كيف تتعامل مع مريض الوسواس القهري؟

6 دقيقة
مريض الوسواس القهري

يعاني مريض الوسواس القهري كثيراً بسبب طبيعة اضطرابه؛ لكن معاناته يمكن أن يتضاعف حجمها ما لم يكن هناك شخص واحد على الأقل من أفراد الأسرة أو الأصدقاء متفهّماً لطبيعة المرض وأعراضه، والتحديات اليومية التي تواجه المصاب.
لكن هذا التفهم والدعم الذي بإمكان أي فرد تقديمه للمريض يتطلب الإلمام بعلامات الاضطراب والوعي بالصعوبات اليومية التي تعترض طريق المريض وتمنعه من عيش حياة أقرب إلى الطبيعية.

لذلك سيوفر هذا المقال أهم المعلومات حول الوسواس القهري، ويجيب عن الأسئلة التي يمكن أن تراودك إذا أردت تقديم الدعم لقريبك المصاب ومعرفة كيفية التعامل الصحي معه، وفقاً لما يوصي به الخبراء.

كيف يعيش مريض الوسواس القهري؟

يعاني الشخص المصاب بالوسواس القهري (OCD) من أفكار أو صور أو وساوس مزعجة تسبب له الضيق وتدفعه للانخراط في سلوكيات قهرية تصعب السيطرة عليها؛ حيث يشعر بالحاجة إلى تكرارها. غالباً ما يعيق هذا النوع من الاضطرابات قدرة المصاب على الاستمتاع بالحياة؛ إذ تنخفض جودة العيش ويصبح كل شيء يدور حول الأفكار والهواجس المسيطِرة كالخوف من فقدان السيطرة وإيذاء النفس أو الآخرين، والأفكار والصور الجنسية العنيفة أو غير المألوفة، والخوف من فقدان الأغراض والممتلكات الشخصية.

أما السلوكيات الناتجة عن تلك الأفكار فغالباً ما تتضمن التنظيف وغسل اليدين، والتأكد المستمر من إغلاق الأبواب والنوافذ مثلاً، والعد وترتيب وإعادة تنظيم الأشياء. ولا تنحصر سلوكيات المصاب في هذه الأمثلة فقط؛ بل يمكن أن تشمل أخرى قد لا تكون واضحة تماماً للأشخاص المحيطين بالمريض.

يكون التعب والإرهاق طاغيَين على حياة مريض الوسواس القهري، ويمكن أن تزيد الصدمات والتوتر وسوء المعاملة من تفاقم أعراض الوسواس القهري، ويسيطر هذا الاضطراب على حياتهم تماماً.

هل الشخص المصاب بمرض الوسواس القهري مجنون؟

من أكثر الأسئلة الشائعة حول الوسواس القهري هو إذا ما كان يمكن اعتبار المصاب به شخصاً مجنوناً، وفي أحيان أخرى، قد يسأل المريض نفسه أو معالِجه نفس السؤال، حسب ما تؤكده عالمة النفس الإكلينيكية ليزيت زيو (Lisette Zeeuw)؛ حيث تشير إلى أن هذا النوع يدخل في إطار الأفكار الوسواسية.

ومن المهم معرفة أن العديد من الأشخاص تراودهم هذه الأفكار؛ ولكن ذلك لا يعني على الإطلاق إصابتهم بالجنون بل بمستوىً مرتفع من القلق، وقد يصاحب ذلك أوجاع أسفل الظهر أو آلام المعدة أو الصداع النصفي.

تضيف ليزيت أنه يجب اعتبار الخوف من الجنون بمثابة جرس إنذار يحذرنا من مستويات القلق المرتفعة، فالخوف من الجنون لن يجعل منك مجنوناً ولكن تجاهل هذا التحذير سيزيد أعراضك سوءاً؛ ما يعني أنه حان الوقت لطلب المساعدة الطبية.

قد يفيدك أيضاً: هل يتحكم الوسواس القهري في علاقتك العاطفية؟ إليك الحل!

هل يمكن الشفاء من مرض الوسواس القهري نهائياً؟

تتلاشى أعراض الوسواس القهري بشكل عام بمرور الوقت، بالرغم من تشكيك المصابين بوجود هذه الإمكانية لأنهم اعتادوا على ظهور الأعراض واختفائها وعودتها مرة أخرى.

بينما قد لا تختفي أعراض هذا الاضطراب بشكل نهائي عند البعض، يؤكد الخبراء من "سايك غايدز" (Psych Guides) أن البعض الآخر قد يتعافى تماماً بعد العلاج الذي يمنح كلتا الحالتين فرصة للاستمتاع بالحياة والتخفيف من حدة الأعراض لمن لا يتم علاجهم بشكل كامل، فخيارات العلاج الدوائي والسلوكي كافية لتغيير نمط الحياة وتعديل السلوكيات.

