هل تخاف من الرد على الهاتف؟ ربما تعاني من صدمة نفسية

6 دقائق
الصدمات النفسية

لا تخلو الحياة من الصدمات النفسية التي قد تأتي ببعض التغييرات في حياة الفرد، وتغيِّر منظوره للحياة بعض الشيء، أو أنها قد تقلبها رأساً على عقب. في كل الأحوال؛ لا يستطيع أي منا تجنُّب تلك الصدمات تماماً أو منع حدوثها.
ومهما كان مصدر هذه الصدمات، فإنها تترك بصماتها في الدماغ وتؤثر في صحتنا النفسية. في حين قد يشعر البعض بتحسُّن كبير بعد فترة من الحدث المؤلم، يتعافى آخرون بشكل أبطأ، وقد يعاني البعض الآخر من أعراض منهِكة تستمر طويلاً.

فيما يلي بعض ردود الأفعال والسلوكيات الناتجة عن الصدمات النفسية؛ والتي يُعتبر الوعي بها أول خطوة نحو التعافي.

ردود الأفعال الشائعة للصدمة النفسية

يستجيب كل شخص بشكل مختلف للأحداث الصادمة؛ ما يعني اختلاف ردود الأفعال وحدّتها من شخص لآخر. كذلك ففي حين تحدث بعض ردود الأفعال لشخص ما، قد لا تحدث لشخص آخر على الإطلاق.

وفقاً لكتاب "العلاج المتزامن لاضطراب ما بعد الصدمة واضطرابات تعاطي المخدرات باستخدام التعرض لفترات طويلة: كتيب تعليمات للمريض" (Concurrent Treatment of PTSD and Substance Use Disorders Using Prolonged Exposure (COPE): Patient Workbook)؛ تشمل أكثر ردود الأفعال شيوعاً للصدمة النفسية ما يلي:

1. إعادة تجربة الصدمة

تستعيد عقول الكثيرين ممن مروا بصدمات تلك الذكرى المؤلمة والمزعجة باستمرار، كما لو أنها حدثت للتو. قد يشعر الفرد أن الدماغ يحاول فهم التجربة أو معرفة ما إذا كان يجب أن يستجيب بشكل مختلف؛ لكن في جميع الأحوال يكون ذلك الأمر مؤلماً ومرهقاً للغاية.

الكوابيس: في حين قد تبدو التجربة الفعلية للفرد وكأنها كابوس يريده أن ينتهي، فمن الشائع أن تطارده الكوابيس الحقيقية في أحلامه في أعقاب الصدمة. يحدث ذلك نتيجة تعرُّض الجهاز العصبي لصدمة كبيرة، فيستمر العقل في معالجة الحدث أيضاً خلال ساعات النوم.

جدير بالذكر أن هذه الكوابيس قد لا تتعلّق بتجربة الصدمة بالضبط؛ ولكن تكون لها سمات مشتركة معها.

القلق: إن القلق هو رد فعل شائع وطبيعي للمواقف العصيبة. بالنسبة لكثير من الناس؛ قد يستمر لفترة طويلة بعد انتهاء الصدمة.

يحدث ذلك عندما تتغير نظرة الفرد إلى العالم ويختل شعوره بالأمان، فقد يشعر الفرد بالقلق عندما يتذكر الحدث الصادم سواء بالتعرُّض لمحفزات أو إشارات تذكِّره به؛ مثل الأماكن أو أوقات اليوم أو الروائح أو الضوضاء أو أي موقف يرتبط بالحدث المؤلم.

زيادة اليقظة: تعد زيادة اليقظة إحدى الاستجابات الشائعة أيضاً للصدمة؛ والتي قد تتمثل في: الشعور بالحذر، التوتر، الرعشة، العصبية، بالإضافة إلى صعوبة التركيز أو النوم. يمكن أن يؤدي ذلك إلى التهيُّج، خاصة إذا لم يحصل الفرد على قسطٍ كافٍ من النوم.

التجنُّب: إحدى الطرق الشائعة لمحاولة إدارة أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) هي تجنُّب المواقف التي تذكِّر الفرد بالصدمة؛ مثل مكان حدوثها. في كثير من الأحيان؛ يتم أيضاً تجنُّب المواقف التي لا ترتبط ارتباطاً مباشراً بالصدمة؛ مثل الخروج مساءً إذا حدثت الصدمة في الليل.

مع استمرار ذلك التجنُّب لفترة طويلة فقد يؤدي إلى الشعور بالخدر أو الفراغ؛ حيث يواجه الفرد صعوبة في الشعور بأي مشاعر، حتى الإيجابية منها!

