لماذا أصبح الجيل زد أكثر عرضةً للإصابة بأزمة ربع العمر؟

3 دقائق
الجيل زد وأزمة ربع العمر
الجيل زد وأزمة ربع العمر

"نظرياً كنت أمتلك كل شيء، ويُفترض أن أموري تسير بشكل مثالي باستثناء شيء واحد مهم؛ هو أنني كنت بائساً وأشعر بالارتباك تجاه ما يحدث حولي وموقعي منه، وحينها تأكدت من مروري بأزمة ربع العمر".

كلمات بسيطة وصف بها الكاتب الأميركي آدم سمايلي بوسولسكي (Adam Smiley Poswolsky) تلك الفترة التي عانى فيها من أزمة ربع العمر، وكان تعبيره فيها دقيقاً للغاية. فبحسب استعراض عالم النفس أليكس فوك (Alex Fowke) لها فهي فترة يعيش فيها الشاب انعدام الأمان، وتسيطر عليهم مشاعر الشك وخيبة الأمل تجاه حياتهم المهنية وعلاقاتهم الاجتماعية وحالتهم المادية.

حتى تتضح الصورة أكثر، فأزمة ربع العمر لا تعني أن يصاب بها الشخص في ربع عمره حرفياً، فوفقاً لأستاذ علم النفس في جامعة غرينتش البريطانية أوليفر روبنسون (Dr Oliver Robinson)، فهي تظهر بين عمر 25-35 سنة، مع ملاحظة ازديادها عند بلوغ الثلاثين سنة.

علامات تؤكد المرور بأزمة ربع العمر

تصنَّف أزمة ربع العمر حتى اليوم على أنها ظاهرة مجتمعية شائعة، لذلك لم تدخل بعد نطاق التشخيص الطبي في عيادات المعالجين النفسيين، أو تتواجد على صفحات الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5).

ويظهر عند الشباب الذين يعانون منها بعض المؤشرات التي تؤكد أن ما يمرون به يتعلق بأزمة ربع العمر، وبحسب المعالجة النفسية تيس بريغهام (Tess Brigham)؛ تأتي في مقدمتها التساؤلات الوجودية حول: "ما الذي أفعله في حياتي؟ وهل سأكمل حياتي على هذا المنوال؟ وما الهدف مما يجري حولي؟".

قد تؤدي الأسئلة السابقة في مرحلة لاحقة إلى التفكير في الاستقالة من الوظيفة وبيع جميع الممتلكات ثم الانتقال إلى بلد آخر، وذلك نابع من الشعور بعدم الرضا والرغبة في العثور على نمط حياة أكثر جاذبية.

يرتبط ذلك بعلامة من علامات أزمة ربع العمر هي الشعور المُلحّ بالحاجة إلى التغيير، ووفقاً للمعالج النفسي دي أندريا سولار (De-Andrea Solar)؛ لا يشترط أن يرتبط هذا الشعور بمعرفة ما الذي يجب تغييره بدقة، أو في أي منحىً من مناحي الحياة.

يصبح المشهد العام مليئاً بالشعور بالتوهان ومواجهة صعوبة في اتخاذ القرارات، بحسب تحليل الطبيبة النفسية راشيل نيدل (Rachel Needle) التي تؤكد أن عدم وضوح الرؤية والارتباك والتخبط ونقص الحافز علامة مميزة من علامات أزمة ربع العمر.

وتشير دراسة علمية أجرتها جامعة غرينتش البريطانية إلى وجود خمس مراحل لأزمة ربع العمر تبدأ بشعور الشخص أنه يحيا حياة ثقيلة غير مرضية؛ ما يجعله ينتقل للمرحلة التالية بالرغبة في المخاطرة لوقف هذا الشعور، وهنا تأتي المرحلة الثالثة بالتنفيذ العملي والتخلص من العبء الواقع عليه سواءً كان وظيفة أو علاقة، ثم تكون المرحلة الرابعة بإعادة بناء الحياة ببطء واستكشاف نقاط القوة والضعف، ثم أخيراً يطور مهاراته ويهتم بالأنشطة التي تتناسب مع تطلعاته لحياته الجديدة.

