته من الإرهاق وانعدام الدافع وبعض الآلام الجسدية أحياناً، لتكون النتيجة رغبة قوية في ملازَمة السرير.
أسباب الاكتئاب الصباحي
يمكن أن نفهم الأسباب وراء الاكتئاب الصباحي بالبحث في تأثير الإصابة بالاكتئاب في الساعة البيولوجية، فوفقاً لدراسة صادرة من جامعة ميتشيغان الأميركية (University of Michigan) عام 2013؛ يعاني المصابون بالاكتئاب غالباً من اضطراب في إيقاع الساعة البيولوجية بشكل يجعله أحد الأسباب الرئيسية لمعاناتهم من الاكتئاب الصباحي.
يشرح الباحثون المشاركون في الدراسة ذلك الأمر بتأكيدهم أن هناك ساعة داخلية تعمل داخل أجسامنا تجعلنا نشعر بالنعاس في الليل واليقظة في النهار، وتنظم تلك الساعة العمليات الحيوية من انتظام ضربات القلب إلى حرارة الجسم بدقة؛ كما تؤثر في مستويات الطاقة وجودة التفكير واتّزان المزاج.
وتدخل في عمل الساعة البيولوجية هرمونات عدة؛ أهمها هرمونا الكورتيزول والميلاتونين اللذان يساعدان جسمنا على التكيف مع التوقيتات المختلفة من اليوم، فعند شروق الشمس يفرَز هرمون الكورتيزول الذي يمنح الطاقة اللازمة لنبقى نشيطين في النهار، بينما يفرَز هرمون الميلاتونين عند الغروب ما يُشعرنا بالنعاس.
لذلك إذا حدث أي خلل في انتظام عمل هذه المنظومة المعقدة، فيمكن للجسم حينها أن يفرز أحد الهرمونين في الوقت الخطأ؛ ما ينعكس سلباً على صحتنا الجسدية والنفسية، فمثلاً إذا تم إفراز هرمون الميلاتونين نهاراً سنشعر بالتعب الشديد ونصبح متحفزين للغضب والانفعال.
وهناك أسباب أخرى للاكتئاب الصباحي بحسب المركز الأميركي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)؛ أهمها وجود تاريخ عائلي للإصابة بالاكتئاب أو الإصابة بأمراض مزمنة مثل السرطان، إلى جانب تناول بعض الأدوية أو المرور بأحداث حياتية ضاغطة وكذلك تعاطي المخدرات.
لماذا يشتد الاكتئاب في الصباح؟
تشير المعالجة النفسية ديري هولكو إلى أن أوقات الصباح تعد من الأوقات العصيبة بالأخص لمرضى الاكتئاب؛ حيث يمثل قرار الاستيقاظ وتأدية المهام المعتادة بالنسبة إليه أمراً ثقيلاً، ويكون الأفضل من وجهة نظره استكمال النوم أو على الأقل عدم النهوض من السرير.
يرتبط الاكتئاب الصباحي أيضاً بلحظة الاستيقاظ، فهي تجعل الشخص غير الراضي عن حياته والذي يستخدم النوم وسيلةً للهروب منها، يواجه الواقع ما ينعكس عليه بزيادة شعوره بالاكتئاب.
ويمكن التأكد من أن ما يعاني منه الشخص هو اكتئاب صباحي بظهور أعراض أخرى منها:
- نقص الطاقة بشكل عام.
- انخفاض التركيز وكثرة التشتت الذهني.
- كثرة النوم.
- زيادة أو انخفاض الشهية.
- عدم القدرة على تأدية المهام الصباحية البسيطة.
- الشعور بأن الحياة عديمة قيمة.
- عدم الاستمتاع بالأنشطة التي كان الشخص يستمتع بها سابقاً.
كيف تتخلص من الاكتئاب الصباحي؟
تبدأ رحلة علاج الاكتئاب الصباحي عند الطبيب النفسي للتأكد من أن ما تعاني منه هو بالفعل اكتئاب صباحي وليس اضطراباً آخر. ونظراً لأن الاكتئاب الصباحي مثلما ذكرنا ليس اضطراباً نفسياً مستقلاً، فوفقاً للطبيب النفسي تيموثي ليغ سيبحث المعالج عن مؤشرات لتأكيد تشخيصه من خلال توجيه أسئلة مثل:
- هل تسوء الأعراض صباحاً أم مساءً؟
- هل تواجه صعوبة في النهوض من السرير؟
- هل تتغير حالتك المزاجية بشكل كبير خلال النهار؟
- هل تستمتع بالأنشطة التي تمارسها؟
- هل تغير روتينك اليومي مؤخراً؟
- ما الذي يحسن مزاجك؟
وبعد التأكد من تشخيصك بالاكتئاب الصباحي سيتبع معك أساليباً علاجية متنوعة في مقدمتها العلاج الدوائي، وعلى عكس أنواع الاكتئاب الأخرى فقد لا يستجيب الاكتئاب الصباحي بشكل جيد لمثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRI)؛ ما يجعل الأطباء يصفون لمريضه أحياناً مثبطات استرداد السيروتونين والنورإبينفرين (SNRIs).
اقرأ أيضاً: تعرف إلى إجابات أهم 5 أسئلة عن مضادات الاكتئاب
بالإضافة إلى طرق العلاج غير الدوائية مثل العلاج النفسي الشخصي الذي يهدف إلى تحسين علاقة المريض مع الأشخاص المتواجدين في محيطه، وأيضاً العلاج المعرفي السلوكي، وتكون هذه الطرق فعالة عند الجمع بينها وبين العلاج الدوائي.
هناك أيضاً العلاج بالضوء الذي يتم بجلوس المريض بالقرب من صندوق يصدر ضوءاً ساطعاً يحاكي ضوء الطبيعة؛ ما يؤثر إيجاباً في المواد الكيميائية ذات الصلة بتحسين المزاج الموجودة في الدماغ، وبحسب بعض المصابين بالاكتئاب الصباحي فقد كان هذا النهج العلاجي مجدياً معهم.
ولا يكتمل دور الأساليب العلاجية السابقة إلا بإرشادات ينبغي على المريض اتباعها؛ مثل:
- ضبط مواعيد النوم والاستيقاظ.
- تنظيم مواعيد الوجبات.
- الامتناع عن أخذ قيلولة طويلة.
- تحسين بيئة النوم بالحرص على إظلام الغرفة وتوازن درجة حرارتها.
- الابتعاد عن المواد التي تؤثر سلباً في النوم قبل الذهاب إلى السرير بفترة كافية؛ مثل الكافيين والتبغ والكحول.
- ممارسة الرياضة مع تجنب التمارين الشاقة لأربع ساعات قبل النوم.
يمكن أن يقلب الاكتئاب الصباحي موازين حياتك رأساً على عقب، فالاستيقاظ بحالة نفسية سيئة يجعل إنتاجيتك في أدنى مستوياتها بكل تأكيد، وتلك معاناة ليس لك يد فيها، وهناك الكثيرون الذين يشاركونك إياها، لذا لا تتأخر في أخذ خطوة الذهاب إلى الطبيب النفسي حتى تستعيد حياتك وتستيقظ كل صباح متحمساً لاستكشاف تجارب جديدة وصناعة نجاحات فريدة.