الغضب: بالإضافة إلى الخوف والقلق، فإن الغضب هو رد فعل شائع جداً للصدمة. قد نشعر بالغضب تجاه الشخص أو الموقف المسؤول عن صدمتنا، كما قد يكون الغضب موجّهاً تجاه أنفسنا. كذلك فقد نكون أكثر غضباً من المعتاد، ونجد صعوبة في فهم سبب نفاذ صبرنا عند التعامل مع الآخرين.

الحزن: غالباً ما نشعر بالحزن والبكاء بعد حدث صادم للغاية. يمكن أن يكون البكاء وسيلة للجهاز العصبي ليخفف من أثر استجابة القتال أو الهروب؛ حيث يرتبط البكاء بالجهاز العصبي السمبثاوي الذي يهدئ العقل والجسم.

الإحساس بالذنب: إذا تضمنت الصدمة إصابة أو قتل شخص قريب منا، فقد نلوم أنفسنا ونشعر بالذنب لأننا لم نمنعها بطريقة ما، أو قد نشعر بالمسؤولية عن ذلك الأذى كما لو أننا تسببنا فيه بطريقة ما.

الشعور بالخدر: في بعض الأحيان بدلاً من الشعور بمشاعر قوية؛ نشعر بالخدر والتبلُّد كما لو أننا مصنوعون من الجليد.

الاكتئاب: يمكن أن يشمل ذلك الشعور بالإحباط أو اليأس، مع فقدان الاهتمام بالأشخاص والأنشطة التي كانت مصدراً للمتعة قبل ذلك، فيميل الشخص للبقاء في المنزل وعزل نفسه عن الأصدقاء. قد يشعر الفرد أيضاً أن الخطط التي وضعها للمستقبل لم تعد مهمة، أو أن الحياة لا تستحق العيش.

الصورة الذاتية السلبية: قد يردد الشخص عبارات مثل: "لو لم أكن ضعيفاً جداً لما حدث هذا لي" أو "أنا شخص سيئ وأستحق ذلك". من الشائع أيضاً رؤية الآخرين بشكل أكثر سلبية، وفقدان الثقة بهم بالرغم من احتمالية التفكير سابقاً بأن العالم مكان آمن.

صعوبة في الشعور بالحميمية: يجد الكثير من الناس صعوبة في الشعور بالحميمية أو إعادة العلاقات الجنسية مرة أخرى. هذا ينطبق بشكل خاص على أولئك الذين تعرضوا للاعتداء الجنسي، لأنه بالإضافة إلى انعدام الثقة؛ يمكن أن يكون الجنس نفسه بمثابة تذكير بالاعتداء.

تعاطي المواد المخدرة أو شرب الكحوليات: في كثير من الأحيان؛ قد يفعل الشخص ذلك كمحاولة لحجب الذكريات أو الأفكار أو المشاعر المؤلمة المتعلقة بالصدمة. قد يعاني الأشخاص المصابون باضطراب ما بعد الصدمة من صعوبة في النوم أو كوابيس، وقد يتعاطون المخدرات لمحاولة تحسين النوم أو المساعدة في نسيان أحلامهم.

اقرأ أيضاً: هل تؤدي الصدمات النفسية لزيادة خطر الإصابة بالتصلب المتعدد؟

سلوكيات ناتجة عن الصدمات النفسية

في حين أن وجود واحد أو اثنين من سلوكيات مثل الشعور بعدم الارتياح عند التواجد في مكان جديد أو الرغبة في الصمت والانزواء في بعض الأحيان هو أمر طبيعي، فقد يشير اختبار عدد منها إلى المعاناة من القلق الناتج عن صدمة نفسية.

في مقالها حول السلوكيات التي قد تُحدث استجابةً للصدمات النفسية، تذكر المعالجة النفسية "كايتي جيليس" (Kaytee Gillis) أكثر الاستجابات للقلق شيوعاً؛ والتي لاحظتها من خلال ممارستها وهي:

1. عدم الرد على الهاتف أو تجنب إجراء المكالمات

بالنسبة لشخص لا يعاني من قلق اجتماعي، فقد يبدو الرد على الهاتف وكأنه مهمة بسيطة تجنُّبها مجرد كسل. ومع ذلك، فإن ما يميز الأمر عن كونه طبيعياً هو ارتفاع معدلات هرمونات الأدرينالين والكورتيزول الذي يتبع ذلك الفعل بالنسبة لشخص لديه تاريخ من الصدمة.

