ما الذي يدفعنا إلى الهروب من الحب؟

3 دقائق
الهروب من الحب
الهروب من الحب

يعمل الطبيب ومختص التحليل النفسي ومؤلف كتاب "الوقوع في الحب" (Tomber en amour)، ديدييه لاورو منذ عدة سنوات على دراسة الحب؛ مسراته وآلامه والحواجز التي تحول بيننا وبينه، ولنعرف أكثر حول هذا الموضوع فقد أجرينا معه المقابلة التالية.

لمَ ترى أن الحب مخيف؟

لأن لهذا الشعور الرائع والمبهج وجهاً ثانياً ينطوي على الشعور بالألم والمعاناة والتعرض للهجران، فمن اللقاء الأول يلوح شبح نهاية العلاقة؛ حيث سيشعر الطرف الذي تعرض للهجر بأنه "قُتل" وهو على قيد الحياة، كما أن أحد الأوجه المخيفة الأخرى للحب هو عدم معرفة المرء السبب وراء حبه لشخص بعينه.

وعلى الرغم من أن هذا اللغز غير المفهوم جزء أساسي من حالة الحب، فإنه قد يدفع المرء إلى الهروب منها. وثمة آلية دفاعية نحمي أنفسنا بها من الوقوع في الحب؛ إذ يميل الكثيرون منا إلى الفصل بين مشاعرهم ورغباتهم  انطلاقاً من فكرة أن "الشخص الذي أحبه لن يحقق لي الإشباع"، و "أن هذا الإشباع لن يحققه لي سوى شخص لا أكن له أي مشاعر"؛ ما حدا بالكثيرين إلى السعي نحو إقامة علاقات لا تؤدي إلى تعلقهم بالطرف الآخر.

هل يتساوى الرجل والمرأة في الخوف من الحب؟

نعم ولكن لما كانت طريقة كل منهما في الحب مختلفة عن الآخر فإن مخاوفهما تختلف أيضاً، فالرجل يرغب في منح كل مشاعره لشريكة حياته، وفي حالة الانفصال فإنه سيشعر بفراغ كبير وبأن لا قيمة له. أما المرأة فهي تفضل أن تحصل على الحب، ولذلك فإن أكثر ما يخيفها في العلاقة العاطفية هو شعورها بالتعرض للهجران ونقص احترام الذات. 

فالرجل إذاً يخاف أن يتعرض للإهمال، بينما تخاف المرأة من أن تصبح مجرد أداة لإرضاء رغبات الرجل. ومع ذلك فإن مخاوف المرء من الحب ترتبط بظروفه الشخصية التي مر بها أكثر من ارتباطها بنوعه.

ما الذي يجعل المرء يتهرب من شخص يحبه؟

يعبّر هذا السلوك عن خوف المرء من الالتزام في علاقة مع شخص يجهل نواياه أو الارتباط به، وشعوره بأن الإخلاص لمن يحبه ومبادلته الحب ذاته يعني أنه سيخسر حريته ووجوده. 

وترجع هذه الإشكالية إلى علاقة المرء مع أمه في مرحلة الطفولة وتأثير هذه العلاقة الذي احتفظ به في عقله الباطن. ففي طفولته المبكرة شعر الفرد بأنه مركز اهتمام أمه ثم صُدم عندما أدرك أنها تحب أشخاصاً آخرين (كأخوته ووالده أو حتى أفراد عائلتها)، وشعر أنه انتُزع بوحشية من مكانه. ولذلك فقد تركت خيبة الأمل هذه في نفسه ذكرى لشعوره بالتعرض للهجر، يخشى تكرارها.

هل للعلاقة مع الأم الأهمية ذاتها لدى الرجل والمرأة فيما يتعلق بالحب؟

نعم وذلك لأن فرويد يقول إن الأم هي نموذج الحب الأول بالنسبة للطفل، ولذلك فإن المرء عندما يحب يجد نفسه طفلاً صغيراً ضعيفاً، وينظر إلى من يحبه كأم قوية من المرجح دائماً أن تستغل ضعفه وشعوره بأنه أقل قيمة بكثير من محبوبه. ونلتقي نحن المحللون النفسيون مرضى غير قادرين على لمس امرأة يحبونها لأنها تمثل بالنسبة إليهم في مخيلتهم "الأم المقدسة".

