كيفية التعامل مع مريض الاكتئاب الذهاني

4 دقيقة
الاكتئاب الذهاني

يمثل الاكتئاب الشديد معاناة كبيرة لمرضاه؛ لكن الأصعب هو اقترانه بالذهان، ففي بعض الأحيان يسمع المريض بعض الأصوات أو يرى الهلاوس، وهو ما يُعرف علمياً بـ "الاكتئاب الذهاني"؛ والذي بحسب دراسة علمية أجرتها جامعة ماساتشوستس الأميركية (University of Massachusetts) يعاني منه 14.7-18.5% من المصابين بالاكتئاب الشديد، وتزيد النسبة مع التقدم في العمر.

ويتعامل مختصو الصحة النفسية مع هذا النوع من الاكتئاب بحزم لأن مريضه يكون أكثر عرضة لإيذاء نفسه، فوفقاً لأستاذ الطب النفسي في جامعة ماساتشوستس، أنتوني روتشيلد (Anthony Rothschild) يزيد معدل الانتحار بين المصابين بالاكتئاب الذهاني، بالأخص عندما تكون حالتهم متأخرة، وهو معدل يؤكد روتشيلد على أنه أعلى بكثير من المرصود بين مرضى الاكتئاب الشديد.

الفرق بين الاكتئاب والاكتئاب الذهاني

مبدئياً عند البحث عن الفرق بين الاكتئاب والاكتئاب الذهاني، سنجد أن الذهان لم يُذكر في الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات النفسية (DSM-5)، بين الأعراض الرئيسية للمصابين بالاكتئاب؛ إنما ذكر الدليل الاكتئاب الذهاني بشكل منفصل ونص على أنه يشترط لتشخيص المريض به أن تقترن أعراض الاكتئاب الشديد مع وجود هلاوس وأوهام.

ويعد فهم الذهان خطوة أساسية لاستيعاب الاكتئاب الذهاني، وبحسب المعهد الوطني الأميركي للصحة النفسية فإن الشخص المصاب بالذهان يعيش بعيداً عن الواقع، فقد يسمع أصواتاً غير حقيقية أو تدور في ذهنه أفكار غير منطقية؛ مثل اعتقاده أن الآخرين يعلمون ما يدور في ذهنه ويحاولون إيذاءه، أو أن الشرطة تطارده لارتكابه جرائم لم يرتكبها.

يُظهر ما سبق الاختلافات بين الاكتئاب والاكتئاب الذهاني التي توضحها الطبيبة النفسية سميثا بهانداري (Smitha Bhandari) بإشارتها إلى أن المصابين بالاكتئاب الذهاني غالباً ما يقضون أوقاتهم بمفردهم، ويميلون للنوم في النهار والاستيقاظ طوال الليل، إلى جانب تجاهلهم الاهتمام بمظاهرهم بالامتناع عن الاستحمام أو تغيير الملابس، ويواجه المحيطيون بمريض الاكتئاب الذهاني صعوبة في التواصل معه لأنه لا يتحدث بسهولة وأحياناً يكون كلامه غير مفهوم.

وهناك فرق واضح بين هلاوس وأوهام المصابين باضطرابات نفسية أخرى مثل الفصام والمصابين بالاكتئاب الذهاني، ففي حالة الاضطراب الأخير تكون الأوهام والهلاوس مرتبطة بانخفاض تقدير الذات واليأس والشعور بالذنب والفشل، بينما في الفصام تكون الأوهام والهلاوس غير قابلة للتصديق بالنسبة للمحيطين بالمريض؛ مثل شعوره برغبة الآخرين في الإضرار به دون وجود سبب.

تلفت بهانداري نظرنا إلى جانب مهم في تشخيص مريض الاكتئاب الذهاني، هو أنه يشعر بالخجل من أفكاره ويحاول إخفاءها، وذلك يمثل صعوبة في تشخيصه بشكل صحيح ومن ثم علاجه وتماثله للشفاء، مؤكدة أن الخطة العلاجية الخاصة به تكون مختلفة عن الموضوعة لمريض الاكتئاب.

اقرأ أيضا:

أعراض الاكتئاب الذهاني

تظهر على المريض بالاكتئاب الذهاني أعراض تتداخل بين الاكتئاب الشديد والذهان، لتشمل وفقاً للطبيب النفسي مارك لينر (Marc Lener):

  1. انخفاض الحالة المزاجية والشعور بأن الحياة لا تستحق العيش.
  2. فقدان الاستمتاع بالأنشطة التي كان المريض يستمتع بها سابقاً.
  3. تغيرات مفاجئة وغير مبررة في الشهية والوزن.
  4. اضطرابات النوم وذلك بالنوم لساعات أقل أو أكثر من المعتاد.
  5. الشعور بانخفاض الطاقة والتعب المستمر.
  6. صعوبة التركيز واتخاذ القرارات.
  7. الشعور بانعدام القيمة وكراهية الذات.
  8. التفكير في الموت أو التخطيط للانتحار.
  9. سماع أو رؤية أشياء غير حقيقية.
  10. الشك غير العقلاني فيمن حوله.
  11. تصديق أفكار بعيدة تماماً عن الواقع؛ مثل الاعتقاد بأنه مصاب بمرض خطير رغم أن الفحوصات تثبت عكس ذلك، أو الاعتقاد أن لديه قوى خارقة.