جيل زد الأكثر تعليماً، الأفقر مادياً

 (6 من كل 10 شباب في جيل الألفية يمرون بأزمة ربع العمر)

كانت تلك النتيجة التي توصلت إليها دراسة أجراها بنك فيرست دايركت (First Direct) البريطاني لمعرفة مدى انتشار أزمة ربع العمر بين الجيل زد، ومن أهم التفاصيل المذكورة فيها أن أكثر من 53% من هذا الجيل ينفقون أكثر مما يكسبونه شهرياً، إلى جانب معاناتهم من ضغوط أخرى مثل عدم العثور على وظيفة مناسبة أو العمل في وظيفة مرهقة، وكذلك تزايد تكلفة شراء الممتلكات.

يتضح ذلك في استطلاع أجرته منصة "كريديت كارما" (Credit Karma) الأميركية للتمويل الشخصي، ووجد أن ما يقرب من ثلث الجيل زد يعيشون مع والديهم أو أقاربهم ويخططون للعيش معهم، وذلك نتيجة تهديدات مالية مستمرة يواجهونها تجعلهم غير قادرين على التفكير على المدى البعيد.

وفيما يبدو أن نصيب جيل الألفية من الضغوط لا ينتهي، فتصفه الطبيبة واختصاصية علم النفس لارا فيلدينغ (Lara Fielding) بالجيل الأكثر تعليماً في التاريخ نتيجة قلة الحواجز التي تحول بينه وبين دخول أي مجال أو امتهان أي مهنة؛ ما يعني أن كل شيء ممكن فعلياً وذلك يضع المزيد من الضغط عليه لأنه ليست هناك مساحة للأعذار.

كما تساهم الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي في الضغوط التي يشعر بها الجيل زد فتساهم منصات التواصل الاجتماعي في صعوبة الوصول إلى حياة مثالية، وذلك نتيجة المقارنة المستمرة القاصرة بالآخرين في ظل غياب المقاييس الموضوعية للنجاح، فتكون النتيجة المزيد من القلق، على عكس ما كان يحدث في التسعينيات مثلاً فلم تكن هناك تلك المساحة المفتوحة من المقارنات.

كيف تنقذ نفسك من أزمة ربع العمر؟

رغم الضغوط الهائلة التي تشكلها أزمة ربع العمر على من يعاني منها إلا أن هناك حلولاً فعالة قد تجدي نفعاً للتخفيف منها؛ أولها بحسب الطبيبة النفسية راشيل نيدل هو التخلي عن التطلع إلى وضع رؤية كاملة لحياتك، فنحن جميعاً نتطور باستمرار وتحدث لنا أحداث خارجة عن إرادتنا، فلن تكون هناك جدوى من رسم صورة كاملة مثالية لحياة تتغير باستمرار؛ المطلوب منك فقط التحلي بالصبر وعدم استعجال النتائج.

ومن أجل مواجهة حالة التخبط وعدم معرفة ما تريد بالضبط؛ اترك لنفسك مساحة لتجربة أشياء جديدة مختلفة، فذلك سيساعدك على الوصول إلى ذاتك الحقيقية في مختلف جوانب حياتك، ومن الناحية الأخرى تجنب الأمور التي تشعر بأنك غير مقتنع بها أو لا تجد فيها سعادتك.

ويمكنك بدء عادة يومية تنصحك بها المعالجة النفسية تيس بريغهام بتخصيص وقت محدد تجلس فيه مع نفسك عدة مرات في اليوم لمراقبة أفكارك ومشاعرك، وتدوين ما تلاحظه من تغيرات لإداراكها بصورة أدق، توصلك إلى فهم دوافعك وما يتحكم في سلوكك.

بشكل عام؛ هوّن الأمور على نفسك، وتخلَّ عن الحكم عليها، وتجنَّب الحكم على ماضيك بالفشل، وتذكّر أن الحياة تجربة وكلنا نحاول لمعرفة أفضل مسار نسلكه، فالجميع قد بذلوا الجهد والوقت للعثور على أحلامهم وتحقيقها لعيش حياة أفضل. 

المحتوى محمي