يُطلق مرضى متلازمة توريت أصواتاً ويقومون حركات غير لائقة لا إرادياً، وغالباً ما يُختزل مفهوم "متلازمة توريت" في استخدام المُصاب للألفاظ النابية وقول كلمات غير لائقة؛ إلا أن اقتصاره على هذا التفسير الشخصي خطأ فادح وفقاً للطبيبة المتخصصة في علم النفس العصبي، فرانسين لوسي التي تناضل من أجل تقديم مفهوم أفضل للمرض.
تعرّف العالم إلى متلازمة جيل دي لا توريت من خلال طبيب الأعصاب الشهير جان مارتن شاركو الذي سمى هذا المرض على اسم طالبه جورج جيل دي لا توريت تكريماً له؛ حيث كرس هذا الأخير جزءاً كبيراً من حياته المهنية لدراسة التشنجات اللاإرادية.
هذا الاضطراب العصبي الذي اعتُبر لفترة طويلة متلازمة نادرة، يصيب الآن واحداً من كل 1000 طفل. بيد أنه في سبعينيات القرن الماضي، قُدّر معدل انتشار المرض بين الأطفال بحالة واحدة من كل 20 ألف طفل؛ ولكن اقتصرت هذه الإحصائية فقط على الأطفال الذين يتفوّهون بألفاظ نابية وكلمات بذيئة.
أما اليوم فتُظهر الإحصائيات أن المرض يصيب طفلاً واحداً من كل 1000 طفل، وإذا قمنا بتضمين الأشكال الثانوية لمتلازمة توريت؛ يمكننا القول إن المرض يصيب واحداً من كل 200 طفل بحسب ما شرحته عالمة النفس العصبي ومؤلفة كتاب التشنجات اللاإرادية، فرانسين لوسي.
متلازمة ذات أعراض متعددة
عندما نركّز على أعراض متلازمة توريت، فإننا نلاحظ أن القائمة طويلة ومعقّدة. كما تتجاوز مجرد التلفظ بالكلمات النابية والبذيئة، مسببةً تشنجات لاإرادية (وميض العين والحركات أو الإيماءات اللاإرادية، إلخ) وأصواتاً (تشنّج الحلق والسعال والصراخ، إلخ)، يصحبها تكرار كلمات معينة.
ويُقدر أن 20-30% فقط من المصابين بمتلازمة توريت ينطقون بألفاظ نابية. في ذات السياق، تقول فرانسين لوسي: "ومع ذلك فغالباً ما يتم تشخيص متلازمة توريت من خلال هذه العلامة المرضية؛ لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه بمجرّد أن ينطق شخص ما بلفظ سيئ، فهو إذاً مصاب بمتلازمة توريت، ومن الجدير بالذكر أن المرضى لا يشتركون في هذا التصرّف بالضرورة".
التشنجات اللاإرادية أساس هذه المتلازمة
غالباً ما يتم تشخيص متلازمة توريت في سن السادسة أو السابعة، وتميل إلى الاختفاء مع بلوغ سن الرشد في 60-85% من الحالات. تحذر فرانسين لوسي قائلة: "إن التشنجات اللاإرادية العصبية شائعة عند الأطفال في هذا العمر. بشكل عام ينبغي ألا تسبب التشنجات اللاإرادية وحدها قلق الوالدين؛ أما إذا استمرت الحالة لأكثر من عام أو ظهرت أعراض أخرى مع اضطرابات سلوكية معينة، فمن المحتمَل أن يكون الطفل مُصاباً بمتلازمة توريت".
وتؤكد: "أما فيما يتعلق بأسباب ظهور هذا المرض، فإنه من المرجح أن يكون هناك عامل وراثي أو بيئي محدد بوضوح؛ إذ إن الآباء الذين يعانون من متلازمة توريت معرّضون أكثر من غيرهم إلى إنجاب أطفال مصابين بها. كما يمكن أن يتسبب اضطراب مستقبلات الدوبامين (أسبابه غير وراثية) المسؤولة عن تنظيم الدوبامين أو الناقلات العصبية الأخرى، في ظهور متلازمة توريت".
هذه العوامل، سواء كانت وراثية أو بيئية، من شأنها أن تؤدي إلى فرط نشاط الخلايا العصبية المرتبطة بإنتاج الدوبامين وتسبب اختلالات دماغية تؤدي إلى ظهور التشنجات اللاإرادية.
وهل من علاج؟
تشير فرانسين لوسي إلى فائدة استخدام الأدوية المضادة للذُّهان لإدارة وتهدئة الأطفال المصابين بمتلازمة توريت والذين يعانون جسدياً ونفسياً.
من جهة أخرى تكون الأعراض عند البالغين أضعف بشكل عام وتتم إدارتها بشكل أفضل، إلا في حالة حدوث أزمة صحية أو في الحالات الخطيرة التي يتناول فيها بعض المرضى الأدوية في الوقت المحدد. في معظم الأوقات؛ يمكن أن يكون الإطار النفسي التربوي والظروف العائلية الجيدة المحيطة بالمريض كافين لتعالجه.
ومع ظهور العلاجات السلوكية المعرفية، تتوفر أيضاً طرق العلاج القائمة على تقنية "عكس العادة" (إقناع أحدهم بانتهاج سلوك ما عن طريق تأييد السلوك المعاكس تماماً).
تشرح الطبيبة: "نعكس من خلال هذا العلاج حركة التشنج اللاإرادي المزعج؛ أي نقوم بالحركة المعاكسة بوعي. يثير التشنج اللاإرادي نوعاً من القلق في جسم المريض ويمكن أن يؤدي القيام بإيماءة معاكسة إلى إعادة التوازن؛ لكن هذا صعب التطبيق عند الأطفال وهو فعال بشكل خاص في مرحلة البلوغ. في بعض أشكال المرض الأكثر شدة، يمكن أن تؤدي عملية التحفيز العميق للدماغ إلى تحسين حالة المريض؛ لكن الآثار الجانبية لمثل هذا التدخل لا تزال غير معروفة".
اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن متلازمة باريس.