أسباب الاكتئاب الذهاني

تتنوع الأسباب المؤدية للإصابة بالاكتئاب الذهاني، وفي مقدمتها بحسب تأكيد أستاذ الطب النفسي أنتوني روتشيلد التعرض لصدمات في مرحلة الطفولة؛ مثل فقدان أحد الوالدين أو المرور بتجربة اعتداء جنسي أو جسدي، فإذا توافر أحد عوامل الخطر السابقة سيكون الشخص أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب الذهاني.

يضيف الطبيب النفسي مارك لينر إلى ما سبق أسباباً أخرى محتملة؛ بعضها يتعلق بالاكتئاب مثل اختلال كيمياء الدماغ وأن يكون أحد أفراد العائلة مصاباً بالاكتئاب، إلى جانب السمات الشخصية، فمن يميلون إلى التشاؤم ويقللون من قيمة ذاتهم تزداد فرصة إصابتهم بالاكتئاب، وكذلك سمات البيئة لأن الأشخاص الذين يعيشون في بيئة عنيفة أو يواجهون ظروفاً اقتصادية صعبة تزداد احتمالية إصابتهم بالاكتئاب بنسبة أكبر عن غيرهم.

أما الأسباب المتعلقة بالذهان من وجهة نظر لينر، فمنها أن يتعاطى الشخص مواداً مخدرة مثل الماريجوانا أو الأمفيتامينات، إلى جانب التعرض لإصابات أو أمراض معينة مثل إصابات الدماغ الرضحية، أو ظهور أورام في الدماغ أو الإصابة بسكتة دماغية.

قد يهمك أيضا:

كيفية التعامل مع مريض الاكتئاب الذهاني

يقدم الطبيب النفسي ويليام شاناهان (William Shanahan) عدة نصائح تساعد من يتعاملون مع المصاب بالاكتئاب الذهاني؛ وهي:

  1. تحدث معه عما يمر به من معاناة وشجعه على أن يكون أكثر صراحة معك، واحرص على مؤازرته في الوقت العصيب الذي يمر به بسؤاله عن الطريقة التي يود أن تساعده بها.
  2. ادفعه قدر المستطاع في طريق العلاج، وذلك لأن المصاب بالاكتئاب الذهاني يجب أن يتابع حالته مع طبيب نفسي وفي حال تأخره قد يزداد الوضع سوءاً.
  3. لا تنسَ أن تعتني بنفسك، فرعاية المصاب بالاكتئاب الذهاني أمر مرهق، لهذا احرص على تخصيص وقت فاصل تستعيد فيه عافيتك لتتمكن من دعمه مجدداً.

هل يشفى مريض الاكتئاب الذهاني؟

يوجد مساران أساسيان لعلاج الاكتئاب الذهاني وفقاً للطبيب النفسي دانيال بلوك (Daniel Block)؛ الأول باللجوء للأدوية التي تشمل مضادات الاكتئاب ومضادات الذهان، وفي حالة عدم الاستجابة للحل الدوائي ينتقل الطبيب للعلاج بالصدمات الكهربائية (ECT)، الذي يكون فعالاً بالأخص لمن يعانون من الأفكار الانتحارية.

وتؤكد الطبيبة النفسية سميثا بهانداري أن اتباع المسارين العلاجيَين السابقَين يعد فعالاً للغاية، فيمكن للمريض أن يتعافى من الاكتئاب الذهاني في غضون عدة أشهر؛ لكن المتابعة الطبية المستمرة اللاحقة ضرورية لضمان عدم الانتكاس.

وذلك بالتوازي مع اتباع نصائح العناية الذاتية التي تتمثل بحسب الطبيب النفسي مارك لينر في توثيق الأحداث اليومية للتعرف إلى المحفزات المحتملة لزيادة الاكتئاب الذهاني، ووضع خطة لإدارة الأزمات النفسية في حال حدوثها، إلى جانب التواصل مع الأشخاص الذين لديهم تجارب في مواجهة المرض للاستفادة من كيفية تعاملهم مع الأعراض، وأخيراً الحفاظ على النشاط البدني والتنزه وسط الطبيعة وممارسة الأنشطة الممتعة.

يعد الاكتئاب الذهاني من الأمراض المؤثرة في قدرة الشخص على العمل وتواصله مع الآخرين؛ لكن الجانب المضيء هو أن الأساليب العلاجية المتاحة نجحت في تحقيق نتائج جيدة أعادت المرضى لحياتهم الطبيعية، لذا إن كنت أو أحد أفراد أسرتك تعانون من الاكتئاب الذهاني، فلا تجعل الإحباط يتمكن منك وأقدِم على خطوة العلاج في أقرب وقت.

اقرأ أيضا:

المحتوى محمي