كيفية علاج الوسواس القهري الجنسي من الأدوية إلى جلسات الكهرباء

4 دقيقة
الوسواس القهري الجنسي
shutterstock.com/Anton Vierietin

يشاهد جورجي البالغ من العمر 21 سنة المواد الإباحية عدة مرات في اليوم وفي أماكن مختلفة؛ كالمنزل وفي أثناء التنقل وفي الفصول الدراسية، من خلال هاتفه الجديد، وعادة ما تكون ممارسة العادة الجنسية (الاستمناء) مصاحبة للمشاهدة.

قد يبدو هذا مشهداً طبيعياً متكرراً في حياة الشباب في مرحلة معينة من حياتهم، غير أن هذا الطالب النيجيري لم يكن واحداً منهم، فعدد مرات الاستمناء ومشاهدة الصور والأفلام الإباحية لديه تطوّر من 3 أو 4 مرات في الأسبوع إلى حوالي 6 أو 7 مرات في اليوم في غضون عامٍ واحد.

سبّب العيش كمريض الوسواس القهري الجنسي الحزن والشعور بالذنب والإحراج لجورجي على الرغم من محاولاته المتعددة للتوقف؛ حيث تحولت المتعة الشخصية إلى معاناة يومية تتوقف معها سيرورة الحياة الطبيعية.

وعلى الرغم من أن الخبراء يختلفون حول اعتبار الوسواس القهري الجنسي نوعاً من الإدمان؛ تتوفر خيارات علاج فعّالة للمرضى، وسيتطرّق هذا المقال للتعريف بها ومناقشتها.

الوسواس القهري الجنسي بين حداثة التصنيف وخطأ التشخيص

صنفت منظمة الصحة العالمية (WHO) في يونيو/حزيران 2018، الوسواس القهري الجنسي (Compulsive sexual behaviour disorder) على أنه اضطراب في الصحة العقلية، ودخل بذلك في تصنيف ICD-11 الدولي للأمراض التابع للمنظمة؛ الذي يوحد اللغة المشتركة بين مقدمي الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم حول هذا الاضطراب الذي لم يصنف كاضطراب جنسي من طرف المنظمة؛ ولكن دخل في فئة "اضطرابات السيطرة على الاندفاع" (Impulse Control Disorders) التي تشمل أيضاً اضطراب القمار وهوس السرقة.

أتى هذا التصنيف بعد أن كانت الجمعية الأميركية للطب النفسي (APA) قد رفضت اقتراحاً من قبل باحثين من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس لتصنيف فرط النشاط الجنسي على أنه اضطراب في الصحة النفسية في آخر تحديثٍ لدليلها التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية المعروف حالياً باسم (DSM-5).

وهو الأمر الذي أثار جدلاً في أوساط الباحثين القائمين على هذه التجارب، بالرغم من أن المعايير المعتمدة فيها كانت صحيحة وموثوقة، حسب ما أشار إليه مقال نُشر في ديسمبر/كانون الأول 2014 في مجلة تقارير الصحة الجنسية الحالية (Current Sexual Health Reports).

وترجع أسباب رفض التصنيف من طرف الجمعية الأميركية للطب النفسي إلى التخوفات من الخطأ في تشخيص الأفراد ذوي اختلافات طبيعية في السلوك الجنسي كمصابين بهذا الاضطراب.

ويؤكد الباحث الرئيس في التجارب الميدانية لفرط النشاط الجنسي، روري ريد (Rory Reid) أن هذا الاضطراب لا يتعلق بالرغبة الجنسية العالية أو كثرة النشاط الجنسي؛ بل بشعور الشخص المصاب باندفاع للانخراط في سلوكيات جنسية غالباً ما تؤدي إلى عواقب مدمّرة، وتأتي على حساب جوانب أساسية من حياته كإهمال الصحة والعناية الشخصية أو الاهتمامات والأنشطة والمسؤوليات الأخرى، على الرغم من تكرار محاولات التوقف أو الامتناع التي تبوء بالفشل.

طرق علاج الوسواس القهري الجنسي

بالرغم من اختلاف الآراء القائم بين الخبراء والمعالجين حول إذا ما يمكن اعتبار الوسواس القهري الجنسي إدماناً يتوجب علاجه بالطرق المتبعة في علاج باقي أنواع الإدمان؛ توجد العديد من خيارات العلاج المتاحة لمساعدة المصابين بهذا الاضطراب في إدارة وتقليل السلوكيات المفرطة والحفاظ على أنشطة جنسية صحية، وقد يحتاج المريض إلى علاجات لحالات عقلية ونفسية أخرى مثل القلق والاكتئاب أو إدمان الكحول وإدمان تعاطي المخدرات وفقاً لخبراء الصحة من مايو كلينك (Mayo Clinic) الذين يقترحون طرق علاج الوسواس القهري الجنسي التالية:

العلاج بالأدوية

تؤثر بعض الأدوية الموصوفة لعلاج بعض الأمراض النفسية في المواد الكيميائية في الدماغ المرتبطة بالأفكار والسلوكيات الوسواسية، وهي بذلك قد تقلل من الرغبة الجنسية، وتشمل أنواع معينة من مضادات الاكتئاب، ومضادات الإندروجين التي تقلل من الآثار البيولوجية للهرمونات الجنسية (الإندروجينات)، والأدوية المستخدَمة لعلاج الاضطراب ثنائي القطب، والنالتريكسون (Naltrexone) المستخدَم لعلاج إدمان الكحول والمواد الأفيونية. ولا بد أن يحدد الطبيب المختص الدواء الأنسب للشخص آخذاً بعين الاعتبار الحالات العقلية والنفسية المحتمَل مصاحبتها للمرض.