هل هذا السلوك مبالغٌ فيه؟

نعم بكل تأكيد لكنه سلوك شائع جداً. ويعد اختيار شريك حياة من لون بشرة أو عِرق مختلف أحد أكثر الأساليب شيوعاً لتجنب الارتباط بشخص يذكرنا برغباتنا التي تكونت لدينا في مرحلة الطفولة. 

وعلى الرغم من أنه من المستحيل التنبؤ بطبيعة العلاقات العاطفية المستقبلية للفرد، فإن نظرته إلى الحب قد تختلف إذا كانت أمه مهملة أو تعاني من الاكتئاب، أو كانت على العكس من ذلك أماً متسلطة. والنقطة الوحيدة المؤكدة هي أن الطريقة التي يحب بها الفرد أمه سيكون لها تأثير كبير في نظرته إلى الحب.

وفقاً للتحليل النفسي فإن الفرد يجب أن يكون محبوباً في الأساس ليحب شخصاً ما، فما سبب ذلك؟

لا يتمحور الأمر حول أن يكون الفرد محبوباً أو لا، فحتى الأيتام الذين حُرموا من آبائهم سيقابلون في وقت ما شخصاً راشداً يعوضهم ولو جزئياً عن حب الوالدين. لكن الفكرة الرئيسية هي أن نتساءل عما إذا كان المحيطون بالفرد في مرحلة الطفولة قد ساعدوه على بناء حب الذات والثقة بالنفس والشعور بالأمان، وهو الشعور هو الذي يتيح له بصورة خاصة إنشاء علاقة عاطفية يمنح فيها الطرف الآخر ما حصل عليه في طفولته. 

من جهة أخرى فإن لعلاقة الوالدين ببعضهما دوراً رئيسياً في حياة الفرد العاطفية. يتسم الطفل بحساسيته الشديدة لموضوع الانفصال، لذا فإن انفصال والديه سيؤثر فيه بشدة، وبحسب تجربتي فإن ذلك قد يؤدي إلى ظهور سلوكين متعاكسين تماماً لديه كراشد: 

  • السلوك الأول: أن يقرر إنشاء علاقة عاطفية ناجحة، وفي معظم الأحيان يلتزم الأشخاص الذين يتخذون هذا الموقف بعلاقات دائمة في مرحلة مبكرة من حياتهم. لكن وفقاً للتحليل النفسي فإن هذه الرغبة القوية في الالتزام بعلاقة حب هي استراتيجية غير واعية يهدف المرء من خلالها إلى التخلص من خوفه من الانفصال أو التعرض للهجر.
  • السلوك الثاني: أن يرفض الفرد الالتزام بأي علاقة دائمة، وبمجرد أن يطلب منه الطرف الآخر أن تأخذ العلاقة بُعداً جديداً كالزواج وإنجاب الأطفال، فإنه يهرب.

هل ثمة درجة معينة من الخوف تمنع المرء من الوقوع في الحب؟

أنا أومِن بأن الحب أقوى من أي شيء آخر، وتجربة الحب من النظرة الأولى هي خير دليل على ذلك، فعندما يتملكك هذا الشعور تجد نفسك عاجزاً أمامه. وفي أي سن كنت، سيعيدك الحب طفلاً مرةً أخرى وستجد نفسك غير قادر على التعبير، ومندهشاً ومفتوناً بنظرة محبوبك الذي يمثل بالنسبة إليك "والدتك". 

قد تكون هذه الحالة مخيفة لكنها مؤقتة، وعلى الرغم من أن هذا الانبهار لا يدوم فإن مقاومته غير ممكنة. نحن لا نختار أن نحب؛ إذ إن ما يدفعنا لنحب أحداً ما هي دفاعاتنا النفسية ومخاوفنا القابعة في داخلنا. أما الأمر الجوهري هنا فهو معرفة كم سيطول ترددنا قبل الالتزام بهذه العلاقة، حتى لو قلنا لأنفسنا في البداية إنه يجب ألا نخضع لمشاعرنا فقد جربنا ذلك فيما سبق وانتهت القصة بطريقة مؤلمة، لأننا إذا كنا في حالة حب بالفعل فإن مقاومتنا لن تدوم طويلاً.

المحتوى محمي