في حين أن مجرد الرد على مكالمة أمرٌ طبيعيٌ؛ بل وروتيني في كثير من الأحيان، فإن الرد على مكالمة غير متوقعة يثير الخوف -لدى من يعاني من صدمة عاطفية- من أن المحادثة قد تؤدي لأمر ما لن يستطيع التعامل معه أو الهروب منه.

2. الانغلاق على الذات أو الصمت خلال التواجد في التجمعات

يمكن أن يحدث العديد من أشكال القلق الاجتماعي نتيجة للنمو في بيئة فوضوية؛ حيث يكون الفرد مضطراً باستمرار إلى "العمل" أو الاستعداد للتحدث أو رعاية شخص آخر.

نتيجة لذلك، فأحياناً يعاني البالغون الناجون من الصدمات من الإفراط في التحفيز في المواقف الاجتماعية، ويشعرون بالاستنزاف مع عدم القدرة على الحصول على استراحة ذهنية، لذلك فقد يلجأ الشخص إلى الذهاب إلى الحمام ليكون بمفرده أو يلوذ بالصمت.

3. الشعور بالتوتر أو عدم الارتياح عندما يجلس شخص ما بالقرب منك

هذا الأمر شائع جداً؛ حيث يفضِّل العديد من الأشخاص الذين يعانون من القلق الاجتماعي وجود مسافات كبيرة بينهم وبين الشخص الآخر. فوجود شخص مجهول يجلس بجانبهم يمكن أن يجعلهم غير قادرين على التركيز من فرط القلق.

يحدث ذلك عندما ينشأ الفرد في بيئة تم فيها انتهاك حدوده. لذلك، فإن وجود فقاعة شخصية كبيرة يصبح ضرورياً للحفاظ على الراحة الداخلية.

4. الجلوس في أماكن معينة خلال المناسبات الاجتماعية

أفاد العديد من الناجين من الصدمات أنهم يفضلون الجلوس وظهرهم إلى الحائط، على عكس الباب أو الفضاء المفتوح. بسبب حالة اليقظة المفرطة المستمرة، فإن نظامهم العصبي يبقيهم متحفزين لأي تهديد محسوس، حتى لو كان غير منطقي. يبدو أن الجلوس وظهرهم للحائط يمكنهم من مراقبة الغرفة ومن بداخلها ويهدئ من هذا التوتر العصبي، حتى لو كان ذلك مؤقتاً.

5. الإفراط في الأكل أو الشرب

يطوِّر الناجون من الصدمات طرقاً للتهدئة الذاتية المرتبطة بالطعام؛ إما بالانغماس أو التجنُّب. فالأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأكل كثيراً ما يكون لديهم تاريخ من تجارب الطفولة المجهِدة والصدمات.

6. محاولة الاختباء عندما يطرق شخص ما الباب بشكل غير متوقع

غالباً ما يرتبط هذا الشعور بالقلق، بتجارب عدم القدرة على الهروب من مواقف مؤلمة في مرحلة الطفولة.

7. الاعتذار باستمرار

قد يحدث ذلك نتيجة للإساءة العاطفية أو الإهمال في مرحلة الطفولة. فعندما يتم انتقادنا باستمرار أو جعلُنا نشعر أن كل شيء هو خطؤنا، يصيبنا إحساس قوي بالعار. يتجلى ذلك في الحاجة المستمرة للإفراط في الاعتذار، حتى لو لم نرتكب أي خطأ.

8. ردود الأفعال القوية

من الشائع أن يعاني الأشخاص الذين مروا بصدمات عاطفية من استجابة عالية للضوضاء أو المنبهات التي قد لا يلاحظها الآخرون أو تكون مصدراً لإزعاجهم. يرتبط ذلك بصدمات الطفولة وسوء المعاملة.

9. عدم الرغبة في استقبال الناس في المنزل

غالباً ما يكون هذا بسبب عدم القدرة على التحكم في وقت مغادرتهم، ومن ثم الشعور بتهديد المساحة الآمنة. يحدث ذلك أيضاً بسبب النشأة في منزل تم فيه طمس الحدود وانتهاك الخصوصية.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن نتخطى المواقف الأليمة؟

وأخيراً؛ إن التجربة المؤلمة هي أي حدث في الحياة يتسبب في تهديد سلامتنا ويُحتمل أن يعرِّض حياتنا أو حياة الآخرين للخطر. نتيجة لذلك، فقد نعاني من مستويات عالية من الضيق العاطفي والنفسي والجسدي الذي يعطِّل قدرتنا على العمل بشكل طبيعي في الحياة اليومية؛ ما يستدعي استشارة الطبيب إذا استمر الأمر ليتداخل مع ممارستنا لأنشطتنا اليومية.

المحتوى محمي