تتسم الحياة العصرية اليوم بتزايد ضغوطها؛ ما يؤدي إلى الإرهاق المتكرر، ويؤثر سلباً في صحتنا النفسية والجسدية بالطبع. ويُعد اضطراب الدورة الشهرية لدى المرأة سواء بالتأخر أو الفوات أو زيادة الألم، واحداً من النواحي التي ظهر فيها ذلك التأثير وفقاً للطبيبة ريبيكا كينغستون (Rebecca Kingston).
وترجع أستاذة التوليد وأمراض النساء بجامعة نورث وسترن الأميركية، لورين شترايشر (Lauren Streicher) ذلك إلى أن الدورة الشهرية من التغيرات التي تعكس جودة الصحة النفسية والجسدية؛ بالتالي يؤدي الضغط النفسي إلى تغير معطيات المعادلة التي يجب تحققها لتنتظم الدورة، وهنا تبدأ الاضطرابات.
كيف يؤثر القلق والتوتر في الدورة الشهرية؟
يمكن تشبيه العلاقة بين القلق والتوتر والدورة الشهرية من وجهة نظر شترايشر بأنها طريقاً ذات اتجاهين، فالضغط النفسي المرتفع يؤدي إلى اضطراب الدورة كما يمكن أن تتسبب الدورة في زيادة معدل القلق، لذا إذا ظهرت أعراض القلق عليكِ قبل مجيء الدورة الشهرية مباشرةً، فربما يكون ذلك ذا صلة بالتغيرات الهرمونية التي تحدث في هذا التوقيت.
من الناحية الأخرى؛ هناك جزء في الدماغ يدعى منطقة تحت المهاد، مسؤول عن التحكم في الدورة الشهرية، ويتميز بحساسيته للمؤثرات الخارجية، ويفرز مواد كيميائية تحفز الغدة النخامية التي بدورها تحفز المبيض على إفراز هرمونيّ الإستروجين والبروجسترون اللذان يحفزان الدورة الشهرية.
ووفقاً للطبيبة سوابنا كوليكوندا (Swapna Kollikonda)؛ يفسد القلق والتوتر انتظام التحفيزات المتتالية السابقة، فعندما يتعرض الجسم للضغط يفرز هرمون الكورتيزول الذي يؤدي بدوره إلى حدوث فوضى في التفاعلات المترابطة تكون نتيجتها اضطراب الدورة الشهرية.
ويكون مدى التأثير بحسب قدرة الجسم على تحمّل الضغط، فأحياناً تتأخر الدورة الشهرية أو تخفّ شدتها، وفي أحيان أخرى تحصل في فترات متفاوتة.
علاج تأخر الدورة الشهرية بسبب القلق والتوتر
توجد خطوة أساسية بحسب الطبيبة كيسيا جيثر (Kecia Gaither) يجب اتباعها قبل البدء في أي خطوة لمواجهة القلق والتوتر اللذين أدّيا إلى اضطراب الدورة الشهرية؛ وتتمثل في استشارة طبيب أمراض النساء والتوليد لاستبعاد وجود أي مشكلات صحية تحتاج إلى علاج سريري، وفي حال تحقق ذلك يمكن الانتقال إلى تطبيق الإرشادات اللازمة؛ ومن أهمها:
- تحديد مسببات التوتر بتتبع أي تغييرات حدثت في النظام الغذائي أو الدوائي، وكذلك إذا كانت هناك متغيرات حياتية كبيرة طرأت على حياتك، فذلك سيساعدكِ على علاج المشكلة من جذورها.
- تخصيص وقت للاسترخاء والتأمل تقضينه في ممارسة أنشطة متنوعة؛ مثل كتابة اليوميات والتلوين وممارسة اليوغا أو أي نشاط آخر يساعدك على دفع التوتر بعيداً عنكِ.
- تقليل كمية الكافيين اليومية، وذلك لدوره في زيادة مستويات الكورتيزول الذي يؤدي إلى اضطراب الدورة الشهرية، ويمكن استبدال القهوة والشاي بمشروبات عشبية مثل البابونج والنعناع.
- الحرص على النوم عدد ساعات كافية للتغلب على التوتر، مع الالتزام بالابتعاد عن الأجهزة الإلكترونية لعدة ساعات قبل الذهاب إلى السرير.
- ممارسة بعض التمارين الرياضية في الهواء الطلق بانتظام على مدار أيام الأسبوع.
