النساء أكثر عرضة للاكتئاب من الرجال؛ هذا ما أكدته منظمة الصحة العالمية. وهي حقيقة مؤكدة منتشرة في شتى أرجاء العالم بما في ذلك الولايات المتحدة. كما أظهرت مختلف الدراسات الوطنية والثقافات أنه بغض النظر عن وقت حدوثه، تكون نسبة الإصابة بين السيدات بالاكتئاب مرتفعة للغاية مقارنة بالرجال.
ما أسباب الاختلاف بين الرجل والمرأة في مواجهة الاكتئاب؟ إن الاختلافات البيولوجية بين "الرجال والنساء"، وخاصة الهرمونية، يمكن أن تفسّر ذلك على الأقل بصفة جزئية. هذه هي الفروق الواضحة بين الجنسين، ومع ذلك من المرجح أن تؤدي العوامل الاجتماعية بين الرجال والنساء دوراً أكبر في حدوث ذلك.
على سبيل المثال، تعاني الإناث عموماً من إجهاد أكبر مقارنة بالذكور وقد أظهرت الأبحاث أن التوتر الاجتماعي هو سبب رئيسي للاكتئاب.
لكن بحثاً نشر في العام 2017 كنت قد أجريته مع زميلتي مريام موغني لنكراني يشير إلى ما يلي: في حالة وقوع حدث مرهق فإن الرجال أكثر عرضة للاكتئاب.
لماذا النساء أكثر اكتئاباً من الرجال؟
وفقًا للباحثين، يحدث الإجهاد كلما حدثت تغييرات كبيرة في الوضع الراهن والتي من المحتمل أن تسبب ضغطاً عقلياً أو عاطفياً أو حتى توتراً. ويمكن أن تتمثل أحداث الحياة المجهدة في الزواج أو الطلاق أو الانفصال أو المصالحة بين الزوجين أو الإصابة الشخصية بحادث ما أو المرض أو التخرج أو التقاعد.
إن الرجال أكثر عرضة للإصابة بنوبات الاكتئاب في حالة صعوبة العمل وحدوث الطلاق والانفصال. أما النساء فهن أكثر حساسية عند النزاع أو المرض الخطير أو فاجعة الموت لأقربائهنّ. وفي الواقع تشير الأبحاث إلى أن معظم الأحداث المجهدة التي تؤدي إلى اكتئاب الإناث تتعلق بشبكتهنّ الاجتماعية الوثيقة؛ مثل العلاقات الرومانسية والزوجيّة وتربية الأطفال وأدوارهن كأمهات.
يُظهر هذا العمل أنه بالمقارنة مع الرجال من المرجح أن تجتر النساء (مصطلح تقني يشير إلى الإفراط في التفكير) الموضوعات المجهدة وتغمرهنّ الأفكار السلبية ما يؤدي إلى الاكتئاب. ووفقاً لإحدى الدراسات فإن هذا هو ما يفسر الاختلاف بين الذكور والإناث فيما يتعلق بانتشار مرض الاكتئاب.
بالإضافة إلى ذلك؛ من المحتمل أيضاً أن يؤدي الإفراط في التفكير إلى زيادة التوتر وهذا ما يحدث كثيراً للأسف عند النساء.
تشير هذه النتائج إلى أن الأسباب النفسية والاجتماعية للاكتئاب مرتبطة جزئياً بالجنس وهذه التفاوتات متجذرة في الظروف المعيشية المختلفة وعدم المساواة الاجتماعية التي يعاني منها "الرجال والنساء".
ومع ذلك فبالمقارنة مع الرجال؛ تقع النساء عموماً ضحايا لتفاوتات وضغوط اجتماعية أكبر وبالتالي فإنهن أكثر عرضة للاكتئاب.
في الحقيقة تتجلى الفجوة بين الجنسين على مستوى حالات الاكتئاب بشكل أكثر وضوحاً في الدول التي فيها تفاوتات كبيرة بين الجنسين. علاوة على ذلك فإن معدل الاختلاف بين الجنسين في حالة الاكتئاب هو الأعلى في البلدان التي لا يتمتع فيها الرجال والنساء بنفس القدرة على الوصول إلى الموارد والمساواة الاجتماعية. وهذا يمكن أن يفسر لماذا يكون الرجال أكثر هشاشة في مواجهة الاكتئاب بسبب الإجهاد، فهم غير معتادين على التعامل معه.
