التحلّي باللطف هو رهان على أنفسنا وعلى الآخرين والمستقبل. في عالم وحشي حيث ليس للعاطفة مكان، فإن الانفتاح على الآخرين وقبول مخاطر استغلالهم لنا ما هو إلا انعكاسٌ لشجاعتنا.
أن تكون طيباً يعني أن تكون غبياً فالشر والنجاح مرتبطان ارتباطاً وثيقاً. في عالم تسوده المنافسة، عالم يحثّنا على الفوز بغض النظر عن طريقة تحقيقه؛ حتى وإن كان ذلك من خلال طرق غير نزيهة أو طرق ملتوية.
إن الإغراء الذي يمارسه علينا أكثر المؤرخين نقداً والأبطال الساخرون والمصابون بخيبة الأمل، وحتى أولئك الذين لا يترددون في تدمير العلاقات بين أقاربهم لتحقيق أهدافهم، هو تذكير يومي بذلك. دون أن ننسى الأشخاص الطيبين المزيفين الذين يحاولون التلاعب بالآخرين من خلال التخفي في مظهر خارجي معسول.
ووفقاً لمفهوم خاطئ واسع الانتشار، فلا يمكن للذكاء الاستغناء عن جرعة من الشر. دعونا لا ننخدع، فبالنسبة للتحليل النفسي يشير الشر قبل كل شيء إلى الشعور بالإحباط والقلق من أن يُنظر إليك على أنك ضعيف. من خلال هذا الرأي، يظهر أن الأشرار غير راضين ويحاولون الهروب من ضعفهم بالانتقام من الناس. لا شيء جيد جداً أو مثير للإعجاب!
علاوة على ذلك، فمنذ وقت ليس ببعيد كانت كلمة غبي مرتبطة أكثر بكلمة شرير. وفي عالم المتوحشين هذا فإن اللطف هو بالأحرى ذكاء أولئك الذين يمكنهم تحمل رؤية صورتهم موضع تساؤل دون أن تنهار في ذات الوقت. من يفضل الانفتاح على الآخرين لا يعيش متمحوراً حول مصالحه الخاصة. إنها شجاعة وبطولة يومية جديدة ضد السخرية السائدة.
الرهان
"عندما أكون لطيفاً أخاطر بأن أخفق". لذلك فإن الجرأة على أن أكون شخصاً لطيفاً عبارة عن مقامرة؛ حيث يمكن للآخر أن يسيء لي أو يستغلني. كما لا يوجد ضمان، خاصة إذا كان منغمساً في بيئة تهيمن عليها علاقات القوة والتي رسّخت فيه الاقتناع بأن الرجل اللطيف هو بالضرورة رجل ضعيف، ولذلك ينبغي ألا أكون لطيفاً جداً حتى لا يهينني قبل أن أهينه.
دعونا نتذكر أنه إذا كنت طيباً فذلك لا يعني أنك غير حازم أو تفتقد لاحترام الذات. لا ينبغي أن يقودنا اللطف إلى التضحية! وقبل كل شيء، دعونا نتوقف عن الاعتقاد بأن الآخر هو العدو وأنه يحاول إيذاءنا باستمرار. الغالبية العظمى من تعاملاتنا كما يرى الجميع، ليست مدعومة بالقسوة أو السادية؛ بل بالأحرى نوع من الحياد الذي يحفظنا.
الاحتقار وانعدام الثقة والعدوانية سلوكيات مكلفة تستنزف النفس. وماذا سنجني فيما بعد؟ شعور بالعزلة والقلق والتوتر، ناهيك عن الشعور بالذنب الذي يتمسّك بنا، لا سيما عندما ندرك الأذى الذي لحق بالآخرين.
نحن كائنات اجتماعية، وفي الحقيقة تعتمد رفاهيتنا على جودة العلاقات التي يمكننا تأسيسها. وينطبق ذلك أيضاً على مستقبلنا كنوع، فالعيش معاً بشكل أفضل هو مسألة بقاء.
يوم اللطف
ولدت الفكرة في اليابان في الستينيات بعد مشاجرات عنيفة بين الشرطة والطلاب في جامعة طوكيو. وقد اقترح رئيس الكلية بسلام ومحبة، أن يبدي الجميع اهتماماً ضئيلًا بشكل يومي حتى يغمر اللطف الحرم الجامعي، ثم المدينة والبلد تدريجياً.
ثم في عام 1997، بدأت حركة اللطف العالمية التي تضم أكثر من ثلاثة ملايين عضو في خمس عشرة دولة، بما في ذلك أستراليا وكندا وإنجلترا وإيطاليا وسنغافورة وكوريا الجنوبية. إن جعل العالم أكثر لطفاً مهمة صعبة.
لهذا السبب تَقَرّرَ البدء من اليوم الأول بإقلاع المرء عن التدخين؛ يوم للتوقف عن الدخان، ثم قل مرحباً لسيدة ما وابتسم لجارك وقدم الحلويات إلى أقاربك. يُحتفل بيوم اللطف في فرنسا كل عام بتاريخ 3 نوفمبر لكن ليس عليك انتظار ذلك اليوم للقيام بإيماءة لطيفة.