العلاج النفسي

تقدم أنواع مختلفة من العلاج النفسي أو ما يعرف أيضاً بالعلاج الكلامي (Talk Therapy)، طريقةً لتعلم كيفية إدارة السلوك الجنسي من خلال استراتيجيات تقلل فرص الوصول إلى المحتوى الجنسي بسهولة، ويُعتبر العلاج السلوكي المعرفي (CBT) من أهم هذه الأنواع؛ إذ يساعد على تحديد المعتقدات والسلوكيات غير الصحية وتبنّي طرق أفضل وأكثر تكيفاً كبديل عنها.

كما يحث شكل آخر من أشكال العلاج السلوكي المعرفي على تقبل الأفكار الوسواسية واختيار إجراءات تتوافق مع أهم القيم التي يؤمن بها الشخص المصاب، وتسمى هذه الطريقة بعلاج التقبل والالتزام (Acceptance and commitment therapy).

ويركز ما يسمى بالعلاج النفسي الديناميكي (Psychodynamic psychotherapy) على تطوير إدراك جديد للدافع الجنسي من خلال زيادة الوعي بطبيعة الأفكار والسلوكيات اللاواعية.

اقرأ أيضاً: إدمان تعاطي المخدرات بين الأسباب النفسية والاجتماعية

علاج الوسواس القهري الجنسي بجلسات الكهرباء

تشيع تسميته بجلسات الكهرباء، ويقصد به العلاج بالصدمات الكهربائية (Electroconvulsive Therapy)، ويمثل توجهاً مختلفاً في علاج الوسواس القهري الجنسي؛ إذ يُستخدم في حالات المرضى الذين يعانون من الاكتئاب الشديد أو الاضطراب ثنائي القطب الذي لا يستجيب للعلاجات الدوائية والعلاج النفسي، ويتضمن جلسات تحفيز كهربائي قصيرة لا تتجاوز عشرة دقائق حيث يكون المريض تحت التخدير.

على مدار 80 سنة من اعتماد الصدمات الكهربائية  في علاج الأمراض النفسية، ارتبط هذا النهج العلاجي في أذهان العامة من الناس بالتعذيب والتعامل اللاإنساني مع المريض، وقد أسهمت الدراما السينمائية ووسائل الإعلام في ترسيخ هذه الصورة بشكل أكبر  وتشويه ممارسات الطب النفسي.

ورغم أن هذا المجال عرف عبر التاريخ بالفعل جدلاً كبيراً واختلالات فيما يخص بعض الممارسات الطبية المتطرفة واللأخلاقية؛ إلا أن التطور المهم الذي يرافق تطور العلم والأجهزة الطبية ومجهودات الباحثين والمختصين يجب أن يلغي الوصمة التي ارتبطت بهذا النوع من العلاج.

وتشير الجمعية الأميركية للطب النفسي (APA) إلى أن الأبحاث المكثفة والدلائل السريرية أثبتت أن العلاج بالصدمات الكهربائية يمكن أن يكون فعالاً في تحسين أعراض حوالي 80% من مرضى الاكتئاب الشديد والحالات المستعصية التي  يصبح فيها الشخص مضطرباً بشكل متزايد وغير مستجيب لأي من العلاجات الأخرى.

وبالرغم من فعاليتها؛ تؤكد الجمعية الأميركية للطب النفسي أن هذه التقنية ليست علاجاً نهائياً ولن تمنع عودة المرض، لذلك ينبغي اتباع نوع من العلاج الوقائي المتمثل في الأدوية أو العلاج النفسي.

تكاد الإجراءات الطبية لا تخلو من تأثيرات جانبية يجب الإلمام بها، وهذه هي الحال بخصوص العلاج بالصدمات الكهربائية؛ حيث يرتبط عادة بفقدان الذاكرة قصير المدى مثل صعوبة تذكر الأحداث التي حدثت في الأسابيع التي سبقت العلاج أو قبله، وقد يعاني بعض المرضى من مشاكل طويلة الأمد متمثلة في فجوات دائمة في الذاكرة.

رغم محاولات التوقف الفاشلة في معظمها والمعاناة اليومية التي يمكن أن يجلبها اضطراب الوسواس القهري الجنسي للمصابين به؛ تعطي خيارات العلاج المختلفة أملاً في فرصة الشفاء أو على الأقل التخفيف من حدة المرض وتقليل أضراره على الصحة النفسية والحياة الطبيعية التي يتوق المريض لاسترجاعها.

يعود تحديد العلاج المناسب من أدوية أو علاج نفسي إلى الطبيب أو المعالج المختص، كما أن اللجوء لتقنية الجلسات الكهربائية مرتبط بخطورة الإصابة وشدتها، وبالتأكيد؛ يكون للمريض وطبيبه القرار الأول والأخير في اتباع هذا النهج العلاجي.

المحتوى محمي