- الالتزام بنظام غذائي غني بالفواكه والخضروات والأحماض الدهنية الأساسية للمحافظة على صحتك النفسية وموازنة هرموناتك قدر الإمكان.
- التواصل مع عائلتك أو أصدقائك، فوجود نظام دعم اجتماعي يعد عنصراً مهماً لتحسين الصحة النفسية.
كم المدة التي يمكن أن تتأخر فيها الدورة الشهرية؟
يوضح الطبيب فرناندو ماريز (Fernando Mariz) أنه في حال لم تكن هناك أي معوقات صحية تؤثر في الدورة الشهرية، فيجب أن تبدأ في حدود 21-35 يوماً من موعد آخر دورة شهرية، وذلك وفقاً لتواترها المعتاد، وهذا يعني أنه إذا كانت دورتك العادية 32 يوماً ولم تأتِ في اليوم الثالث والثلاثين فإنها متأخرة.
ويمكن اعتبار الدورة الشهرية المتأخرة فائتة بعد مرور 6 أسابيع من توقف الدورة السابقة. وبحسب ماريز فتأخر الدورة الشهرية أو فواتها لا يعد مقلقاً بشكل كبير، لأن هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء ذلك إلى جانب القلق والتوتر؛ ومنها خسارة الوزن أو زيادته وبالتالي اختلال التوازن الهرموني للجسم، أو ممارسة التمارين الرياضية بمعدل زائد عن الحد لأنها تُفقد الجسم الكثير من السعرات الحرارية وتؤثر في اتزان الهرمونات، إلى جانب الإصابة ببعض الأمراض مثل متلازمة تكيس المبايض أو أمراض الغدة الدرقية.
متى يجب القلق من تأخر الدورة الشهرية؟
تشير الطبيبة فاليندا نواديك (Valinda Nwadike) إلى أهمية مراجعة الطبيب إذا فاتتكِ ثلاث دورات شهرية متتالية من أجل استيضاح السبب الذي يقف وراء ما حدث والعمل على علاجه.
ومن وجهة نظر الطبيب عباس كناني (Abbas Kanani)، فلفظ "تأخر الدورة" نسبي للغاية، لأنه من الصعب وضع إطار زمني قاطع للتأخر نتيجة اختلاف الدورات الشهرية بين النساء، فهناك من تكون دورتها الشهرية غير منتظمة قليلاً وتأتي مبكرة أو متأخرة يومين أو ثلاثة، لذا فإن زاد عدد الأيام إلى خمسة لن يكون هناك ما يدعو للقلق، وبذلك تكون لكل حالة خصوصيتها.
كيف أعرف أن تأخر الدورة الشهرية ليس بسبب الحمل؟
يمكن التفرقة بين تأخر الدورة الشهرية وحدوث الحمل من خلال عدة مؤشرات ترتبط بالأسابيع الأولى بعد حدوث الحمل تستعرضها لنا الطبيبة بالافي أوتكار (Pallavi Uttekar)؛ وتشمل:
- الشعور بالتعب والنعاس نتيجة إفراز الجسم كميات كبيرة من هرمون البروجسترون.
- وجود تقلصات خفيفة في البطن نتيجة زرع البويضة الملقحة بجدار الرحم، ويكون ذلك خلال 6-12 يوماً بعد حدوث الحمل.
- ملاحظة تغيرات طرأت على الثديين مثل بعض التورمات، أو الشعور بالألم عند لمسهما، أو الشعور بامتلائهما.
- التبول بمعدل أزيد من المعتاد، ويكون ذلك بعد مرور 6-8 أسابيع على بداية الحمل.
- المعاناة من الصداع نتيجة الارتفاع السريع في الهرمونات.
- الشعور الغثيان وخاصةً في الصباح؛ وقد يترافق أحياناً مع القيء.
إذا تأخرت دورتكِ الشهرية فترة طويلة وكانت نتيجة اختبار الحمل الخاصة بكِ سلبية، فلا تترددي حينها في استشارة طبيبك بشكل عاجل للاطمئنان على صحتك، وفي حال كان الأمر مرتبطاً بزيادة الضغط والقلق في حياتك فجربي اتباع الإرشادات المذكورة في المقال بالتوازي مع استشارة طبيب نفسي إذا ما استدعت الحالُ ذلك.