تعرف إلى آثار التمييز العنصري في الصحة النفسية

4 دقائق
التمييز العنصري

تصف العنصرية نظاماً لا يخضع للعقل ولا المنطق؛ حيث تُهيكَل الفرص المتاحة وتُحدَّد قيمة فرد أو مجموعة بناءً على خصائص جسدية أو غيرها، والجدير بالذكر أنها قد تكون نظامية أو مؤسسية أو شخصية أو داخلية، كما سنعرف لاحقاً.
ويؤثر نظام "التمييز العنصري" (Racism) بشكل مباشر وغير مباشر في مستوى جودة حياة الفرد والمجتمع معاً، ويبقى عاملاً رئيساً مؤثراً على حياة الكثير منهم، حتى وإن لم يكن ذلك واضحاً للجميع؛ حيث ينعكس سلباً على الحالة النفسية والعقلية للأشخاص الذين يتعرضون له.

وبحسب الجمعية الأميركية لعلم النفس (APA)؛ يضر التمييز العنصري كنظام وسلوكيات، ببعض الأفراد أو المجموعات أكثر من غيرهم؛ ما ينعكس على حجم الضرر الذي يصيب صحتهم الجسدية والنفسية والعقلية.

ويمكن أن يؤدي التمييز على أساس العِرق أو لون البشرة إلى مجموعة متنوعة من المشاكل الصحية مثل التوتر الحاد والقلق والاكتئاب؛ والتي بدورها تقلل من مستوى وحالة الفرد النفسية والعقلية.

لنتعرف معاً أكثر إلى التمييز العنصري وآثاره على الصحة النفسية والطُرق المُثلى للتعامل معه.

ما هو التمييز العنصري؟

يصف "التمييز العنصري" أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم على أساس العِرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني، ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها في كل ميادين الحياة العامة؛ وذلك حسب الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي ترعاها منظمة الأمم المتحدة (UN) من خلال المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان (OHCHR).

مستويات التمييز العنصري

وتظهر العنصرية في مستواها الأدنى في صور مواقف سلبية يواجهها الإنسان المنبوذ المُتعرِّض للتمييز بشكل يومي، إما في الأماكن العامة أو العمل أو غير ذلك؛ حيث يمكن أن تشمل سوء المعاملة الجسدية واللفظية وعدم الاحترام أو حتى السخرية العنصرية غير المتعمدة.

أما العنصرية في المستوى الأعلى فهي تصف أشكال التمييز في الأنظمة الحكومية والتشريعات القانونية وما يتبعها من لوائح وسياسات عامة أو صحية؛ حيث يتضمن ذلك القواعد التي تحكم المؤسسات مثل نظام العدالة أو الرعاية الصحية أو نظام التعليم، أو حتى النظام المالي.

وتتراوح آثار العنصرية من مستوى التفاعلات الشخصية اليومية التي يخوضها الإنسان، إلى الفرص القائمة في سبيل الحصول على تعليم وإسكان وتوظيف وما إلى ذلك.

وتؤثر بشكل ملحوظ، على سبيل المثال لا الحصر، في تحديد شكل الفروقات في الصحة وحجم الثروات ودخل الفرد والعدالة؛ حيث يستفيد بشكل غير عادل بعض الأفراد الذين ينتمون إلى المجموعات التي تحظى بالهيمنة الاجتماعية، أو في بعض الأحيان السياسية.

أنواع التمييز العنصري

تخبرنا ورقة علمية نُشِرَت في مؤتمر العِرق والسياسة العامة الأميركي بالتعاون بين كيث لورانس (Keith Lawrence) من معهد آسبن للتغيير المجتمعي، وتيري كيلير (Terry Keleher) من مركز البحوث التطبيقية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، أن للتمييز العنصري صوراً وأشكالاً متعددة، وفيما يلي بعض منها:

  • العنصرية الداخلية: تحدث عندما يبدأ بعض الأفراد في الاعتقاد بأنهم أقل شأناً من غيرهم بسبب عِرقهم أو لونهم أو خصائصهم الجسدية.
  • العنصرية الشخصية: تحدث عندما تصبح المعتقدات أو التحيزات الفردية أفعالاً تجاه الآخرين، وتوصف في بعض الأحيان بالعنصرية التي تحدث بين الأفراد.
  • العنصرية المؤسسية: حيث تحدث داخل المؤسسات وفيما بينها كالجامعات والمدارس ووسائل الإعلام والشركات، وتظهر في شكل معاملات تمييزية وسياسات غير عادلة وفرص وآثار غير منصفة قائمة على العِرق؛ حيث يؤدي بعض الأفراد دوراً سلطوياً بأساليب تضر وتفيد الآخرين على أساس العِرق.
  • العنصرية النظامية: تتكون من ثلاثة أعمدة أساسية؛ التاريخ والثقافة والمؤسسات أو السياسات. حيث توفر إطاراً حراً للعنصرية الحالية؛ ما يسمح بقبول العنصرية وتطبيعها وإدامتها.

الآثار النفسية والعقلية للتمييز العنصري

في دراسة حديثة نُشِرَت في الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2021 في مجلة طب الأطفال (Pediatrics)، حلل فريق بحثي من جامعة كاليفورنيا الأميركية البيانات المتعلقة بالتمييز العنصري المتكرر وتأثيره على المشاركين الذين تراوحت أعمارهم بين 18 و28 عاماً.

