أمل: “السبيل الوحيد للتخلص من منحرف نرجسي هو الفرار”

4 دقائق
منحرف نرجسي

لقد تمكنت أخيراً من تحرير نفسها وابنتيها من قبضة منحرف نرجسي. رَوَتْ أمل كيف تمكنت من انتزاع نفسها من قبضة زوجها، بعد مرور 26 عاماً على الزواج.
إنه "ملاك في الشوارع وشيطان البيت" هكذا تصف أمل زوجها السابق.

تقول أمل: "قابلت دريد منذ كان عمري 18 عاماً، وكان ذلك في أيرلندا في فصل الصيف، وآنذاك كان يبلغ من العمر 30 عاماً. في ذلك الوقت كان ساحراً ونشيطاً وجذاباً؛ لكنه لم يعجبني كثيراً لأنني كنت مغرمة بابن عمه فادي. وكان هناك شيء ما في دريد جعلني أشعر بعدم الارتياح دون أن أعرف السبب بالتحديد. كنت أشعر أن لديه جانباً ماكراً في شخصيته إلى حد ما.

عدت إلى باريس للدراسة وسرعان ما لحق بي دريد الذي قرر الاستقرار فيها أيضاً. اتصل بي كثيراً وحاول رؤيتي باستمرار، كما كان مهتماً بي جداً وأخذني إلى أماكن رائعة. شعرت حينها باستلطافه لي وتأثرت بذلك.

أما دريد، فقد عرِف دائماً كيف يجعل نفسه شخصاً لا يمكن الاستغناء عنه، فضلاً عن أن له القدرة على مجاراة الأمور على النحو الذي يريده. كنت مفتونة بثقته بنفسه. كما أنه كان يعطي انطباعاً بأنه مثقف للغاية ومنفتح على العالم. لقد كان دائماً في الصدارة. في المقابل؛ كنت إنسانة متحفظة وخجولة إلى حد ما، حتى أنني كنت أطمس ذاتي أحياناً.

لقد أحببته دون أن أكون في علاقة غرامية معه؛ لكنه تمكن من خلق نوع من التبعية له. في البداية وضعني على قاعدة التمثال، وجعلني شخصية مثالية تماماً. كان لدي شعور بأنه يحبني كثيراً وسأكون جاحدة إذا رفضته،

وهكذا وقعت في الفخ. قالي لي دُريد ذات مرة أنني كنت ملاكه المنقذ،  وغالباً ما تحدث عن طفولته التعيسة وعن جانبه الانتحاري. وبالنسبة لي؛ إذا تركته يمكن أن ينهي حياته. لقد عشت متكبّدة عناء هذا الحمل دون أن أخبر أحداً لسنوات.

أما دريد، فلا يزال يتغذى على شعوري المفرط بالذنب.

ذات يوم، ذهبت لتناول الغداء مع صديق لي في الجامعة. عندما عدت وجدته يبكي في حمامه لأنني قضيت اليوم مع شخص آخر، في مشهد سينمائي متقن. في ذلك الوقت، أتذكر شعوري بعدم الارتياح العميق والاشمئزاز تقريباً. لكني لم أستمع إلى نفسي، لقد كنت على حق. قلت لنفسي إنني أفتقر إلى الفهم والحساسية تجاهه.

ذات مرة، قبل مغادرته لقضاء عطلة نهاية أسبوع رومانسية، أخبرني دريد أنه عاد لتوه من المستشفى؛ حيث أجهضت إحدى صديقاته السابقات طفلاً من أطفاله ثم في السيارة بدأ يتحدث عن أشياء أخرى تماماً. شعرت على إثر ذلك بالاشمئزاز والذعر. في الحقيقة، شعرت برغبة لا يمكن كبتها في الفرار. كنت أنتظر الضوء الأحمر التالي للقفز من السيارة. ثم فجأة قال لي: "لدي شعور بأنك تريدين النزول من السيارة". في هذه اللحظة أصابني شلل؛ لكنني كنت ثابتة ولم أعلق.

أتذكر أن صديقاً قال لي: "أنا لا أومِن بالتضحيات". لم أفهم قصده في الحقيقة، كما لم تكن لدي الشجاعة لسماع الصوت الخفي الذي بداخلي.

سافرنا إلى أيرلندا لأن دريد كان يريد تأسيس شركته الخاصة هناك، لذلك تركت دراستي وتزوجنا.

عندما أنجبت طفلنا الأول تغير دريد، وبدأ وجهه الحقيقي في الظهور.

أصبح متطلباً للغاية، فضلاً عن أنه يتحكم في كل شيء ويراقبه. وكان حاضراً دائماً؛ حيث يعمل من المنزل وفي غرفة المعيشة بالتحديد، بالإضافة إلى أنه كان يشعر بالخوف إذا ابتعد عنا، وهكذا بات من الصعب علينا حتى التنفس.

أصبح غضبه سريعاً وكان ينتقدنا بسهولة. علاوة على ذلك؛ غالباً ما كان يقوض سلطتي أمام بناتنا. لم يكن يريدني أن أضع حدوداً بيني وبينه، لقد جعلني أبدو وكأنني أم سيئة. كان علي أن أكون المرأة المثالية وإلا فأنا المرأة الشريرة وعديمة المسؤولية. بالنسبة له الأم الجيدة لا تعمل، ولذلك بقيت في المنزل مع الأطفال، وكان يعطيني قدراً من الأموال أسبوعياً لا يساوي شيئاً.

