بدأت معاناة مازن البالغ من العمر 40 عاماً من "التقزُّم" (Achondroplasia) في مرحلة الطفولة -والتقزم "مرض نادر"- وازدادت خلال مرحلة المراهقة؛ حيث يجعل المرض كل مشاكل المراهقين الطبيعية أسوأ بداية من عدم القدرة على الوصول إلى الأرفف في المتاجر، وحجم الملابس غير المناسب، وغيرها.
مازن هو أحد النماذج للمصابين بالأمراض النادرة الذين يعانون من العديد من المشكلات؛ والتي تبدأ بالتشخيص الخاطىء في بعض الأحيان، وقد تصل إلى التحيُّز في التشخيص خاصة بالنسبة للأمراض ذات الصورة الذهنية السلبية لدى العديد من المجتمعات مثل "الإيدز" (AIDS)، وعدم الحصول على الدعم الكافي من المقربين أو أصحاب العمل إذا كانت أعراض المرض غير مرئية؛ تلك العوائق التي تضاعف معاناة المصابين بالأمراض النادرة.
الحياة مع مرض نادر
يُعرَّف المرض النادر بأنه ذلك الذي يصيب أقل من واحد من بين 2,000 شخص وفقاً لمنظمة الأمراض النادرة البريطانية. يحدث معظم تلك الأمراض نتيجة طفرة جينية، لذلك يُعتبَر مفتاح التشخيص والعلاج هو تحديد الجين المتحوِّر أولاً، ثم العثور على البروتين الذي يُنتَج من هذا الجين، يليه العثور على عقار يستهدف إما الجين أو البروتين، وتلك رحلة طويلة ليست باليسيرة.
كما يعاني الأشخاص المصابون بأمراض نادرة في كثير من الأحيان من عدم تكافؤ فرص الحصول على التشخيص والعلاج؛ ما يزيد من معاناتهم.
في دراسة أجراها باحثون من جامعة أوساكا باليابان لتحليل تجارب المرضى المصابين بالوذمة الوعائية الوراثية (Hereditary Angioedema) -مرض وراثي يتميز بنوبات متكررة من التورم الشديد خاصة في الأطراف والوجه والجهاز المعوي والمجرى الهوائي- وتوضيح سبب استغراق وقت طويل للوصول إلى تشخيصه، وجد الباحثون أن أحد أهم تلك العوامل يتمثَّل في عدم اشتباه المرضى والمختصين في وجود مرض نادر.
كما أنه في بعض الأحيان يعتاد المرضى على حالتهم الصحية دون الاشتباه في الإصابة بمرض، ويتوقفون عن البحث عن تشخيص لحالتهم. بينما قد يعيش البعض مع الأعراض لسنوات دون أن يكونوا على دراية بإمكانية الإصابة بمرض نادر؛ ما يؤدي أيضاً إلى تأخُّر التشخيص.
تأثير المرض النادر على الحياة الشخصية والعملية
بجانب المعاناة من المرض؛ يعاني المرضى من عدد من العواقب النفسية السلبية. بحثت دراسة من جامعة ولاية بنسلفانيا الأميركية في الآثار النفسية التي يعاني منها المصابون بـ"نقص ألفا 1 أنتيتريبسين" (Alpha-1 Antitrypsin Deficiency)؛ والذي تتمثّل أعراضه في ضيق التنفس، السعال المفرط مع إفراز البلغم، وألم في الصدر يزداد عند التنفس مع حالة انخفاض الطاقة أو التعب، وتأثير ذلك المرض على حياتهم الشخصية والعملية، بالإضافة إلى جودة حياتهم بشكل عام.
وأظهرت النتائج تعرُّض هؤلاء المرضى لوصم من مصادر مختلفة؛ بما في ذلك الأسرة وأصحاب العمل ومقدمو الرعاية الصحية. دفعتهم تلك الطريقة في التعامل إلى مزيد من السريّة والتكتُّم حول حالتهم الصحية؛ وبالتالي المعاناة من مزيد من التوتر.
السرية
يشير الباحثون إلى ارتباط السرية والتكتُّم حول المرض بالخوف من الرفض؛ حيث يلجأ المرضى لعدم الإفصاح عن حالتهم لأفراد عائلتهم أو شركائهم أو أصدقائهم خوفاً من مواجهة ذلك الإفصاح بالرفض؛ ما يحدّ من فرص الحصول على الدعم المعلوماتي والعاطفي من المقربين.
الوصم
قد تكون وصمة العار الأقوى مرتبطة أيضاً بمستوى أعلى من التوتر؛ حيث إن التهديدات التي يفرضها الوصم المحتَمَل تتجاوز قدرة المريض على التأقلم معها.
الرفض
يُعدّ الرفض أيضاً أحد العواقب السلبية الأكثر شيوعاً للأمراض النادرة. في الدراسة الأميركية ذاتها على سبيل المثال؛ كان الرفض من قبل أفراد الأسرة والأصدقاء وشركاء الحياة بنسبة 59%، يليه التمييز والاحتقار من قبل أصحاب العمل ومقدمي الرعاية الصحية بنسبة 44%، فضلاً عن حرمان المرضى من تغطية التأمين الصحي.
يقول أحد المشاركين بالدراسة أنه عندما طلب من صاحب العمل تنظيف المكتب لأن الغبار قد يسرع من تطور المرض لديه، قوبل طلبه بالرفض ولم يُعتبر مرضه مرضاً حقيقياً، ثم تم استبعاده من جميع المحادثات مع الإدارة حول بيئة العمل؛ ما نتج عنه شعوره بالإحباط والغضب والإذلال.
تشجيع المصابين بالأمراض النادرة على التحدث
بالنسبة للمرضى الذين يعانون من حالات طبية غير معروفة، فإن مجرد بدء محادثة قد يفتح أبواباً جديدةً. يقول "ديفيد كوكس" (David Cox)؛ المدير التنفيذي لمؤسسة الأمراض النادرة بفانكوفر بالمملكة المتحدة: "من الضروري أن يشارك المرضى تجاربهم. ذلك لأن كل قصة فريدة من نوعها، وتقدم منظوراً جديداً للتحديات التي يواجهها المرء كشخص يعيش مع مرض نادر أو يعتني بشخص مصاب بمرض نادر".
يضيف كوكس أن حملات التوعية العامة وجهود جمع الأموال المختلفة هي محل تقدير؛ لكنها يمكن أن تخلق رسائل غير متسقة بسبب كونها غير منظَّمَة، لذلك فالسعي لتوحيد الجهود تجاه هدف واحد يكون أفضل.
وأخيراً؛ قد يساعد الحديث حول طبيعة تلك الأمراض إلى زيادة الوعي بها وبآثارها على حياة الفرد لكي يستطيع ممارسة حياته دون قيود مفروضة غير مرئية عوضاً عن الشعور بالعزلة ونقص الدعم.