لماذا يصاب الإنسان بالوسواس القهري؟

لم يحدّد الخبراء سبباً واحداً للإصابة بالوسواس القهري؛ بل أدرجوا عدة عوامل من الممكن أن تزيد من احتمالية الإصابة، وتتضمن الآتي وفقاً للمعلومات من خدمة الصحة الوطنية البريطاني (NHS):

  • التاريخ العائلي: إذ تزيد احتمالية الإصابة بالوسواس القهري جرّاء إصابة سابقة لأحد أفراد العائلة.
  • أحداث الحياة المجهِدة أو الصادمة: حيث يصيب الوسواس القهري الأشخاص الذين تعرضوا للتنمر أو الإساءة أو الإهمال بشكل أكبر، وقد تظهر أعراضه أيضاً بالتزامن أو بعد حدث بارز كالولادة أو الفجيعة.
  • طبيعة الشخصية: إذ يميل الأشخاص ذوو المعايير الشخصية العالية كالأناقة والدقة والنظام إلى أن يكونوا أكثر عرضة للإصابة بالوسواس القهري، إضافة إلى الحالات التي يعاني أصحابها من القلق الشديد بشكل عام أو الإحساس الكبير بالمسؤولية تجاه أنفسهم والآخرين.
  • الاختلافات في الدماغ: أظهرت الأبحاث حسب ما أشارت إليه مؤسسة اضطراب الوسواس القهري الدولية (International OCD Foundation)، أن هذا الاضطراب يرتبط بوجود مشكلات في الاتصال بين الجزء الأمامي من الدماغ والهياكل الأعمق للدماغ التي تستخدم الناقل العصبي المعروف بالسيروتونين؛ إذ تكون لدى المصابين مستويات منخفضة من هذه المادة، ومناطق ذات نشاط مرتفع بشكل غير اعتيادي في دماغهم.

اقرأ أيضاً: أفكار مزعجة تتربص بك: تعرف إلى الوسواس القهري وعلاجه

كيف تتعامل مع مريض الوسواس القهري؟

لا بد أن الجزء الأصعب من معاناة مريض الوسواس القهري هو ضرورة تقبُّل وتأقلم المحيطين به من أفراد أسرة والمقربين مع حالته، وفي بعض الأحيان تكون أعراض الاضطراب حادة لدرجة تجعل من مهمة التعايش هاته صعبة جداً، لذلك قام الخبراء من مؤسسة الوسواس القهري الدولية بتطوير قائمة من الإرشادات لمساعدة أفراد أسر وأصدقاء المرضى على مواجهة تحديات المواقف الفردية والتعامل معها بالشكل الصحيح؛ وهي كالآتي:

  • تعرّف إلى العلامات: من المهم ملاحظة التغيرات السلوكية التي يمكن أن تُظهر أن الشخص المعنيّ بالأمر في أسرتك بدأت تظهر لديه أعراض الوسواس القهري؛ بحيث تميز الفرق بين شخصيته الحقيقية واضطرابه.
  • عدّل توقعاتك: يواجه المصابون بالوسواس القهري صعوبات في تقبُّل التغيير بنوعيه؛ الإيجابي والسلبي، فغالباً ما يزيد ذلك من حدة الأعراض وتفاقمها، لذلك أي صراع أو موقف أسريّ متوتر يمكن أن يزيد من معاناة المريض. عدّل توقعاتك منه ما أمكن حتى تتمكن من توفير بيئة داعمة له.
  • الناس يتحسنون بوتيرة مختلفة: تتباين حدة الوسواس القهري من مريض إلى آخر، وتختلف لديهم أيضاً وتيرة الاستجابة للعلاج، لذا يكون مستوى التحسن تبعاً لذلك.
  • لاحظ التحسن مهما كان صغيراً: يستفيد مريض الوسواس القهري من فرد الأسرة الداعم الذي يتفهم طبيعة مرضه، فالأعراض يمكن أن تظهر وتختفي لفترات، وأي تحسن مهما كان طفيفاً يجب ملاحظته وتشجيعه.
  • تجنَّب المقارنات: تؤدي المقارنات في العلاقات عموماً إلى نتائج سلبية، وفي التعامل مع مريض الوسواس القهري، يمكن أن تحاول عمل مقارنة مع بداية العلاج وفترات أخرى لاحقة لم تكن واعياً بطبيعتها، لأنها قد تكون عبارة عن انتكاسات، وقد تحدث كثيراً في رحلة العلاج، ومن الأفضل أن تبدي بعض اللطف إزاء ذلك وتشجع التحسن وتقبل الفشل في الاستجابة للعلاج عند قريبك المصاب دون أن تقارن فتجرح مشاعره.
  • اخلق بيئة داعمة: معرفة المزيد من المعلومات حول الوسواس القهري تجنّب الوقوع في الانتقادات غير الضرورية لسلوكيات المصاب التي قد تكون مزعجة ومثيرة للأعصاب؛ لكن قريبك المريض يحتاج التقبل والدعم بدل الانتقادات.
  • ضع حدوداً: تهدف هذه الإرشادات إلى التقليل من الصعوبات التي يجلبها التعايش مع مريض الوسواس القهري وتقديم الدعم الذي يحتاجه لكن هذا لا يعني التسامح مع جميع سلوكياته؛ ما يعني وجوب الحزم والتحكم في الوقت المخصص لمناقشة هواجس المريض، ومقدار الطمأنينة المقدمة له.
  • ادعم أخذ الأدوية كما هو موصوف: يدخل أيضاً التأكد من أخذ القريب المصاب للأدوية واحترام توصيات الطبيب المعالج في إطار الدعم الذي يحتاجه وبإمكانك تقديمه.
  • اجعل التواصل واضحاً وبسيطاً: يحتاج المصاب باضطراب الوسواس القهري باستمرار إلى تفسيرات مطمْئِنة لمخاوفه وهواجسه؛ ما يجعل سد هذا الاحتياج الدائم لديه مرهِقاً لمن يعيشون حوله، لذلك يجب أن تتعلّم كيف توصل فكرتك بوضوح وطريقة غير متعبة لك وبسيطة الفهم له.
  • الوقت المنفصل مهم: من الضروري والصحي أن يحصل جميع أفراد الأسرة على وقت منفصل وخاص؛ لكن وجود شخص مصاب داخل الأسرة يقلل من ذلك. يجب أن يفهم المريض من خلال رسالة واضحة وبسيطة أن بإمكانه تحمّل مسؤولية نفسه دون قلق لبعض الوقت، حتى يمنح الفرصة لباقي الأفراد للاعتناء بأنفسهم.
  • حين يصبح كل شيء يدور حول الوسواس القهري: وجد الخبراء أنه غالباً ما يكون من الصعب على أفراد الأسرة عدم مناقشة حالة المريض في المحادثات التي تجمعهم، فيصبح عالمهم يتمحور حول الوسواس القهري، لذلك يُنصح بمحاولة التحرر من هذه القيود وعيش حياة طبيعية ما أمكن.
  • حافظ على روتين طبيعي لعائلتك: يمكن الحفاظ على الحياة الأسرية وروتينها الطبيعي حتى بوجود فرد مصاب بالاضطراب من خلال تذكيره باحتياجات الآخرين، والتفاوض ووضع الحدود لاحتواء الهواجس والسلوكيات القهرية.
  • كن على دراية بسلوكيات التدخل العائلي: يشير التدخل العائلي إلى الطرق التي يشارك بها أفراد الأسرة في تجنُّب المواقف المثيرة للقلق، أو تعديل الروتين اليومي لمساعدة أحد الأقارب المصاب باضطراب الوسواس القهري؛ والذي قد لا يتقبل بسهولة الجهد المبذول لمساعدته على تقليل حدة السلوك القهري. سيكون من المفيد تسهيل التواصل العائلي بين الأفراد الذين يريدون المساعدة والمصاب.
  • ضع في اعتبارك استخدام عقد الأسرة: يقترح الخبراء فكرة "العقد" الذي يلتزم به أفراد الأسرة، بهدف التعاون على وضع خطط واقعية للتعامل مع السلوكيات الناتجة عن المرض، والعمل كفريق واحد لتجنب الصراع والمشاحنات التي يمكن أن تؤججها أعراض الوسواس القهرية السلوكية لدى المصاب. تستطيع بعض الأسر وضع فكرة العقد والالتزام به دون مساعدة معالج نفسي أو مستشار مختص، بينما تحتاج أخرى إلى إرشاد متخصص.

لا مجال للشك في أن التوعية بشأن اضطراب الوسواس القهري مهمة للغاية، وتظهر أهميتها أكثر للأشخاص الذين يتعايشون مع مريض الوسواس القهري في محيطهم الأسري؛ حيث يصعب ألا يتأثروا بحالة المصاب، فإما أن يتسبب لهم ذلك بانزعاج كبير وعدم ارتياح، أو أنهم يرغبون بالفعل في معرفة طرق تقديم المساعدة بالشكل الصحيح الذي لن يحرمهم هم أيضاً من نمط حياة وحدود صحية، وهذا بالضبط ما قدمه هذا المقال بقائمة من 14 إرشاداً يوصي بها الخبراء للتعامل مع قريبك المصاب.

المحتوى محمي