وجد الباحثون أن التمييز العنصري -سواءً الحالي أو الماضي- أظهر ارتباطات سلبية بالصحة النفسية والعقلية وتعاطي المخدرات ومستوى الرفاهية لدى كُلٍّ من الشباب  والشابات.

وفي نفس السياق تصف لنا شيشيرا سرينيفاس (Shishira Sreenivas)؛ محررة سابقة في القسم الطبي بجامعة ويست فيرجينيا الأميركية، في مقالتها لصالح منصة "ويب إم دي" (WebMD)، بعضاً من التأثيرات العاطفية التي تظهر نتيجة التمييز العنصري؛ ومنها:

  • الغضب
  • القلق والشعور بالحذر المستمر.
  • الإرهاق ونقص الطاقة للتخطيط أو التفكير.
  • أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
  • أفكار تغلب عليها مشاعر وعواطف الانتحار.
  • انخفاض تقدير الذات نتيجة العنصرية الداخلية.
  • أفكار تغلب عليها مشاعر وعواطف الحزن والاكتئاب.
  • النظرة السلبية واليأس حول إمكانية تغيير جودة الحياة اليومية.

وبالمثل، فالتعامل مع التمييز العنصري بانتظام يؤثر على جسد الإنسان ويتسبب في إفراز مستمر لهرمونات التوتر التي تضع الشخص في حالة يقظة عالية؛ حيث يمكن أن يسبب ذلك مشاكل تؤدي إلى تدهور الحالة الصحية؛ ومنها:

  • الالتهابات.
  • ارتفاع ضغط الدم.
  • زيادة معدل ضربات القلب.
  • ارتفاع مستويات الكورتيزول.
  • انخفاض وظائف الجهاز المناعي.

إجمالاً -وبلا شك- يتفاقم أثر التمييز العنصري عندما نُدرِك آثاره الجسيمة على هز ثقة الفرد بنفسه، وزرع الشكوك التي تتعلق بهويته وثقافته وقيمته الفعلية؛ ما يؤثر بشكل تراتبي على أدائه للمهام اليومية البسيطة، ومستوى جودة حياته وصحته النفسية والعقلية.

ما الطريقة المثلى للتعامل مع التمييز العنصري؟

قد لا نكون قادرين على تغيير الطريقة التي يعاملنا بها الناس، أو كبح سلوكيات التمييز العنصري داخل مجتمعاتنا، أو حتى مواجهة العنصرية بشكل جذري وفعّال، حسب وصف مقالة سرينيفاس السابقة؛ ولكن يمكننا تجاوز مِحن ومواقف التمييز العنصري وتحسين مزاجنا وصحتنا النفسية والعقلية وحتى الجسدية، بعمل ما يلي:

  • التحدث عن التجارب: حيث يمكن أن يؤدي العثور على مكان آمن لمشاركة ما يمر به الإنسان إلى الشعور بالراحة، ويمكن أن يقلل ذلك أيضاً من خطر الإصابة بمشكلات الصحة النفسية والعقلية.
  • مواجهة المشاعر والعواطف المؤذية: حيث يمثل هذا السلوك الحل الأمثل والفعّال في أغلب الأحيان، فعندما يتحدى الإنسان تلك المشاعر التي تحمل الإهانة أو التقليل من الشأن أو النبذ بطريقة بنّاءة، فذلك يساعد على تجاوزها بشكل سليم.
  • تحديد المحفّز السلبي في البيئة المحيطة والتعرف عليه أكثر: وذلك بالعمل على تقليل مساحة المكان أو الموقف أو الشخص الذي يؤثر على صحتك النفسية والعقلية؛ ما قد يساعد في تخفيف القلق ومعالجة الصدمات النفسية.
  • البحث عن إلهام: فقد يساعد التواصل مع شخص ملهم ومحفّز بشكل إيجابي على إعطاء دفعة للأمام، وجعل الإنسان أكثر وعياً بقيمته الشخصية الحقيقية.
  • الانضمام إلى المنظمات التي تكافح التمييز العنصري وتُحدِث تغييراً إيجابياً: فقد يكون ذلك محفزاً إيجابياً على الشعور بالتحكم، ويعزز القيمة الشخصية للفرد.
  • الحصول على مساعدة مختص في الصحة النفسية والعقلية: فقد تكون المساعدة الطبية المتخصصة أفضل أسلوب علاجي عندما تتأثر جودة حياة الإنسان بسبب مشكلات نفسية عميقة نتيجة التمييز العنصري.

في الختام، فعلى الرغم من الجذور العميقة للتمييز العنصري في بعض المؤسسات والأنظمة؛ فإن جزءاً كبيراً منها نحمله نحن كبشر في ذواتنا، وفي بعض الأحيان قد نمارسه بشكل واعٍ أو غير واعٍ على الآخرين.

بالتالي؛ يجب علينا جميعاً أن نتكاتف ونتحاور ونتقوّى بالمعرفة المناسبة لنستطيع التغلب على التمييز العنصري ومستوياته المتعددة؛ ما سوف يساعد في تحسين جودة حياتنا وصحتنا الجسدية والعاطفية، ويعزز صحتنا النفسية والعقلية.

المحتوى محمي