كما لم يكن يحترم نظامي اليومي، وكان يمنعني من القيام بالأشياء بالطريقة المناسبة. وكأنه مخرب! بالإضافة إلى ذلك؛ كان يغير رأيه طوال الوقت. يقول بأنه سيعود في مثل هذا الوقت ويعود إما قبل ذلك بكثير أو بعد ذلك بكثير، دون أن يعتذر عن ذلك.

كنت أرتب من بعده ويبعثر المكان من جديد، وإذا نظفت يوسخ عمداً، كنت أرتب كل شيء من بعده. وكأنه يريد أن يجعل الحياة صعبة قدر الإمكان. كرست حياتي للاهتمام بكل شيء؛ لكن في المقابل كان يترك الأبواب والنوافذ والخزائن مفتوحة والمنشفة المبللة على الأرض. قطرات المياه هنا وهناك، ومعجون الأسنان مبعثر في جميع أنحاء الحمام. وإذا غضبت منه وتكلمت معه في هذا الشأن، فسيخبرني أنني أزعجه وأن ما أقوله لا يهمه. في حين أنه في الواقع كان يدمر حياتي،

لقد أمضى وقته في زعزعة استقراري أيضاَ، لأضع نفسي أمام الأمر الواقع. يوم انتقالنا من المنزل، اشترى لنفسه قارباً وأهداني مكنسة كهربائية. كان يحاول إنشاء عالمه الصغير الخاص به حتى يتمكن من القيام بما يشاء. لقد حافظت على توازن الحياة من حولي،

فكرت عدة مرات في تركه لكنني بقيت معه من أجل بناتي. لم أرغب في تركهما معه. على مر السنين، استحوذ عليّ هاجس تركه لكن لم يكن هذا هو الوقت المناسب أبداً. وفي واقع الأمر؛ لم أكن أعرف ماذا أفعل. لم يكن لدي مكان أذهب إليه ولا أموال،

ثم اجتاحتني نوبة اكتئاب. بالنسبة له كنت أنا فقط من يواجه مشكلة. لقد قضيت معظم حياتي الزوجية في رؤية المعالجين النفسيين، وبالنسبة لهم كنت أفتقر إلى الثقة بالنفس.

ذات يوم اكتشفت أن دريد الذي كان يفرض قيوداً على الميزانية علينا لسنوات، كان يجب أن يدفع لي ولبناتي أموالًا كمساهمين في شركته، بالإضافة إلى مبالغ مادية كبيرة، وهنا كانت الصدمة الكبرى.

وبعد فترة وجيزة، اكتشفت أيضاً أنه كان يتجسس على محادثاتي الهاتفية. لقد شعرت بالذهول، وكالمعتاد كان يحاول التقليل من الحقائق. لقد كان دائماً يجد طريقة لترويض سمكته كالصياد البارع أو يغضب ويغادر. في الواقع؛ الحوار معه مستحيل.

بعد مرور السنوات، أحسست بأني أتدمر من الحزن. وفي يوم من الأيام، أخبرتني صديقة لي عن برنامج إذاعي مخصص للتحدث عن الشخصيات المتلاعبة. لقد صدمني الاستماع إلى قصتي في البرنامج، لقد انتشرت بسرعة البرق! وكان لزوجي كل صفات المنحرف النرجسي.

بعد ذلك قرأت كتاب "المتلاعبون والحب" (Les manipulateurs et l'amour) لإيزابيل نازاري آغا. ثم سرعان ما تغير شيء ما في داخلي. لقد فهمت أن دريد لم يكن يتصرف بشكل طبيعي، كما كان شخصا ساماً للغاية، فضلاً عن أننا لا يمكننا الفوز ضده أبداً. لحماية نفسي؛ كنت أفكر كثيراً لأتوقع مسبقاً ما يمكن أن يفعله هذه المرة.

عندما تَطَلّقْتُ منه بعد مرور 26 عاماً من الزواج، شعرت بوجود شبكة واقية من حولي. لقد كان الناس معي ودائماً ما كانوا يقولون لي ذلك. كما ساعدتني ابنتاي كثيراً، وذات مرة قالت لي إحداهما: ”إذا حررتِ نفسك، فسوف تحرريننا أيضاً". لم يسبق لي أن فكرت في ذلك!

طلاقي قبل خمس سنوات كان أفضل شيء قمت به. لمواجهة "منحرف نرجسي"، فإن السبيل الوحيد للتخلص منه هو الهروب. لا يزال دريد يسبب لي المشاكل؛  لكني لست نادمةً على أي شيء، باستثناء عدم التخلص منه في وقت سابق. لقد استغرق الأمر مني بعض الوقت لإعادة بناء نفسي؛ لكني اليوم أشعر بأنني أقوى بكثير. أنا  الآن حرة ومستقلة، كما أنني التقيت شخصاً ما  لأني أرغب في ذلك فعلاً. ولحسن الحظ؛ لا يشبه الرجال بعضهم بعضاً.

المحتوى محمي