الرجال أكثر عرضة للآثار طويلة المدى للتوتر
في بحثنا الجديد وجدت أنا وزميلتي مريام موغني لانكراني أن أحداث الحياة المجهدة من المحتمل أن تعرّض الرجال للاكتئاب أكثر من النساء. وعلى الجانب الذكوري فنحن أكثر عرضة للانهيار، لا سيما عندما نعاني في ذات الوقت من عوامل ضغط أخرى لفترة طويلة من الزمن.
كما نظرنا إلى بيانات من دراسة تمثيلية على المستوى الوطني في الولايات المتحدة تبحث في كيفية تأثير النتائج النفسية على المدى الطويل في صحة الناس الجسدية والعقلية.
بالإضافة إلى ذلك؛ درسنا تأثير أحداث الحياة المجهدة كما ذكرها الرجال والنساء في بداية الدراسة ومعدلات اكتئابهم بعد مرور خمسة وعشرين عاماً. والنّتيجة كالآتي: كان تأثير كل ضغط يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب السريري أكبر بنسبة 50 % عند الرّجال مقارنة بالنساء.
تتوافق هذه النتائج مع دراسة نشرناها في نهاية عام 2015، فإذا كان الرجال البيض أكثر عرضة لتأثير الإجهاد الذي يسبب الاكتئاب، فقد يكون ذلك لأنهم أقل عرضة للإجهاد مقارنة بأعراق بشرية أخرى مختلفة.
ومن الممكن أن يؤدي التعرض التراكمي إلى المرونة أو التعود على ما ينتج الضغط. بمعنى آخر من المرجح أن يعتاد الأشخاص الذين يتعاملون مع التوتر طوال الوقت عليه، وبالتالي فإن المجموعة الاجتماعية المعرضة لمستويات منخفضة جداً من التوتر (لأنها تتمتع براحة معيشية مميزة) قد تكون في نفس الوقت الأكثر عرضة للضغوط الإضافية.
لم تتعلم هذه المجموعة التعامل مع الإجهاد بشكل فعال مثل أولئك الذين يتعاملون معه أكثر. ولذلك من المحتمل أن يكون هذا هو الثمن الذي يجب دفعه عندما يتمتع المرء بحياة أسهل وبالتالي أقل إرهاقاً.
اقرأ أيضا: كيف نعالج الاكتئاب الخفيف؟
الرجال المكتئبون لا يعالجون أنفسهم في بعض الأحيان
قد يشعر الرجال بأنهم معرضون لتأثيرات التوتر لأنهم يرون الاكتئاب على أنه ضعف أو ربما يرون أيضاً أن التحدث عن مشاعرهم وطلب المساعدة لمشكلة عاطفية مثل الاكتئاب دليل على العجز. هذا هو الحال بشكل خاص في البلدان النامية حيث الأدوار التقليدية للجنسين متجذرة بقوة.
تشكل هذه المعتقدات بقوة سلوك الرجال الذين يحتاجون إلى مراقبة طبية لحالتهم النفسية والذين يصبحون أكثر عرضة للخطر في حالة الإجهاد والمشاكل العاطفية. وهذا يقود الرجال إلى تجاهل الإصابة بالاكتئاب وتجنب الرعاية اللازمة خوفاً من الظهور بمظهر الشخص الضعيف والعاجز. وهذا يفسر أيضاً إلى حد ما سبب تعرض الرجال المصابين بالاكتئاب (خاصة البيض) للانتحار أكثر من النساء اللاتي يعانين من نفس المرض.
علاوة على ذلك؛ يمكن أن يتسبب التمايز الجنسي في الإصابة بالاكتئاب بطرق متعددة، كما أنه يحدد كيف يمكن مواجهة هذه المصاعب، فضلاً عن أنه يحول ضعفنا إلى ضغوط حادة. لكن من جهة أخرى يمكنه أيضاً أن يوجهنا إلى المصادر التي يجب التواصل معها لإدارة التوتر أو الاكتئاب.
اقرأ أيضا: